إسرائيل تؤكد تجاوز إيران لميليشياتها في سوريا ولبنان والعراق... إلى التدخل المباشر

في أعقاب تهديد رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، أفيف كوخافي، بـ«الرد على أي هجوم إيراني بقوة جبارة»، كشفت مصادر استخباراتية في تل أبيب عن أن هناك قناعة تامة لدى القيادات الإسرائيلية، بأن القيادة الإيرانية غيّرت نهجها العسكري بشكل حاد وبدلاً من الاعتماد على الميليشيات التابعة لها في لبنان والعراق وسوريا، قررت إقحام الجيش الرسمي وأذرعه في عمليات مباشرة أكثر حدة وخطورة، وذلك بهدف «جباية ثمن أقصى من الولايات المتحدة وحلفائها، ورفع أسعار النفط (بواسطة تخريب ناقلات النفط وتدمير البنية التحتية النفطية في دول الخليج العربي بقصد تخفيف الضغط الاقتصادي المفروض عليها)، ومراكمة (أوراق مساومة) يمكنها استخدامها في المفاوضات المستقبلية مع الولايات المتحدة».
وقالت هذه المصادر في تقرير مكتوب تم رفعه إلى الجهات المسؤولة في إسرائيل وتعميمه على بعض أجهزة الاستخبارات الغربية، إن الانعطاف في هذه السياسة بدأ منذ شهر مايو (أيار) الماضي؛ إذ بدأت طهران سلسلة من العمليات الهجومية في منطقة الخليج العربي. ومن أبرز هذه العمليات: تخريب ناقلات النفط في الخليج (مايو ويونيو/ حزيران 2019)؛ وإسقاط الطائرة الأميركية من دون طيار (يونيو 2019)؛ والاستيلاء على ناقلات النفط الإماراتية والبريطانية (يونيو ويوليو/ تموز 2019)؛ ومهاجمة المنشآت النفطية السعودية بصواريخ «كروز» وطائرات من دون طيار (سبتمبر/ أيلول 2019).
وقال التقرير إن تنفيذ هذه العمليات تم من دون تدخل كبير من جانب «فيلق القدس» التابع لـ«الحرس الثوري»، بقيادة قاسم سليماني، المسؤول عن قيادة الحملة الإقليمية الإيرانية من خلال منظمات الوكلاء. علاوة على ذلك، في الساحة السورية، أيضاً، يمكن الإشارة خلال العامين الماضيين، إلى حدوث تغيير في نمط النشاط الإيراني تجاه إسرائيل، والذي ينعكس في استعداد إيران المتزايد للقيام بعمليات هجومية مباشرة، بواسطة استخدام الصواريخ والطائرات من دون طيار، رغم أنها تحاول الحد من تورط «الحرس الثوري» في هذه العمليات.
وتعتقد الجهات الإسرائيلية الاستخباراتية، حسب التقرير، أن هذا التغيير في الاستراتيجية الإيرانية يرجع إلى أسباب عدة محتملة؛ أهمها:

- الأهمية القصوى التي توليها إيران للجهود التي تبذلها لتخليص نفسها من العقوبات الأميركية. فالقيادة الإيرانية ترى في تخفيف الضغط الاقتصادي المفروض عليها مصلحة وطنية حيوية ذات أهمية قصوى. لذلك تفضل العمل المباشر من قبل القوات الإيرانية على الاعتماد على الوكلاء.

- كفاءة وجودة منظمات الوكلاء أقل عموماً من كفاءة القوات الإيرانية. فإدارة العمليات المعقدة من طرف كيانات ومواقع عدة مختلفة، تتطلب التنسيق والتحكم بأعلى المستويات واستخدام القدرات التشغيلية عالية الجودة التي يحتفظ بها، عادة، للقوات الإيرانية نفسها. لذلك، تفضل إيران تقليل استخدام منظمات الوكلاء أو، على الغالب، دمجها في العمليات التي تنفذها القوات العسكرية الإيرانية.

- إحساس إيران المتزايد بالأمن يشجعها على اتخاذ مزيد من الإجراءات المباشرة والجريئة مع الاستعداد لتحمل المخاطر (المدروسة في نظرها). وهذا، من بين أمور أخرى، يعتمد على التقييم الذي يفيد بأن كلاً من الرئيس الأميركي، ودول الغرب، ودول الخليج، لا يرغبون في صراع عسكري.

- استبدال قيادة «الحرس الثوري»؛ وأبرزها تعيين حسين سلامي في أبريل (نيسان) 2019 قائداً للمنظمة، مما ساهم في تغيير الاستراتيجية الإيرانية؛ فهذا الرجل (سلامي)، الذي شغل منصب نائب قائد «الحرس الثوري» على مدار العقد الماضي، حل مكان محمد علي جعفري، الذي شغل هذا المنصب منذ سبتمبر (أيلول) 2007، وكان من المفترض أن ينهي جعفري مهامه في صيف عام 2020، بعد أن تم تمديد فترة ولايته قبل عامين لثلاثة أعوام، ومن الممكن أنه تم تبكير موعد استبدال القادة؛ سنةً، على خلفية التوتر المتزايد بين إيران والولايات المتحدة. على مدار العقد الماضي، كان سلامي يُعدّ أحد القادة البارزين لـ«الحرس الثوري»، وهو يعرف بخطابه المتطرف وتصريحاته المتشددة، التي تقوم في أساسها على الرفض الكامل لأي تنازل إيراني للمطالب الغربية. وهو يصرّ على حق إيران في مواصلة تطوير الصواريخ بعيدة المدى، والتي يعدّها عنصراً أساسياً في قدرة الردع الإيرانية. كما أنه هدد بتوسيع مدى الصواريخ التي تطورها إيران إذا استمرت الدول الغربية في الضغط على إيران، ومطالبتها بالتخلي عن قدراتها الصاروخية.
صراع القوى الداخلي في القيادات العسكرية الإيرانية، وجهد كبير يبذله كبار القادة، مثل أمير علي حاجي زادة، قائد الوحدة الصاروخية والفضاء في «الحرس الثوري»، لإظهار تصميمهم وقدراتهم في تحقيق توجيه المرشد الأعلى للرد على استراتيجية «الضغط الأقصى» الأميركية، من خلال زيادة «المقاومة» الإيرانية. ويؤكد التقرير أنه رغم التغيير المهم في مسار العمل الإيراني، فإن إيران لا تسعى إلى مواجهة شاملة مع الولايات المتحدة أو إسرائيل، وتفضل مواصلة «السير على الحافة»، مع مراجعة «قواعد اللعبة». ولكنها مستعدة لتوسيع حدود الحلبة وتحمل المخاطر الخاضعة للرقابة، من أجل تحقيق أهدافها الاستراتيجية من خلال اتخاذ إجراءات هجومية مباشرة وليس فقط عن طريق تشغيل منظمات الوكلاء. وقد يكون للتغيير في الاستراتيجية الإيرانية آثار مباشرة على إسرائيل، التي تواجه إيران ووكلاءها في المنطقة.
ويختتم التقرير قائلاً: «في تقديرنا؛ ينطوي الهجوم الأخير في المملكة العربية السعودية، على رسالة موجهة أيضاً إلى إسرائيل بشأن استعداد إيران للرد على الهجمات المنسوبة مباشرة إلى إسرائيل واستخدام الأسلحة المتقدمة. على هذه الخلفية، هناك تهديدات متزايدة، عبّر عنها مؤخراً قادة كبار في (الحرس الثوري)، بمسح إسرائيل من الخريطة العالمية».