وزراء شؤون دينية عرب: أوقفنا خطباء وأئمة يدعون للتطرف

بين أروقة المخيمات المنتشرة في أصغر مساحة تجمع في العالم (مشعر منى)، والتي تحتضن أكبر تظاهرة عرفها التاريخ بنحو 3 ملايين حاج قدم نصفهم من مختلف أنحاء العالم، يشدك وأنت تتجول تلك الأحاديث الجانبية في مخيمات الدول العربية، والتي فرضت على القادمين من تلك الدول محورا أساسيا للنقاش الذي يصل إلى ذروته في التحليل وكأنك جالس بين مجموعة من السياسيين العارفين ببواطن الأمور وليس العامة.
ويبدو أن أبناء الوطن العربي القادمين لأداء مناسك الحج والبالغ تعدادهم 260 ألف شخص، محملون بهموم كبيرة، أخرجتهم في الكثير من الجلسات الجانبية واللقاءات العفوية، ما بين الأفراد، وتلك اللقاءات الوزارية، بعيدا عن البروتوكول والحرس والجنود، عن التفرغ لأداء الشعائر، خاصة وضع الأمة والمجموعة التي خرجت على أمة، بحسب ما ذهب إليه الحاج أحمد بن صالح من اليمن، الذي حمّل وزارات الشؤون الدينية والإرشاد مسؤولية حماية الشباب من انتشار هذه الأفكار بين شباب الأمة العربية.
وقال أحمد، إن كثيرا ممن يروج هذه الأفكار يستخدم منابر المساجد في الكثير من الخطب، والتي يفترض أن تتابعها وزارات الأوقاف في الدول العربية، وألا تكون مسرحا لتمرير معلومات خاطئة ومفاهيم غير صحيحة عن الإسلام، وخاصة أن كثيرا من الدول العربية نالت نصيبها من الفكر المتطرف.
هذه الحريات شدد عليها الدكتور هايل داود، وزير الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية رئيس بعثات الحج الأردنية، بقوله، إن الأردن لديه مساحة واسعة من الحرية وحقوق الإنسان، وتعاملنا مع عدد من الحالات التي تؤمن بفكر هذه الجماعات، بشكل شفاف وفكري بعيدا عن الاعتقال حتى يعودوا إلى الطريق الصحيح، وخاصة أن الشعب الأردني لديه حصانة من هذه الأفكار المتطرفة ويمتلك وعيا بحقيقة الإسلام وأهدافه النبيلة.
وحول ترك المجال للخطباء في طرح مواضيعهم دون مراقبة مباشرة من وزارة الأوقاف، قال الدكتور هايل، إن المجال متاح للخطباء في الحديث، على أن يتوافق مع الضوابط الوطنية والدينية، وهناك قانون للوعظ والإرشاد نطالب من خلاله الأئمة والخطباء بأن يلتزموا بالمبادئ الواردة فيه، وإن خرجوا على هذا القانون تقوم أجهزة الوزارة بمعالجة هذه الخروقات، وإن كانت ليست كبيرة، موضحا أن وزارة الأوقاف والإرشاد في الأردن أوقفت 30 حالة، بسبب أن بعض أفكارهم قد تصب في مصلحة هذه التنظيمات المتطرفة، وهناك خطباء دعوا صراحة إلى أفكار هذه الجماعات وأوقفوا عن الخطابة مباشرة، وذلك تحسبا من أي عوائد سلبية على المجتمع المحلي، موضحا أن وزارة الأوقاف، وضعت خطة متكاملة من عدد كبير من الخبراء في الوزارة لتفعيل الدور في مواجهة هذه الأفكار وتحصين الشباب من الانجرار وراء دعوات باطلة، إضافة إلى برامج متكاملة لتوعية وتحصين العاملين في وزارة الأوقاف من أئمة ودعاة، تحسبا من تسلل هذه الأفكار التي تنعكس على الأمة العربية.
وأشار الدكتور هايل إلى أن «الأردن يعيش في منطقة ملتهبة، وهذه الجماعات في شمال الأردن مع الحدود السورية، وشرق الأردن مع العراق، وأصبح لها نفوذ وتشكل خطرا على المنطقة، إلا أن امتداد هذه الجماعات في الداخل الأردني ليس كبيرا». وعن الجماعات الإرهابية، أكد الدكتور هايل، أن هذه الجماعات المتطرفة تحمل فكرا منحرفا، لأن من يقوم عليها ليسوا بعلماء، وبالتالي القضية في التعامل معهم هي قضية فكرية يجب التصدي لها من قبل العلماء المسلمين وتوضيح ما يدعون إليه من شعارات براقة كالدعوة إلى الله والجهاد في سبيل ومحاربة أعداء الأمة، دون معرفة شرعية، ولأن الانحراف فكري فمقاومته لا بد أن تكون بالفكر والمناظرة.
ولفت إلى أهمية مؤتمر مكة المكرمة الـ15، الذي انطلق قبل عدة أيام تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين، وخاصة أنه تطرق إلى الثقافة الإسلامية التي تتعرض إلى حالة من التشويه والغزو، إما بالتفريط والتساهل، وإما بالغلو والتشدد الذي يشوه الصورة الجميلة للإسلام، في إعادة الأسلوب السليم للدين الحق.
وبالعودة إلى الأحاديث الدائرة في ممرات المخيمات العربية، فإن غالبيتها لا تمر دون الاستشهاد بما حصل في فترات زمنية مختلفة، كان سببها هو الخروج عن القاعدة من أفراد على مجموعات، وأن تلك الأحداث غيرت واقع الكثير من الأمم، ومنها ما حدث من صراعات في أوروبا قديما.
ويسرد التاريخ الكثير من الأحداث التي انطلقت من خلافات فكرية وعقائدية، تسببت في تهجير وقتل ملاين الأفراد، مع إصابة عصب الدولة (الاقتصاد) بشلل تمام أفقدها القدرة على مواجهة التحديات التي تمر بها من ضعف في البنية، واللحاق بركب التنمية البشرية والاقتصادية.
هذا الجانب، أكده حمود عباد، وزير الأوقاف والإرشاد اليمني بقوله، إن «لهذه الجماعات المتطرفة عواقب متعددة على المجتمع التي تعيش فيه، وهذه الأضرار لا تقف عند تدمير الاقتصاد، وإنما تسير إلى أخطر وأكثر الأشياء محرمة في الإسلام وهي قتل النفس بأي ذنب».
واستطرد: «إننا نعيش مرحلة حرجة تهدد الاستقرار والأمن، وقبل ذلك مبادئ الدين الإسلامي»، موضحا أن الوزارة رصدت عددا من الحالات لأئمة المساجد، والتي كانت تدعو إلى هذه الأفكار المتطرفة، وجرى التعامل معها بالنقاش والحزم، في حين باشرت الوزارة في نشر مفهوم دين الوسطية عبر كل الوسائل المتاحة، للعودة بهم إلى نهج ومفاهيم الإسلام الصحيحة».