موسكو ترفض تلويح الأطلسي «المريض» بضم أوكرانيا

عاد ملفّ توجه حلف شمال الأطلسي لتعزيز التقارب مع أوكرانيا إلى الواجهة، بعد تصريحات لافتة صدرت عن الحلف الغربي باقتراب موعد انضمام الجمهورية السوفياتية السابقة إليه، رغم المعارضة الروسية القوية لتطور من هذا النوع.
وتزامن النقاش حول هذا الملف مع ظهور عراقيل أسفرت عن إرجاء البدء بسحب القوات المتحاربة من مناطق التماس في شرق وجنوب أوكرانيا، ما يهدّد بنسف جهود لعقد قمة رباعية تضم زعماء روسيا وأوكرانيا وفرنسا وألمانيا بهدف دفع التسوية في البلاد.
وأعلن، أمس، أن القوات الحكومية الأوكرانية والانفصاليين الموالين لروسيا أجّلا إطلاق عمل فصل القوات في مناطق التماس التي كانت مقررة أمس الجمعة إلى اليوم، وسط مخاوف من أن تعثر العملية سوف يؤدي إلى تقويض الخطوات اللاحقة لدفع التسوية بما في ذلك عقد القمة.
وأعلنت منظمة الأمن والتعاون في أوروبا التي كلف مراقبوها الإشراف على هذه العملية، تأجيل الانسحاب. وقال مارتن ساجديك ممثلها الخاص لأوكرانيا في بيان إن «انسحاب القوات والمعدات سيبدأ السبت. وكانت هذه المرحلة الثالثة من انسحاب قوات الجانبين مقررة منذ الاثنين الماضي، لكنها أُرجئت بسبب إطلاق نار في قطاع فصل القوات. وأعلنت أوكرانيا استعدادها لتنفيذ الانسحاب الجمعة، لكن الانفصاليين طالبوا بتأجيل العملية إلى السبت». وتقول كييف إن هذه العملية تشكل «الشرط المسبق الأخير لتنظيم القمة الرباعية» من أجل تحريك عملية السلام في شرق أوكرانيا.
وكان الناطق العسكري الأوكراني، أندريه أغييف، قال إن عملية الانسحاب ستجري في حال لم يسجل أي انتهاك للهدنة في القطاع. وفي مؤشر على استمرار التوتر، قال المكتب الإعلامي العسكري الأوكراني إن جنديا أوكرانيا قُتل الخميس برصاص معاد في قطاع آخر من منطقة دونيتسك. وجرت العمليتان الأولى والثانية لانسحاب القوات من خطوط الجبهة في يونيو (حزيران)، ثم في أكتوبر (تشرين الأول).
ويأمل وزير الخارجية الأوكراني، فاديم بريستايكو، في أن تعقد القمة التي تجمع الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي والروسي فلاديمير بوتين والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل خلال الشهر الحالي في باريس.
وتعد عمليات الانسحاب من خطوط التماس واحدة من شروط الكرملين لقبول عقد القمة، في حين قوبلت موافقة زيلينسكي على الخطة باعتراضات داخلية واسعة النطاق ووصف معارضون أوكرانيون الخطوة بأنها «استسلام لروسيا».
وأسفر هذا النزاع عن سقوط نحو 13 ألف قتيل منذ اندلاعه قبل خمس سنوات، بعد شهر من ضم روسيا شبه جزيرة القرم. وقالت روسيا إنها تؤيد عقد قمة رباعية لكنها رفضت الالتزام ببرنامج زمني. وأوضح الناطق باسم الكرملين ديمتري بيسكوف، الثلاثاء: «نرغب في عقد قمة في أسرع وقت ممكن، لكننا نعتقد في الوقت نفسه أنه يجب الإعداد لها بشكل جيد».
ورأى بيسكوف خصوصا أنه «من المبكر جدا الحديث» عن مواعيد «لأن كثيرا من المسائل» ما زالت عالقة.
وتزامنت السجالات حول خطة الانسحاب، مع دخول عنصر جديد على التوتر القائم في المنطقة، إذ عاد حلف الأطلسي إلى التلويح بأن أوكرانيا يجب أن تنضم إلى الحلف الغربي، رغم أن هذا الموقف يجد معارضة حازمة من جانب موسكو.
