{رابطة العالم الإسلامي} تدعو الدول إلى ضبط الفتاوى أمام دعاة الغلو

أوصى ملتقى «خدمة الوحيين» الذي نظمته رابطة العالم الإسلامي الخطاب الديني، بالالتزام بالمنهج الصحيح للكتاب والسنة، الذي يتناسب مع هذا العصر الذي تقاربت فيه الثقافات، داعياً في الوقت نفسه الجهات المعنية في كل دولة إلى ضبط الفتوى لقطع الطريق على دعاة الغلو والتطرف الخائضين في نصوص الوحيين من دون علم.
ودعا الملتقى العلمي الذي أقيم تحت إشراف «الرابطة» ممثلة في «الهيئة العالمية للكتاب والسنة» خلال اليومين الماضيين؛ وعقد في بيت الله الحرام بمكة المكرمة بحضور عدد من كبار المحدثين والقرّاء والمؤسسات العلمية المعنية بالدراسات القرآنية والحديثية، الهيئة العالمية للكتاب والسنة والهيئات والجمعيات العاملة في مجال تعليم القرآن الكريم والسنة الشريفة، إلى إيجاد برامج عملية لتدبر نصوص الوحيين لتحويلها إلى سلوك يومي لطلاب تلك الهيئات وعموم المسلمين.
كما أوصى المشاركون، بتشجيع استخدام التقنيات الحديثة، ولا سيما وسائل التواصل الاجتماعي في خدمة الكتاب والسنة وربط شباب الأمة بهما وتوظيف طاقاتهم في ذلك، إضافة إلى إنشاء منصة لإنتاج البرمجيات والتطبيقات الذكية المتعلقة بالقرآن الكريم والسنة النبوية ومراجعتها ونشرها تحت إشراف الهيئة العالمية للكتاب والسنة، فتكون هي الجهة المسؤولة عن إجازة هذه البرمجيات والتطبيقات ومنح الاعتماد لها.
وتبنت التوصيات إطلاق جائزة عالمية تُمنح لخدمة الكتاب والسنة تحت مظلة رابطة العالم الإسلامي، والعمل على نشر ثقافة الوقف على المشروعات المتعلقة بخدمة الوحيين والإفادة منها وفق أحكام الشرع، وأحكام النظام لكل دولة، واستثمار الإعلام في نشر الوعي المجتمعي بأهمية توظيف الوقف في هذا الصدد، مع توسيع مناشط الهيئة العالمية للكتاب والسنة التابعة لرابطة العالم الإسلامي، ودعم جهدها الذي يسهم في ربط المسلمين في العالم بكتاب الله وسنة رسوله، وشريعة الإسلام وثقافته، ويحمي الأجيال من خطر الثقافات الوافدة على اعتدال الإسلام. وأشاد المشاركون برابطة العالم الإسلامي والهيئة العالمية للكتاب والسنة التابعة لها، مثمنين جهودهما في خدمة الكتاب والسنة تعلماً وتعليماً ونشراً في أصقاع المعمورة.
وكان الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي، الشيخ الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى، أعلن انطلاقة أعمال الملتقى، بمشاركة واسعة من العلماء والأكاديميين المختصين بالدراسات القرآنية والحديثية من دول العالم الإسلامي والأقليات الإسلامية، ومن بينهم عدد من كبار المحدثين وكبار القراء، من 36 دولة.
وقال العيسى «إن (الرابطة) ممثلة في هيئتها العالمية للكتاب والسنة نفذت برامج لتحفيظ القرآن الكريم وتجويده في 78 دولة رحبت بـ(الرابطة) رسمياً، بل واحتفت بها». وأوضح أن «مؤسساتها القرآنية بلغت 68 كلية ومعهداً، يدرس فيها 7500 طالب وطالبة، في حين تخرج فيها 61275 قارئاً، من بينهم 5055 مُجازاً ومُجازة بالسند المتصل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، كما نفذت الهيئة 193 دورة تدريبية، وبلغت منحها الدراسية نحو 3 آلاف منحة دراسية». وأضاف: «كما أوفدت (الرابطة) لصلاة التراويح 11457 إماماً، إضافة إلى توزيع مليوني مصحف شريف، وأنشأت الهيئة مَقْرَأة إلكترونية استفاد منها 24215 مستفيداً، ووضعت القواعد التي تضبط الاجتهاد في مجال الإعجاز العلمي في القرآن والسنة».
