تعاقد وستهام مع تيفيز وماسكيرانو حلم تحوّل إلى كابوس

في أغسطس (آب) من عام 2006. وبعد أربعة أشهر من فوز وستهام بقيادة المدير الفني آلان بارديو على ليفربول في نهائي كأس الاتحاد الإنجليزي، كان اليوم الأخير من فترة الانتقالات على وشك أن يتحول إلى مشهد سريالي في شرق العاصمة البريطانية لندن.
في البداية بدا الأمر وكأنه مزحة، إذ بدأت بعض التقارير الصحافية تشير إلى أن أهم موهبتين في عالم كرة القدم بقارة أميركا الجنوبية على وشك الانضمام إلى نادي وستهام يونايتد، وكان رد فعل بارديو متوقعاً عندما سئل عن هذا الأمر، حيث قال: «لا تكن سخيفاً، فلن يحدث ذلك أبداً». لكن الغريب أن هذا الأمر قد حدث بالفعل، حيث سارت واحدة من أكثر انتقالات اللاعبين إثارة للجدل في تاريخ كرة القدم الإنجليزية بسرعة مذهلة، وبحلول نهاية ذلك اليوم، رحل كل من كارلوس تيفيز وخافيير ماسكيرانو عن كورينثيانز البرازيلي وانضما إلى وستهام!
يقول ماثيو إثرنغتون، الذي لعب لوستهام خلال الفترة بين عامي 2003 و2009: «أتذكر أنني شاهدت هذا الأمر على شبكة سكاي سبورتس. ولم يكن أحد منا يتوقع ذلك. ولم نكن نعرف حتى كيف تم التخطيط لعقد هذه الصفقة في ذلك الوقت». ولم ينس شيفيلد يونايتد ما حدث في ذلك الوقت، حيث دخل في خلاف مرير مع وستهام فيما يتعلق بصفقة التعاقد مع كل من تيفيز وماسكيرانو. وقد أصدرت لجنة تحكيم تابعة للاتحاد الإنجليزي لكرة القدم قراراً بحصول شيفيلد يونايتد على تعويض من وستهام في قضية كارلوس تيفيز. وهبط شيفيلد يونايتد من الدوري الإنجليزي الممتاز لدوري الدرجة الأولى في المرحلة الأخيرة من موسم 2006 - 2007 عندما فاز وستهام على مانشستر يونايتد بهدف دون رد من توقيع تيفيز، في الوقت الذي خسر فيه شيفيلد يونايتد على ملعبه أمام ويغان أثليتيك بهدفين مقابل هدف وحيد.
وقدم شيفيلد تظلماً لرابطة الدوري الإنجليزي الممتاز، زاعماً أن تيفيز ومواطنه خافيير ماسكيرانو لم يحق لهما المشاركة مع وستهام في هذه المباراة لأمور تتعلق بملكية عقديهما لطرف ثالث. ووقعت رابطة الدوري الإنجليزي غرامة قاسية على وستهام قدرها 5.5 مليون جنيه إسترليني لإشراكه الثنائي الأرجنتيني في هذا الموسم. ولم يشكل ماسكيرانو تأثيراً كبيراً على مسيرة وستهام في هذا الموسم، لكن تيفيز أحرز ستة أهداف في آخر عشر مباريات من المسابقة لينقذ الفريق اللندني من الهبوط. وطالب شيفيلد يونايتد بإلغاء قرار هبوطه لدوري الدرجة الأولى، لكن عندما رُفض طلبه طالب بتسوية مالية.
وفي وقت لاحق، أصدرت لجنة مشكلة من الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم حكماً لصالح شيفيلد يونايتد، مشيرة إلى أن تيفيز قد لعب دوراً حاسماً في بقاء وستهام على حساب شيفيلد يونايتد، وانتهى الأمر بأن دفع وستهام تعويضاً لشيفيلد يونايتد قدره 20 مليون جنيه إسترليني بعد التوصل إلى تسوية بين الناديين بعيداً عن القضاء.
