إردوغان يرهن زيارته إلى واشنطن بنتائج اتصال مرتقب مع ترمب

رهن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان زيارته المرتقبة إلى الولايات المتحدة في 13 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، بنتيجة اتصاله الهاتفي مع الرئيس دونالد ترمب.
وقال إردوغان إنه سيجري، في وقت قريب، اتصالاً هاتفياً مع ترمب، سيقرر بعده ما إذا كان سيقوم بالزيارة إلى واشنطن أو يلغيها. وأضاف، في تصريحات بمقر البرلمان في أنقرة أمس (الثلاثاء)، أن الزيارة لم تحسم بعد، وأن طاقمه الإداري يتواصل مع نظيره الأميركي، بشأن الاتصال الهاتفي مع ترمب والزيارة المرتقبة إلى واشنطن.
وتلقى إردوغان دعوة من نظيره الأميركي لزيارة واشنطن في 13 نوفمبر، لكن قرار مجلس النواب الأميركي الاعتراف بمذابح الأرمن شرق الأناضول في زمن الدولة العثمانية في الفترة ما بين 1915 و1917 إبان الحرب العالمية الأولى، وقرار مطالبة ترمب بفرض عقوبات على تركيا بسبب العملية العسكرية في شمال شرقي سوريا، دفع حكومة إردوغان إلى دراسة جدوى الزيارة مجدداً.
والأربعاء الماضي، استدعت وزارة الخارجية التركية السفير الأميركي في أنقرة، ديفيد ساترفيلد، على خلفية خطوة مجلس النواب الأميركي بالاعتراف بأحداث شرق الأناضول على أنها «إبادة جماعية» للأرمن. كما لوّح إردوغان آنذاك بإلغاء زيارته لواشنطن، قائلاً إنه لم يحدّد بعد قراره بخصوصها لأن «هناك علامة استفهام بشأن تحرك مجلس النواب الأميركي».
وفي سابقة لافتة، مرر مجلس النواب الأميركي، الثلاثاء قبل الماضي، مشروع قرار يصف مقتل الأرمن على يد العثمانيين إبان الحرب العالمية الأولى بالإبادة الجماعية، بغالبية كبيرة من الحزبين الديمقراطي والجمهوري. وحصل المشروع على تأييد 405 أصوات من عدد نواب المجلس البالغ 435 بينهم 178 جمهورياً، مقابل اعتراض 11 نائباً فقط.
وقالت رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي قبل التصويت على مشروع الإبادة: «لنكن واضحين اليوم، ولنذكر الوقائع في مجلس النواب لتحفر للأبد في وثائق الكونغرس... الأفعال البربرية التي ارتكبت بحق الشعب الأرمني كانت إبادة جماعية». وأعلنت تركيا رفضها قراري مجلس النواب بشأن الأرمن والعقوبات بسبب العملية العسكرية في شمال شرقي سوريا.
وتواجه العلاقات التركية - الأميركية تحديات أخرى تتعلق برفض الولايات المتحدة اقتناء تركيا منظومة «إس 400» الروسية للدفاع الجوي لتعارضها مع أنظمة تسليح حلف شمال الأطلسي (ناتو)، وأعلنت إبعادها عن برنامج مشترك لتصنيع وتطوير مقاتلات «إف 35» الأميركية، ولا تزال تطالبها بعدم استخدام المنظومة الروسية التي حصلت تركيا على الدفعة الأولى منها.
ورداً على سؤال حول احتمالية امتناع واشنطن عن تسليم تركيا مقاتلات «إف 35»، قال إردوغان إنهم سيتدبرون أمرهم في حال لم يتم حل المشكلة مع واشنطن، كما فعلت حين شرائها منظومة الصواريخ الروسية «إس 400».
وأضاف: «عززنا الصناعات الدفاعية محلياً واشترينا منظومة (إس 400) من روسيا، وطوّرنا طائرات مقاتلة بعد رفض الولايات المتحدة تسليمنا المقاتلات (إف 35)».
وتطرق إردوغان إلى ملف آخر من الملفات الخلافية مع الولايات المتحدة، وهو تسليم التركي فتح الله غولن، الذي تتهمه أنقرة بتدبير محاولة انقلاب فاشلة شهدتها في 15 يوليو (تموز) 2016. وقال في كلمة أمام المجموعة البرلمانية لحزب العدالة والتنمية الحاكم في البرلمان أمس، إن غولن بمثابة «مشروع، ولذلك فإنه يعيش في منزل فخم على مساحة 400 دونم في الولايات المتحدة».
