كاتبة أميركية ـ إيرانية تستعرض أسباب انضمام الفتيات إلى «داعش»

«عرائس داعش» محور كتاب جديد صدر بالولايات المتحدة، بعنوان «بيت ضيافة لأرامل شابات»، للكاتبة الأميركية - الإيرانية أزادي موفيني، المقيمة في الولايات المتحدة الأميركية. الكتاب الذي يقع في ثلاثمائة وثمانية وثلاثين صفحة يسلط الضوء على إحدى أكثر الإشكاليات تعقيداً وإثارة للنقاش في الوقت الراهن، وهي ظاهرة التطرف، خصوصاً «داعش». وتحاول الكاتبة، من خلال مقابلاتها مع الفتيات اللاتي انضممن إلى «داعش»، أن تتعرف كيف تحولن من الاهتمام بالدراسة والموضة واهتمامات الفتيات في أعمارهن إلى الاهتمام بأفكار دينية متطرفة، والانجذاب إلى هذا التنظيم الإرهابي.
وتعالج الكاتبة ظاهرة التطرف الديني انطلاقاً من كواليس العيش في عالم التطرف المظلم، وتسرد قصص 13 فتاة من جنسيات مختلفة وجدن أنفسهن فجأة في فخ التطرف القاتل.
ويلقى الكتاب رواجاً كبيراً داخل الولايات المتحدة، خصوصاً أن الكاتبة موفيني هي المراسلة الصحافية السابقة لمجلة «تايم» في منطقة الشرق الأوسط، ولها مؤلفات مثل: «شهر العسل في طهران» و «أحمر شفاه جهاد»، ولها كتابات تحليلية حول الربيع العربي وآثاره، وتأثيرات الحرب التي تقودها الولايات المتحدة على الإرهاب، والحرب الأهلية في سوريا، وصعود «داعش» وسقوطه.
أما السؤال الأبرز الذي حاولت الكاتبة الإجابة عنه في هذا الكتاب، فهو: ما الذي يدفع النساء للانخراط في صفوف «داعش»؟
لا تبدو واضحة للعيان العوامل المشتركة التي تجمع أوروبيات وعربيات وأفريقيات تحت خيمة التطرف، فأوجه التباين الثقافي واللغوي والآيديولوجي تفرق أكثر مما تجمع نساء من بريطانيا وألمانيا وتونس وشمال أفريقيا، كما أن التباين في العمر يزيد هو الآخر من صعوبة فك طلاسم «الانتماء الداعشي».
تحدثت مؤلفة الكتاب عن الطرق المختلفة لتجنيد النساء واستدراجهن للوقوع فريسة للدعاية المتطورة التي وعدتهن بفرصة سانحة لإقامة مجتمع إسلامي مثالي يمكنهن من العيش دون خوف، ليدركن لاحقاً أن هذه الوعود ليست سوى سراب، بل تحول حلم ما يسمى «الدولة الإسلامية» المزعومة إلى كابوس يطارد فتيات وجدن أنفسهن عرضة للاغتصاب والتعنيف باسم الدين.
حكاية الفتاة التونسية نور جسدت مثالاً أرادت من خلاله الكاتبة موفيني الكشف عن جانب من التطرف ألقت باللائمة فيه على بعض القوانين والقيود الاجتماعية في بلدان عربية، وحتى المناهج التعليمية التي تغفل أهمية حماية الشباب من دعايات التطرف التي تشكل سلاحاً فتاكاً.
نور فتاة تونسية تأثرت بأحد الشيوخ عبر منصة «يوتيوب»، وسرعان ما بدأ سلوكها يتغير، بدءاً من محاولة وضع النقاب في المدرسة، الذي كان محظوراً في الأماكن العامة في تونس قبل ثورات 2011، لكنه بالنسبة لنور كان قراراً لإعلان وإظهار التمرد في سن المراهقة.