وفي حين ركزت التغطية الإعلامية على مدى سنوات على تعرض شيفيلد يونايتد للخداع، وبالتالي الهبوط من الدوري الإنجليزي الممتاز، فإن الحلقة المفقودة في هذا الصدد هي الكيفية التي تحول بها حلم وستهام إلى كابوس في نهاية المطاف. وبعيداً عن أن الثنائي الأرجنتيني قد ساعد وستهام على تحدي أندية النخبة في إنجلترا، فإن هذه الصفقة أيضاً كادت أن تؤدي إلى هبوط النادي من الدوري الإنجليزي الممتاز وتسببت في مشاكل مالية طويلة الأجل، كما سممت الأجواء داخل غرفة خلع الملابس بالنادي. وخاض ماسكيرانو سبع مباريات فقط مع وستهام قدم خلالها أداءً سيئاً قبل أن ينتقل إلى ليفربول في فترة الانتقالات الشتوية التالية، في حين كان تيفيز بحاجة إلى 1114 دقيقة من اللعب لكي يسجل أول أهدافه مع الفريق.
وقد كان ذلك الموسم واحداً من أغرب المواسم في تاريخ وستهام على الإطلاق. وكان المدير الفني الإنجليزي آلان بارديو قد فاز في ملحق الصعود للدوري الإنجليزي الممتاز في عام 2005 وكان يُنظر إليه لفترة من الوقت على أنه القائد المثالي لوستهام الذي كان يضم مجموعة رائعة من اللاعبين الشباب. ولو كان اللاعب الإنجليزي بوبي زامورا قد انضم للنادي تحت قيادة بارديو في ذلك الوقت، فمن المؤكد أن الأمر كان سيكون ممتعاً. وبعد فترة من الوقت، بدأت بعض المشكلات خارج الملعب تظهر على السطح وتؤثر على انضباط الفريق.
وقدم وستهام أداءً جيداً في أول موسم له بعد العودة للدوري الإنجليزي الممتاز وأنهى الموسم في المركز التاسع في جدول الترتيب ووصل إلى المباراة النهائية لكأس الاتحاد الإنجليزي أمام ليفربول وكان متقدماً حتى اللحظات الأخيرة من عمر اللقاء، لكن نجم الريدز ستيفين جيرارد أحرز هدف التعادل في وقت قاتل، قبل أن يفوز ليفربول بركلات الترجيح. يقول إيثرنغتون عن ذلك: «لقد تركت هذه الخسارة أثراً في نفوس الجميع».
وفي الحقيقة، لم تعد الأمور إلى سابق عهدها بعد هدف جيرارد القاتل. فقد تعرض دين أشتون، الذي كان أفضل مهاجم لوستهام، لكسر في الكاحل قبل بداية الموسم بفترة وجيزة، كما أصيب عدد من لاعبي الفريق بالغرور. وكان هناك العديد من علامات الاستفهام حول مستقبل نايغل ريو كوكر مع الفريق بعد ظهور بعض التقارير التي ربطت اللاعب بكل من آرسنال ومانشستر يونايتد. وكان ريو كوكر يتعاون بشكل جيد مع كل من أنطون فرديناند، وهايدن مولينز، ومارلون هاروود، وزامورا، وقد لعب كل لاعب من هؤلاء اللاعبين دوراً بارزاً في صعود الفريق. وعندما تعاقد النادي مع تيفيز وماسكيرانو، أخذ الأخير مكان مولينز في خط الوسط.
يقول إيثرينغتون عن ذلك: «من المؤكد أن هايدن لم يتصرف بطريقة سلبية، لكن ذلك الأمر ترك أثراً سلبياً على الأجواء داخل غرفة خلع الملابس في ذلك الوقت. لقد كان الفريق يضم عدداً كبيراً من اللاعبين الشباب الرائعين، بالإضافة إلى لاعبين آخرين لديهم خبرات كبيرة وإمكانيات هائلة. فهل كان الفريق بحاجة إلى التعاقد مع اثنين من اللاعبين رفيعي المستوى مثل ماسكيرانو وتيفيز؟»
وكان ما يسمى بـ«الحقوق الاقتصادية» لكل من تيفيز وماسكيرانو مملوكة لأربع شركات يمثلها رجل الأعمال البريطاني صاحب الأصول الإيرانية كيا جورابشيان، الذي كان يتوقع أن يقوم بشراء وستهام. ونما اعتقاد بأن تيفيز وماسكيرانو كانا يتوقعان تغيير المدير الفني. وتعرض بارديو إلى تقويض كبير للغاية، وكان اللاعبون يعرفون ذلك الأمر. وأشار تيدي شيرينغهام، أحد اللاعبين القلائل ذوي الخبرات الكبيرة في وستهام في ذلك الوقت، إلى أن الفريق بات في ورطة.