وأكد الدكتور العيسى، أن العالم الإسلامي أحوج ما يكون إلى تعزيز الوعي الشرعي والفكري، ولا سيما لدى شبابه، مشيراً إلى أن «الرابطة» وهي تحتضن أولئك الشباب عبر هيئاتها تدرك مسؤوليتها حيال تكوين شباب مسلم على قدر كافٍ من الوعي بقيم دينه التي جاءت بالرحمة للعالمين، والسماحة مع الجميع، مضيفاً: «نعم، السماحة وليس التسامح فقط، فمع فضيلة التسامح، إلا أنه تفاعل وتبادل بين اثنين أو أكثر، وفي طياته مُعاطاة لا تخلو غالباً من مشاحة، فالتسامح والسماحة كالتعاون والعون والتقارب والقرب، والإسلام بسموه الأخلاقي حث على السماحة التي لا تنتظر مقابلاً». وزاد، أن «الوعي لا يكون إلا من خلال علماء الأمة، المدركين تحديداً لواقع شبابها؛ مستقبلها وأملها، وما يناسب لهم من الخطاب، والمدركين كذلك أهمية تأليف القلوب وعلى الأخص في ظرفية زمنية، فتحت الحدود، وكوَّنت من هذا التحول العالمي عالماً افتراضياً نستذكر في سياقه الاستثنائي والمدهش قول ابن مسعود - رضي الله عنه: ما أنت بمحدث قوماً حديثاً لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة».
وشدد الأمين العالم لـ«الرابطة»، على أن للظرفية أحوالاً لا بد أن يراعيها الخطاب، فلا بد من مواكبة حركة التاريخ، واستيعاب تقلباته وتعقيداته وتحدياته، والحكم الشرعي يأخذ التغير الزمني في اعتباره، وفق قاعدة الشريعة في اختلاف الفتوى والحكم باختلاف الأزمنة والأمكنة والأحوال، وذلك بحسب الاقتضاء والإمكان، واستدرك: «لكن، كما تعلمون، فإن منطقة الثابت في الشريعة محدودة بنصوص واضحة وراسخة، في مقابل المساحة المفتوحة أو المتغيرة، ومقاصد الشريعة أرحب وأشمل مما يسمى اليوم بروح القانون أو فلسفة القانون، لكون المقاصد الشرعية لا نطاق زمنياً لها، بينما الثانية محدودة بنطاق ضيق يتعلق بما يسمى بإرادة المنظم أو المُشرّع في وقته، وهذا هو الفرق بين التشريع الرباني والتشريع الوضعي.
وأكد أن شباب اليوم، وبسبب عولمة الأفكار والثقافات، أحوجُ ما يكونون إلى القدوة المنسجمة مع طبيعة تفكيره والمنفتحة عليه بكل شفافية، انفتاحاً يلامس وجدانه وأحاسيسه، ولن تكون القدوة كذلك إلا إذا أصبحت مستوعبة لعصرها، ولا سيما استيعاب طبيعة تفكير الجيل الجديد، ومرونة التعامل معه؛ إذ شريعة الإسلام شريعة الزمان والمكان.
وقال: «ولا يخفى أن إغلاق ما لدى الشباب من أطروحات يعتبر أشد خطراً مما قد يتصوره البعض من سلبيات، ومنطقة الفراغ لا بد أن تُشغَل لدى الشباب، وإن لم تشغل بشكل إيجابي شُغلت بشكل سلبي، وأقصد بمنطقة الفراغ عدم المعالجة المثالية لما لدى الشباب من أفكار، بل يبلغ العالم والمفكر مستوى عالياً إذا استنطق من أفكار الشباب تلك الأطروحات من تلقاء نفسه (بالمبادرة) فبعض الشباب قد لا يحسن طرحها أو يتحفظ في ذلك، لكن يتعين أن تُناقش في أجواء يَحُفها التأدب مع الشرع الحنيف».
