الإفراج عن قادة كبار في {طالبان} بينهم «زعيم الأفيون»

أفاد مسؤولون من حركة طالبان الأفغانية بإطلاق سراح 11 قائدا من قادة الحركة من أحد السجون شديدة الحراسة في أفغانستان، في صفقة أمنية واضحة اشتملت على الإفراج عن أحد قادة الحركة المتمردة البارزين الذي قد ألقي القبض عليه قبل خمس سنوات أثناء مرافقته لشحنة من مخدر الأفيون يقارب وزنها طنا كاملا.
والتزمت الحكومتان الأميركية والأفغانية الصمت التام بشأن إطلاق سراح السجناء الأفغان بالقرب من قاعدة باغرام الجوية خارج العاصمة كابل. في حين أفاد مسؤول أفغاني رفيع المستوى أن الإفراج عن قادة طالبان جاء في صفقة لإطلاق سراح ثلاثة من المهندسين الهنود، الذين كانوا رهن الاحتجاز لدى الحركة، إثر شهور من المفاوضات مع قادة طالبان المحليين في مقاطعة بغلان الشمالية، حيث جرى أسر المهندسين الثلاثة العام الماضي، في حين رفضت السفارة الهندية في أفغانستان التعليق على الأمر.
وجاءت قرارات الإفراج عن قادة طالبان، والتي صدرت يوم الأحد الماضي، بعد أيام قليلة من زيارة الدبلوماسي الأميركي الرفيع زلماي خليل زاد كبير المفاوضين مع حركة طالبان، إلى العاصمة الباكستانية إسلام آباد، ولقائه بممثلين عن حركة طالبان كانوا موجودين هناك. ويعد هذا أول لقاء يجمع الدبلوماسي الأميركي الكبير مع عناصر الحركة الأفغانية المتمردة منذ قرار الرئيس الأميركي ترمب بإلغاء المفاوضات مع الحركة عشية الاقتراب من تحقيق انفراجة محتملة على طريق السلام.
وكان الإفراج المحتمل عن الآلاف من أسرى حركة طالبان يعد جزءا من تلك المفاوضات التي كانت تُعقد في الدوحة. غير أن هذه المسألة ظلت مثار خلاف كبير مع مسؤولي الحكومة الأفغانية الذين أعربوا عن استيائهم الواضح من استبعاد حكومة بلادهم عن المفاوضات الجارية في قطر، وأن الحكومة الأميركية كانت تتفاوض بشأن إطلاق سراح السجناء المحتجزين لدى السلطات الأفغانية.
ومن غير الواضح ما إذا كان قرار الإفراج المعلن عنه يوم الأحد الماضي يتصل بالمفاوضات التي كانت جارية بين الولايات المتحدة وحركة طالبان. وثارت الشكوك والشائعات في ربوع أفغانستان فور الإعلان عن تلك الأنباء، ليس فقط بين المسؤولين والأفغان وعناصر الحركة المتمردة، وإنما في الأوساط الدبلوماسية كذلك التي قالت بأن تبادل الأسرى كان من جملة موضوعات البحث الرئيسية في اجتماع إسلام آباد بين السيد خليل زاد ومسؤولي حركة طالبان.
وكان عناصر الحركة المتمردة يحتجزون لديهم ثلاثة من أساتذة الجامعة الأميركية في أفغانستان رهائن منذ أغسطس (آب) لعام 2016. وأحدهم من الرعايا الأميركيين الذين تدهورت حالتهم الصحية خلال الأسر. وفي مقابل إطلاق سراحهم، طالبت عناصر الحركة الإفراج عن أنس حقاني، عضو شبكة حقاني الإرهابية، أحد الأجنحة المتشددة من حركة طالبان، وهو الأخ غير الشقيق لزعيم الشبكة «جلال الدين حقاني»، وهو أحد أكثر سجناء الحكومة الأفغانية من حيث الأهمية.
وأشار بعض المسؤولين المعنيين في الحكومة الأفغانية ولدى الحركة المتمردة أن يكون الطرفان قد توصلا إلى اتفاق بشأن تبادل الأسرى، ربما كأحد تدابير بناء الثقة التي يمكن أن تساعد في إحياء مفاوضات السلام الأوسع نطاقا بين الجانبين.
ولم يكن إطلاق سراح الأسرى من الجانبين في حد ذاته أمرا استثنائيا بحال، حيث من المعتاد لدى الحكومة الأفغانية الإفراج عن عشرات السجناء الذين أوشكت مدة عقوبتهم على الانتهاء في المناسبات الدينية المختلفة.