وفي مشهد مفزع، صفعها مدرسها، تم طردها من الفصل! أما محاولة عودتها، فكانت مهينة للغاية بالنسبة لها.
لم يكن هناك مساحة لنور في ذلك بتونس، لينتهي بها الحال بالهروب إلى مخيمات «داعش»، لتغدو زوجة لأحد قادة التنظيم.
وتشرح موفيني الطرق التي تجعل الفتيات يتجهن نحو حياة أكثر تديناً، ولماذا يتقن للعيش في حياة مختلفة. وتلقي الضوء على التأثير القوي لرجال الدين عبر منصات التواصل ويوتيوب والمدونات من داخل مخيمات «داعش»، إضافة إلى أساليب التجنيد الذكية التي يمارسها «داعش» عبر الإنترنت.
وتتطرق موفيني إلى التفاصيل الوحشية لأساليب «داعش» في قطع الأعناق، لكنها تركز بشكل أساسي على اللحظات التي تتخذ فيها الفتيات الصغيرات قرار الانضمام إلى «داعش»، وتطرح سؤالاً محورياً: كيف يمكن للمرأة أن تصبح ضحية وجانية في الوقت نفسه؟
كان هذا أحد الأسئلة التي تطرقت لها الكاتبة، حيث عرضت أدواراً مختلفة للنساء في معاقل التنظيم المتطرف. ففي الوقت الذي يتعرضن فيه للاغتصاب والتعنيف، يعهد إليهن أيضاً بمهام قتالية، ولم يمضِ وقت طويل حتى اكتشفن حجم الجحيم الذي يعشن فيه، بل أكثر من ذلك: اكتشفن زيف الدعاية التي سوقت لهن الانضمام للتنظيم، ولكن لم يعد هناك مجال للعودة لبلدانهن، فقد أضعن خط الرجعة، وواجهن المصير المجهول.
تطرح نساء «داعش» اليوم إشكالاً كبيراً، وإحراجاً للبلدان التي ينتمين لها، خصوصاً أن معظم هؤلاء أصبحن أرملات بعد اختفاء أزواج بعضهن، وقتل البعض الآخر في حرب القضاء على التنظيم.
بعد سقوط «داعش»، طفت على السطح تحديات جديدة، في ظل رفض دول أوروبية وعربية استقبال مواطنيها المنتمين للتنظيم المتطرف. فقد فقدت جماعة «داعش» كثيراً من الأراضي التي كانت تحتلها، ووجد كثير من الشابات والفتيات اللائي تركن بيوتهن للانضمام إلى التنظيم أنفسهن أمام مصير مجهول.
وتعبر موفيني عن شعورها بالإحباط لأن معظم الروايات التي صورت نساء «داعش» قدمتهن على أنهن عرائس ساذجات أو وحوش آدمية، وتتغافل أن قرار أي فتاة الانضمام إلى «داعش» يمر مراحل معقدة، وأن معظمهن كن في مرحلة عمرية صغيرة عندما اتخذن هذا القرار.
أين المفر؟
حلم «داعش» سرعان ما تلاشى كسحابة صيف، فالمناصب الرفيعة التي وعدوا بها كرائدات في مجتمع جديد تبين أنها غير موجودة؛ لقد وجدن أنفسهن في بعض مظاهر الجحيم، ولكن أين المفر؟
تتذمر إحدى المجندات عندما ترى أن المراهقات الأوروبيات تعاملن بشكل أفضل، ولديهن امتيازات في «دولة الخلافة» أكثر من النساء السوريات المحليات من أمثالهن؛ المبررات واهية كما تقول إحداهن. مشاهد متنوعة من عالم «داعش» المظلم كشفت جزءاً من إشكالية كبيرة لم تجد حقها من النقاش العميق سوى ببعض المؤلفات التي وجدت طريقها لدور النشر مؤخراً، وفي مقدمتها كتاب «بيت الضيافة لأرامل شابات»، لمؤلفته أزادي موفيني.