وقال الأمين العام للحلف أول من أمس، إن أوكرانيا «ستصبح عضوا في حلف الناتو». وزاد في حديث لقناة تلفزيونية أوكرانية: «اتفق كل الأعضاء على أن أوكرانيا ستدخل الناتو. وقد تم انضمام جمهورية مونتنيغرو (الجبل الأسود) إلى الناتو منذ سنتين فقط، وبعد عدة أشهر لحقت بها مقدونيا، ولقد رأينا ذلك سابقا أي بعد انهيار جدار برلين. ولم يحلم أحد، بما في ذلك بولندا وبلدان البلطيق، أنها ستكون أعضاء في الناتو».
ووعد ستولتنبيرغ أيضا بأن الحلف سيساعد كييف في إجراء الإصلاحات وتحديث المجتمع، لكي يكون بإمكانها الانضمام إلى الناتو.
وردا على سؤال فيما إذا كان الناتو سيترك أوكرانيا كـ«منطقة رمادية» بين روسيا وأوروبا، قال ستولتنبيرغ إن «هذا البلد يعد واحدا من 40 دولة شريكة للحلف». وأضاف أن «الشراكة تعد بالنسبة لبعض الدول أول خطوة نحو العضوية، لكن هذه الشراكة تعني أيضا لكل هذه الدول علاقات دائمة مع الناتو. ويجب الفهم أن هناك اختلافا كبيرا بين وضع (لا علاقات) و(العضوية الكاملة)». وتابع أنه يجب على أوكرانيا التفكير في الذي يمكن أن تعمله المنظمة (الناتو) لتحقيق العضوية الكاملة لأوكرانيا في صفوفها.
وأعلن ستولتنبيرغ في كلمة ألقاها في البرلمان الأوكراني في نهاية الشهر الماضي أن الطريق إلى الانضمام إلى الحلف صعب، ويجب على الراغبين في الانضمام إجراء إصلاحات مهمة، مشيرا في الوقت ذاته إلى أن أبواب الناتو لا تزال مفتوحة بالنسبة لأوكرانيا.
من جانبها، جددت موسكو توجيه انتقادات قوية للتصريحات التي تتحدث عن انضمام أوكرانيا إلى الحلف، ووصفت الخارجية الروسية، سياسة حلف شمال الأطلسي تجاه هذا البلد بأنها «غير بناءة».
وقالت الناطقة باسم الوزارة، ماريا زاخاروفا، إن الخارجية الروسية اطلعت على بيانات صدرت خلال الزيارة التي قام بها وفد يضم سفراء دول الناتو وترأسها أمينه العام، ينس ستولتنبيرغ، إلى أوكرانيا، مؤخرا. وأشارت إلى أن الحديث يدور عن اتهامات لا أساس لها موجهة إلى روسيا ومحاولات لتقديم النزاع الداخلي الأوكراني على أنه نزاع بين أوكرانيا وروسيا. وتابعت زاخاروفا: «تصرفات الحلف غير بناءة، وسعيه ليس للمصالحة بل إلى التصعيد، وتسهم خطواته في تنامي درجة التوتر، بما في ذلك عن طريق إعطاء وعود للأوكرانيين بأن الحلف سيقف دائما إلى جانبهم».
وبحسب الناطقة، فإن «الأطلسي يعمل على تشجيع تطلعات كييف الأوروبية الأطلسية في ضوء قرارات قمة الناتو في بودابست. لكن الناتو لا يستطيع حل المشكلات الداخلية الأوكرانية، بما في ذلك مشكلاتها في مجال المصالحة الوطنية ومكافحة الفساد وإعادة استقرار الوضع في شرق البلاد».
في غضون ذلك، تجنب الكرملين إعطاء تقويم حول «حالة حلف الناتو» بعد أن صرح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بأن الحلف في حالة موت سريري. وقال الناطق باسم الرئاسة الروسية دميتري بيسكوف: «ليست مهمتنا أن نقرر ما إذا كان الناتو حيا أو ميتا، وما هي أجزاء جسم الحلف التي دخلت في غيبوبة. لسنا اختصاصيين في الطب الشرعي». وأضاف بيسكوف أن «حلف شمال الأطلسي كان دائما أداة للعدوان والمواجهة، لكن رغم ذلك كانت روسيا ولا تزال منفتحة على التعاون مع هذا التكتل».
في حين، قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أنه «إذا شعر الرئيس ماكرون أن هذا التشخيص واضح لا لبس فيه، فلديه كل الحق في التعبير عن ذلك. معرفته بالناتو أفضل بكثير من معرفتي، لأنه يمثل إحدى الدول المحورية في حلف شمال الأطلسي». وأكد لافروف أن موسكو حريصة على تطوير تعاون متكافئ ومتبادل المنفعة مع حلف شمال الأطلسي «بمجرد أن يتعافى الناتو من مرضه».