وكشف العيسى عن عزم «الرابطة» على إطلاق منتدى للشباب المسلم يعنى بالحوار المفتوح مع العلماء والمفكرين في قضايا تتعلق بتقوية راسخ الإيمان، وتدعيم منهجه الوسطي المعتدل، وتحصينه بفهم واع مستنير، والإجابة عن استطلاعات الشباب حول فهم بعض النصوص، والموقف من بعض القضايا الفكرية المعاصرة، كما عزمت على إطلاق منتدى عالمي للشباب يتم من خلاله تثقيف الشباب غيرِ المسلم على قيم شباب الإسلام بهدف التعريف بحقيقة تعاليم الإسلام التي سعى التطرف والتطرف المضاد، وبخاصة الإسلاموفوبيا لتشويهها.
وتابع: «كما أننا - بعون الله - سنطرح بوضوح تام، ومن خلال الأمثلة أساليب ممارسة التطرف، والتطرف المضاد لتضليل الناس، ولا سيما تحريف دلالات النصوص أو اجتزاؤها أو إنزالُها على غير محلها، فللنص استقراء يستوعب النصوص الواردة كافة في المسألة؛ منعاً للاجتزاء، وله فهم مقاصدي يختلف باختلاف الزمان والمكان؛ لأن الشريعة جاءت لصلاح وإصلاح العباد، وللنص تطبيق صحيح على الوقائع، وهو ما يعرف في أصول الفقه الإسلامي باجتهاد تحقيق المناط».
وتطرق العيسى إلى وثيقة مكة المكرمة، التي تعد في طليعة وثائق العصر الحديث، كما عبّرت عن ذلك مؤسسات دينية وفكرية وسياسية «إسلامية وغير إسلامية»، وصادق عليها أكثر من ألف ومائتي مفتٍ وعالم، مشيراً إلى أنها تضمنت مواد في غاية الأهمية، لا تزال «الرابطة» تتلقى أصداء الترحاب بها حتى اليوم، وقد أُبلغت من قبل «الإيسسكو» عن مشروع لطرحها في مناهج التعليم في العالم الإسلامي، في حين تعمل «الرابطة» حالياً على تكوين فرق عمل تعريفية بهذه الوثيقة في دول عدة.
وأوضح الأمين العام، أن «الرابطة» ستنظم لاحقاً في المدينة المنورة مؤتمراً دولياً يحتفي بوثيقة المدينة التي أمضاها نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -، وَغدت أهم الوثائق الدستورية في التاريخ الإنساني، متطلعين لنتائج تحمل في ختام نقاشاتها بياناً عالمياً لوثيقة المدينة، صادر عن مكان انطلاقتها التاريخية، وهي مدينة النبي - صلى الله عليه وسلم.
وأضاف: «كما أن (الرابطة) من منطلق شرف الخدمة لسيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - وحضارة الإسلام اعتمدت إنشاء متحف السيرة النبوية والحضارة الإسلامية بمكة المكرمة في مدينة المستقبل الواعدة الفيصلية، وذلك برعاية الأمير خالد الفيصل، أمير منطقة مكة المكرمة، بعدما أسست (الرابطة) النواة الأولى لهذا المتحف في مقره الرئيسي بالمدينة المنورة في رمضان الماضي، وفي هذه الأثناء وبطلب من الحكومة الإندونيسية اعتمدت (الرابطة) إنشاءَ نسخة من هذا المتحف في جاكرتا على مساحة كبيرة»، وقال: «لدينا 23 طلباً حكومياً في عدد من الدول لإقامة فروع لهذا المتحف منطلقة من مقره الرئيس بالمدينة المنورة».