وتدهورت نتائج الفريق بشكل ملحوظ بعد هذه الصفقة. وخرج وستهام يونايتد من الجولة الأولى لكأس الاتحاد الأوروبي، كما خرج من كأس رابطة الأندية الإنجليزية المحترفة بعد الخسارة أمام تشيسترفيلد. أما بالنسبة للنجمين الأرجنتينيين، فقد كان تيفيز يبدو غير لائق ولم يتمكن من التكيف على اللعب في بلد جديد وغريب، بينما كان ماسكيرانو يعاني لعدم تأقلمه على الوتيرة السريعة للدوري الإنجليزي الممتاز. يقول إيثرينغتون: «كان ماسكيرانو رائعاً في التدريبات. أما تيفيز فقد كان بحاجة إلى بعض الوقت للتأقلم مع الحياة في لندن. وسرعان ما استعاد ماسكيرانو مستواه، وكان يحصل على دروس يومية لتعلم اللغة الإنجليزية. وكان لدى تيفيز مترجم فوري طوال الوقت. لم يكن لديه اهتمام في ذلك الوقت بضرورة التأقلم مع الثقافة الجديدة عليه».
وفي الواقع، كان تيفيز يقوم بتدريبات إضافية مع زامورا بعد انتهاء التدريبات الأصلية، لكن لم تكن هناك أي علامات على التحسن، حيث كان المهاجم الأرجنتيني يهدر الفرص السهلة وأصيب بالإحباط لدرجة أنه خرج من ملعب «أبتون بارك» بعد أن تم استبداله خلال المباراة التي انتهت بفوز وستهام على ملعبه على شيفيلد يونايتد في نوفمبر (تشرين الثاني). وطلب بارديو من اللاعبين أن يقرروا بأنفسهم العقوبة التي يجب أن تفرض على تيفيز، وجعل اللاعبون اللاعب الأرجنتيني يتدرب بقميص المنتخب البرازيلي.
وفي ذلك الوقت، تم الاستحواذ على النادي مقابل 85 مليون جنيه إسترليني - لكن لم يكن المالك الجديد هو جورابشيان - حيث باع تيري براون النادي إلى الملياردير الآيسلندي بورغولفر غودموندسون، الذي عين إيغيرت ماغنوسون رئيساً للنادي. وفي الثالث من ديسمبر (كانون الأول)، شارك ماسكيرانو في آخر مباراة له مع وستهام، عندما لعب بديلاً في الدقيقة 84 من المباراة التي انتهت بهزيمة وستهام أمام إيفرتون بهدفين دون رد. وقد ارتكب ماسكيرانو خطأ تسبب في الهدف الثاني لإيفرتون، في مشهد يلخص مسيرة اللاعب الأرجنتيني مع ناديه الجديد.
وبعد ثلاثة أيام مُني وستهام بخسارة جديدة على ملعبه أمام ويغان أثليتيك. وبعد هذه الخسارة، تم استدعاء بارديو إلى مكتب ماغنوسون، الذي أخبره بأن مجلس إدارة النادي بالكامل يدعمه ويسانده. لكن سحر باردو بدأ يتلاشى وأقيل من منصبه في غضون أسبوع، بعد الخسارة برباعية نظيفة أمام بولتون. يقول إيثرنغتون عن ذلك: «لقد كتبت رسالة لبارديو وقلت له إن اللاعبين خذلوه. لقد ضللنا الطريق وشعرت بأن اللاعبين كانوا هم المسؤولون عن ذلك وليس المدير الفني. لقد تأثر الفريق بالضجة الكبيرة المثارة من حوله وبدأوا يفقدون تركيزهم، وأنا منهم».
ونادراً ما كان غودموندسون يظهر في ملعب «أبتون بارك»، لكن ماغنوسون كان يشعر بالذعر. وبعد ذلك، أسند النادي مهمة تدريب الفريق لآلان كوربيشلي، وهو مدير فني يمتلك خبرات كبيرة ويتسم بالبرغماتية. وحقق المدير الفني السابق لنادي تشارلتون الفوز في أول مباراة له على رأس القيادة الفنية لوستهام، وجاء هذا الفوز على حساب حامل اللقب مانشستر يونايتد على ملعب «أبتون بارك»، لكن هذا النجاح السريع كان مؤقتاً، وسرعان ما عادات المشاكل لتحاصر الفريق.
