أطفال ليبيا... من مستنقع العنف إلى محاولات دمجهم في المجتمع

ألقت الأحداث المشحونة بالتوتر والخوف في ليبيا بظلالها على نفسية كثير من الأطفال بالبلاد، وجعلهم أكثر ميلاً للعدوانية والعنف والقتل، مما دفع جمعيات محلية ومنظمات دولية لبحث هذه الأزمة، مخافة أن تؤثر هذه الأجواء السلبية مستقبلاً على عقليتهم وتدفعهم إلى ممارسة العنف.
وعقدت منظمة الأمم المتحدة للطفولة «يونيسيف» مع اللجنة العليا للطفولة ورشة تشاورية حول خطة العمل الوطنية (2020 - 2025) للوقاية من العنف ضد الأطفال في ليبيا، وقالت المنظمة، أمس، إن «حماية الأطفال من جميع أشكال العنف يعد حقاً أساسيا تضمنه اتفاقية حقوق الطفل».
وتهدف خطة العمل الوطنية إلى «تحديد الأنشطة والأهداف والمسؤوليات على مدار الخمس سنوات المُقبلة، لضمان الوقاية من جميع أشكال العنف في ليبيا والعمل على دمج الفتيات والفتيان الذين تعرضوا لأي شكل من أشكال العنف مجدداً في المجتمع».
وأضافت المنظمة في بيان نشرته عبر صفحتها «تويتر» أمس، «من حق جميع الأطفال أن يعيشوا في بيئة صحية وآمنة، ولكن التعرض للعنف يؤثر على صحة الأطفال ورفاهيتهم ومستقبلهم».
وقال رئيس جمعية نور الحياة الخيرية سامي الجوادي لـ«الشرق الأوسط» أمس، إنهم يعملون مع منظمة «يونيسيف» في هذه الخطة الخمسية، ويركزون على الأطفال في 5 بلديات، عين زارة، وترهونة، وبلدية طرابلس المركز، ودرنة وأجدابيا، لافتاً إلى أنهم يذهبون إلى توعية الأطفال في المدارس وأماكن النزوح.
ونوه رئيس الجمعية غير الهادفة للربح، إلى أنهم يقدمون للأطفال، من خلال فريق متخصص الدعم النفسي والاجتماعي، والتعريف بحقوقهم، بجانب توعيتهم بكيفية حماية أنفسهم من التحرش الجنسي، لافتاً إلى أنهم «يوجهون أنشطتهم للأسر ويعرفونهم بكيفية حماية أطفالهم والتعامل معهم وقت الحروب والصراعات».
وكان تيد شيبان، المدير الإقليمي لـ«يونيسيف» في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، قال إن «الأطفال في ليبيا يواصلون دفع الثمن الأغلى مع استمرار العنف في عدد من المناطق الغربية من البلد».
ومنذ بدء المعركة العسكرية على العاصمة الليبية طرابلس، بين «الجيش الوطني»، بقيادة المشير خليفة حفتر، والقوات الموالية لفائز السراج رئيس المجلس الرئاسي، والقوتان تتبادلان الاتهامات حول استخدام الأطفال في المعركة، بشكل يخالف المواثيق والأعراف الدولية في الحروب.
وأظهرت صور «سيلفي» لمقاتلين صغار، وهم يحاربون في الخطوط الأمامية في معركة العاصمة الليبية طرابلس، مدى اعتماد المقاتلين في الحرب الدائرة بمحيط الضواحي الجنوبية هناك على شريحة كبيرة من القُصّر، والدفع بهم في أتون نيران القصف المتبادل.
كما أظهرت مقاطع «فيديو» موالية لقوات حكومة «الوفاق»، انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، صبية يقودون آليات عسكرية ضخمة على خطوط المواجهة، ويطلقون النيران من مدافع 14.5 بصدور عارية.
وكشف الجوادي عن أن الأطفال في ليبيا «أصبح لديهم ميول للعنف بشكل كبير، وانتشرت بينهم هذه الثقافة»، وأرجع ذلك لسببين، الأول قال إنه مباشر، «ويتمثل في أن الأطفال يتأثرون بالحرب نظراً لمشاركة ذويهم في الحرب، أو قتلهم في معاركها»، والثاني غير مباشر، «من خلال مشاهدتهم التلفزيون، ورؤيتهم للمعارك الدامية في بلدهم».
وانتهى الجوادي إلى أن «الشخصيات المتصارعة أصبحت اليوم رموزاً لأطفال ليبيا وهذا يرسخ ثقافة العنف لديهم، ويجب تداركه من خلال جلسات التوعية المكثفة؛ لذا نحاصر هذه الظواهر من كل اتجاه وخاصة بالمرور على المدارس ومراقبة التعليم».
وكانت «يونيسيف» شددت على ضرورة أن يشعر الأطفال بالأمان في منازلهم، ومدارسهم، ومجتمعاتهم حيث يعيشون، ووفقاً لاتفاقية الطفل في مادته السادسة، التي تعترف بها الدول، وتكفل له الحق في الحياة.
وخلال السنوات الماضية، كان أطفال العاصمة في مرمى التهديدات بسبب كثرة الاقتتال بين الميليشيات المسلحة، وهو ما دفع «يونيسيف» إلى التحذير من أن نصف مليون طفل في العاصمة معرضون لخطر مباشر، بينما بات أكثر من 2.6 مليون طفل بحاجة للمساعدة في ليبيا.