غير أن ما لفت الانتباه إلى قرار الإفراج الأخير عن سجناء حركة طالبان هو سمعة خاصة تتعلق بشخصية بارزة من قادة الحركة المتمردة وهو: «عبد الرشيد بلوش»، المدرج على قائمة وزارة الخزانة الأميركية باعتباره «إرهابيا عالميا من وضعية خاصة»، وكان قد ألقي القبض عليه في غارة لمكافحة المخدرات قبل خمس سنوات كاملة.
وعبد الرشيد بلوش هو من قادة الظل البارزين في حركة طالبان، وهو المسؤول الإقليمي عن العمليات العسكرية والملفات السياسية في مقاطعة نيمروز الجنوبية الغربية، وكان ألقي القبض عليه أثناء مصاحبته لشحنة ضخمة من مخدر الأفيون. وجاءت عملية اعتقاله رفقة شحنة المخدرات الضخمة لتلقي المزيد من الأضواء الساطعة على خط الغموض الفاصل ما بين حركة طالبان الأفغانية ومافيا المخدرات في أفغانستان. (هذا وقد نفى مسؤولو حركة طالبان تورط عبد الرشيد بلوش من الأساس في تهريب المواد المخدرة).
ورغم الأدلة التي تؤكد تورط عبد الرشيد بلوش في الهجمات الإرهابية في أفغانستان، إلا أنه قد حوكم عمدا لقاء الاتهامات بتجارة وتهريب المخدرات الأكثر صرامة في قوانينها. وكان المدعون العامون في أفغانستان يخشون خضوع محاكمات مكافحة الإرهاب لدهاليز السياسة وتقلباتها.
أما الآن، فإن إطلاق سراح عبد الرشيد بلوش، لا سيما إن كان متصلا بمفاوضات السلام بين الولايات المتحدة وحركة طالبان، يثير مجددا القلق والشكوك في أن المفاوضات الأميركية لم تتناول على نحو جدي ما يتسم به الصراع الأفغاني من تعقيدات، ولا سيما كيفية النظر إلى والتعامل مع سيطرة حركة طالبان المتزايدة على تجارة وتهريب المخدرات الهائلة في مختلف أرجاء البلاد.
وإذا كان الإفراج عن عبد الرشيد بلوش يعد قرارا سياديا منفردا من قبل الحكومة الأفغانية، فمن غير المرجح أن تتخذ الحكومة الأفغانية قرارا أحادي الجانب بشأن شخصية إرهابية بارزة مثله من دون الرجوع إلى ومشورة الولايات المتحدة الأميركية أولا.
وكان قد ألقي القبض على عبد الرشيد بلوش، في يوليو (تموز) تموز من عام 2014. في مقاطعة نيمروز الجنوبية الغربية، وهي تعتبر من معابر التهريب المعروفة على الحدود المشتركة مع إيران. وانطلقت مروحية عسكرية تابعة للقوات الخاصة الأفغانية في اقتفاء أثر سيارتين تنطلقان بسرعة كبيرة على الدروب الصحراوية، وتمكنت الغارة الناجحة من الاستيلاء على ما يقرب من طن كامل من مخدر الأفيون، وبعض الأسلحة الخفيفة والمتوسطة، فضلا عن الذخيرة والهواتف المتصلة بالأقمار الصناعية. وأصرت الشخصية الرئيسية التي ألقوا القبض عليها أنه بائع للسجاد، مدعيا أن اسمه هو «محمد شاق»، غير أن سلطات التحقيق أكدت على هويته الحقيقية وأن اسمه عبد الرشيد بلوش إثر نقله إلى العاصمة كابل.
وفرضت السلطات الأفغانية والغربية في تلك الأثناء حجابا إعلاميا على تلك القضية وتم الإعلان عن اعتقال الرجل في إحدى عمليات مكافحة المخدرات بدلا من كونها عملية لمكافحة الإرهاب في الأساس. ولقد حوكم عبد الرشيد بلوش أمام محكمة المخدرات الأفغانية وصدر الحكم عليه بـ18 عاما في السجن.
ويعد إطلاق سراحه الآن، في ظل ظروف تفتقر إلى أدنى درجات الشفافية، من أبرز الأمثلة على إطلاق سراح أحد كبار تجار ومهربي المخدرات في أفغانستان.
هذا وقد أنفقت الولايات المتحدة أكثر من 8 بلايين دولار على عمليات مكافحة المخدرات في أفغانستان، وذلك وفقا لتصريحات المفتش الأميركي الخاص لإعادة إعمار أفغانستان. وقام المسؤولون الأميركيون، طوال فترة الحرب الممتدة، بتغيير استراتيجيات مكافحة المخدرات لأكثر من مرة في أكثر من مناسبة.
- خدمة «نيويورك تايمز»