وهاجم إردوغان واشنطن بسبب خلو تقرير وزارة الخارجية الأميركية حول الإرهاب لعام 2018 من تصنيف حركة الخدمة التابعة لغولن، وكذلك وحدات حماية الشعب الكردية التي تقاتلها تركيا في شمال سوريا، على أنهما تنظيمان إرهابيان والاستعاضة بالإشارة إلى الوحدات الكردية بـ«امتدادات حزب العمال الكردستاني في سوريا».
وانتقدت تركيا التقرير، في بيان لخارجيتها، عادّة أنه مثال بارز على نهج المعايير المزدوجة.
وقال إردوغان إن «فتح الله غولن (إرهابي)، ونطالب الولايات المتحدة بإرجاعه إلى تركيا لمحاكمته». وأشار إلى أن بلاده واجهت محاولة الانقلاب الفاشلة ضد نظام حكمه في يوليو (تموز) 2016. وتصدت للتهديدات الخارجية على نحو مغاير لما حدث في بلدان أخرى. وأضاف: «أعلم جيّداً أنه خلال المحاولة الانقلابية، كان الجميع ينتظرون بحماس أن ينجح الانقلاب... لم يتردد البعض في الولايات المتحدة والدول الأوروبية وحتى بعض الدول العربية في إظهار دعمهم للانقلابيين، حتى دون الانتظار لصباح اليوم التالي».
في سياق متصل، أطلقت الشرطة التركية أمس (الثلاثاء)، بناء على طلب من نيابة أنقرة، عمليتين لاعتقال 112 شخصاً للاشتباه في صلتهم بمحاولة الانقلاب الفاشلة. وتتهم النيابة المشتبه بهم بأنهم على صلة بحركة غولن، وأن 94 منهم كان على هواتفهم الجوالة تطبيق «بايلوك» للرسائل المشفرة، الذي يعتقد أن أنصار غولن استخدموه قبل وأثناء المحاولة الانقلابية.
وبين من صدرت بحقهم أوامر اعتقال 18 من القيادات السابقة بالجيش التركي للاشتباه أيضاً في صلتهم بحركة غولن، التي ظلت لأكثر من 10 سنوات حليفاً وثيقاً للحكومة التركية، وباتت منذ 2013 «كياناً موازياً» بعد تحقيقات الفساد والرشوة الكبرى التي عدّها إردوغان محاولة أولى للإطاحة بحكومته، ثم «تنظيماً إرهابياً» بعد محاولة الانقلاب الفاشلة، ورفضت واشنطن مطالبات متكررة من تركيا لتسليم غولن، بسبب عدم تقديم أدلة دامغة إلى القضاء الأميركي على ضلوعه في محاولة الانقلاب.
ومنذ تلك المحاولة، التي فرضت بعدها حالة الطوارئ لعامين، تعرض للاعتقال والفصل من العمل مئات الآلاف من رجال الشرطة والعسكريين والقضاة والصحافيين والمعلمين والموظفين بمختلف القطاعات لاتهامهم بالانتماء إلى حركة غولن. وتشير البيانات إلى أن أكثر من 130 ألف موظف بمؤسسات حكومية أوقفوا عن العمل خلال هذه الفترة للتحقيق، بينما يقبع 50 ألف شخص قيد الحبس الاحتياطي.
في السياق ذاته، أمرت محكمة تركية بالإفراج عن الكاتبين البارزين أحمد ألطان، وهو روائي ورئيس التحرير السابق لصحيفة «طرف» التي أغلقتها الحكومة عقب محاولة الانقلاب، ونازلي إيلجاك، وهي نائبة برلمانية سابقة وكاتبة عمود في صحيفة «زمان» التي أغلقتها السلطات أيضاً عقب محاولة الانقلاب، مع الخضوع للرقابة القضائية.
وحكم على نازلي إيلجاك، التي اعتقلت في 30 يوليو (تموز) 2016 مع مجموعة من 16 صحافياً في قضية عرفت بقضية الذراع الإعلامية لحركة غولن، بالسجن لمدة 8 سنوات و9 أشهر، وحُكم على أحمد ألطان بالسجن لمدة 10 سنوات و6 أشهر بتهمة مساعدة المجموعة التي يُعتقد على نطاق واسع أنها نسقت محاولة الانقلاب، والانضمام إلى منظمة إرهابية مسلحة ومحاولة الإطاحة بحكومة جمهورية تركيا أو منعها من أداء واجباتها. واعتقل مع ألطان شقيقه الأصغر الأكاديمي ومقدم البرامج محمد ألطان في أول سبتمبر (أيلول) 2016 بالتهمة ذاتها، إلا أن المحكمة برأته.