وبعد الفوز على مانشستر يونايتد، تعادل وستهام في ثلاث مباريات وخسر في تسع مباريات. وكان كوربيشلي، الذي كان متردداً في البداية في الاعتماد على تيفيز في التشكيلة الأساسية للفريق، يشعر بالصدمة تجاه موقف فريقه. ووجه كوربيشلي انتقادات لاذعة للاعبيه بعد الخسارة بسداسية نظيفة أمام ريدينغ في يوم رأس السنة، وانتقد أنماط حياتهم السريعة وامتلاكهم للسيارات الفاخرة. يقول إيثرنغتون عن ذلك: «لقد كان كوربيشلي صريحاً جداً، وفي بعض الأحيان لم يكن هذا جيداً لمصلحة الفريق. لقد كان ينتقد لاعبيه على الملأ. فهل كان هذا صحيحاً؟ أنا لا أقول ذلك، لكن في النهاية توصلنا إلى ضرورة القيام بعمل مشترك».
وفي فترة الانتقالات الشتوية التالية، تعاقد كوربيشلي مع كل من لويس بوا مورتي، وكالوم دافنبورت، ولوكاس نيل، ونيغيل كواشي، وماثيو أبسون. كما ضم الفريق كيبا بلانكو على سبيل الإعارة من إشبيلية. وفعل أبسون كل شيء ممكن من أجل الانضمام إلى وستهام من برمنغهام سيتي في اليوم الأخير من فترة الانتقالات، لدرجة أنه رحل إلى ناديه الجديد دون أن يأخذ حذاءه معه. وبالتالي، كان يتعين على وكيل أعماله أن يشتري زوجاً من الأحذية من متجر بالقرب من ملعب «أبتون بارك». وفي أول مباراة له مع الفريق، خسر وستهام أمام آستون فيلا بهدف دون رد، وغاب عن الملاعب لفترة طويلة بسبب الإصابة ولم يلعب سوى 11 دقيقة أخرى قبل انتهاء الموسم.
لقد كان كل شيء يسير بطريقة خاطئة، وبدا الأمر وكأنه وستهام في طريقه للهبوط من الدوري الإنجليزي الممتاز بعد الخسارة أمام توتنهام بأربعة أهداف مقابل ثلاثة. ولم يكن الفريق يبتعد سوى بعشر نقاط فقط عن صاحب المركز السابع عشر مع تبقي ثماني جولات فقط من الموسم. وحصل اللاعب الشاب مارك نوبل أخيراً على فرصة المشاركة في خط الوسط، وبكى بحرقة بعد نهاية المباراة.
لكن كان هناك حديث عن أن الفريق يعتمد على لاعب واحد فقط وهو تيفيز، وسط تجاهل للمجهود الذي يبذله باقي اللاعبين. ولعب نيل دوراً كبيراً في قيادة الفريق أيضاً. ويقول إيثرنغتون عن ذلك: «لعب لوكاس دوراً كبيراً في بقائنا في المسابقة، وربما كان دوره أكبر من الدور الذي لعبه المدير الفني نفسه. لقد أصبح كارلوس حديث جميع الصحف آنذاك، لكن كانت هناك عوامل أخرى أدت إلى بقاء الفريق، وهذا هو ما ينساه الناس».
وعندما جاءت الجولة الأخيرة من الموسم، كان وستهام في موقف قوة، وكان بحاجة إلى التعادل فقط أمام مانشستر يونايتد على ملعب «أولد ترافورد» لكي يضمن البقاء وينقل الضغوط على كل من شيفيلد يونايتد وويغان اللذين كانا يلعبان سوياً، وكان أحدهما يحتاج من مانشستر يونايتد أن يقدم له معروفاً ويحقق الفوز على وستهام. وأمضى وستهام معظم فترات المباراة وهو يدافع، لكنه فاز في تلك المباراة بهدف دون رد من توقيع تيفيز في الشوط الثاني.
وعلى ملعب «برامول لين»، تعثر شيفيلد يونايتد أمام ويغان، الذي ضمن البقاء بفضل الهدف الذي سجله ديفيد أونسورث من ركلة جزاء في تلك المباراة. وهبط شيفيلد يونايتد من الدوري الإنجليزي الممتاز، ثم رحل تيفيز إلى مانشستر يونايتد.