سلفيو مصر يبحثون عن مصيرهم القادم ودور «الوصيف» في انتخابات البرلمان

بينما رفض الشيخ محمد عز الدين، أحد مشايخ الدعوة السلفية في منطقة عين شمس الشعبية (شرق القاهرة)، أن يشتري حلوى لولده أحمد ذي السنوات العشر، مرددا له: «لن نشتري من هنا»، لمجرد أنه لمح صليبا عند صاحب المحل التجاري، فأسرع منصرفا بعدما كان قد طلب بعض المشتروات.. هرولت زوجته التي تسير خلفه دائما كعادة مشايخ السلفية محاولة اللحاق به.
مشهد الشيخ عز الدين (50 سنة) تماثل تماما مع اجتماع عُقد أخيرا لحزب النور السلفي في إحدي محافظات دلتا مصر، وجرى ترك مقعد على المنصة خُصص لإحدى السيدات خاليا، كعادتهم أن ظهور المرأة بجانب الرجل ضد الشرعية الإسلامية، حسب الشيخ عز الدين.
لكن مع اقتراب موعد انتخابات البرلمان في مصر، التي أعلنت الرئاسة أنها ستكون قبل نهاية العام الحالي، يحاول حزب النور، الذراع السياسي للدعوة السلفية، إيجاد سيدات وأقباط على قوائم حزبه، حتى ينفي عن نفسه شبهة الطائفية، فضلا عن البحث عن تحالف خارج الصندوق مع أعضاء الحزب الوطني المنحل الذي كان يرأسه الرئيس الأسبق حسني مبارك، وذلك من أجل الفوز بمقعد الوصيف، وأن يحل النور ثانيا مثلما حدث في الانتخابات البرلمانية التي جرت أواخر عام 2011؛ حيث يأمل النور في حصد مقاعد في البرلمان المقبل لترسيخ وجوده في السنوات المقبلة في الحياة السياسية المصرية.
وحي عين شمس من الأحياء التي تمثل «بؤرا ملتهبة» للسلطات المصرية، نظرا للمظاهرات الأسبوعية التي تدعو لعودة شرعية الرئيس الأسبق محمد مرسي المنتمي لجماعة الإخوان.
ولـ«عين شمس» تاريخ ضارب في القدم منذ عصر الفراعنة، ويعد من أعرق أحياء القاهرة؛ حيث يقع على بقايا أقدم مدينة أثرية في شمال الوادي المصري، وقد لعبت دورا مهما وكبير الأثر في التاريخ المصري القديم، وكانت تسمى مدينة أون (هليوبوليس)، وأهم الاكتشافات به مقبرة «بان حثي» من الأسرة الفرعونية الثانية الحاكمة، وهو كبير الأمراء في تلك الفترة، كما يحتوي الحي على معبد الشمس، الذي اكتسب منه الحي اسمه باللغة المصرية القديمة: «مقر لعبادة أون».
لكن هذا الحي التاريخي، كما يقول مينا يسري (40 سنة)، وهو أحد قاطني الحي، تحول إلى «بؤرة» داعمة لجماعة الإخوان عقب الإطاحة بالرئيس الأسبق حسني مبارك عام 2011 في ثورة 25 يناير، وتحول الحي الذي يتميز بساكنيه البسطاء إلى مركز قوي استغله تيار الإسلام السياسي خلال انتخابات الرئاسة قبل الماضية التي فاز بها مرسي، وخلال الانتخابات البرلمانية السابقة التي حصدها تيار الإسلام السياسي وفي مقدمته جماعة الإخوان والسلفيين والجماعة الإسلامية.
ويضيف يسري، وهو مواطن قبطي، أن «السلفيين في عين شمس لا يفضلون التعامل مع الأقباط ولا يهتمون بالمرأة من الأساس.. وأي حديث عن تعاون مع الأقباط خلال الانتخابات المقبلة، لن يصدقه أحد، وسيكون كلاما مجردا فقط».
كما عد مصدر كنيسي أن «ترشيح النور لمسيحيين على قوائمه مناورة لإضفاء شرعية قانونية على حزبهم خوفا من تجميده لكونه حزبا دينيا»، قائلا لـ«الشرق الأوسط»، إن «الاختبار الحقيقي لجدية هذه الدعوة يرتبط بتغيير النور لثوابته الفكرية والموافقة على تولي المسيحيين المناصب القيادية».
ويواجه حزب النور مأزقا خلال الانتخابات البرلمانية؛ حيث ينص قانون الانتخابات على ضرورة تمثيل المرأة والأقباط على قوائم الأحزاب، الأمر الذي قد يورط الحزب أمام قواعده التي اعتادت سماع خطب لقيادات الدعوة السلفية تدني من مكانة الأقباط.
وقال ياسر حسان، عضو الهيئة العليا لحزب الوفد، لـ«الشرق الأوسط»، إنه «حال عدم وضع أقباط على قوائم النور سيكون ذلك الأمر بمثابة إعلان نفسه بصفته حزبا طائفيا، وحتى في حال وضع الأقباط على قوائمه سيحدث أزمة داخل النور، لأن أعضاءه سيعدون ذلك أمرا غريبا».
وما زالت الدعوة السلفية تشهد انقساما حول دور المرأة في الحياة السياسية، ففي الوقت الذي يؤكد فيه حزبها في تصريحاته الإعلامية أنه يقدر دور المرأة في الحفاظ على قيم المجتمع، وأن دورها في الفترة المقبلة لن يقتصر على المشاركة في الانتخابات، اعترضت قيادات داخل الحزب والدعوة على مشاركة المرأة في الحياة السياسية، ووصفت ترشحها في الانتخابات بـ«المفسدة» ومخالفة الشريعة الإسلامية، وذلك خلال اجتماع للحزب عقد قبل يومين في مدينة كفر الشيخ.
وسبق أن طالبت قيادات سلفية برفض تولي الأقباط المناصب العليا في الدولة، لكن مصدرا مسؤولا في حزب النور، أكد «وجود مساع حثيثة الآن لضم عدد من النساء والمسيحيين على قوائم النور لخوض الانتخابات البرلمانية».
وأثار استبدال حزب النور صور مرشحاته خلال انتخابات البرلمان الماضية، برموز مثل «الوردة» أو صورة «زوج المرشحة»، حملة من الانتقادات والسخرية ضد الحزب من القيادات النسائية في مصر، وكانت التعليقات آنذاك تدور في محور «إذا كانوا لا يملكون شجاعة وضع صورة المرشحة ضمن حملاتهم، فكيف ستتعامل تلك المرشحة مع المواطنين حال نجاحها؟».
وينتظر حزب النور في 18 أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، الفصل في الدعاوى المقامة أمام المحكمة الإدارية العليا التي تطالب بحله، لأنه قائم على أساس ديني، لكن المسؤول بالحزب قال واثقا، إن «المحكمة سترفض دعاوى الحل»، وسبق أن قضت المحكمة الإدارية العليا في أغسطس (آب) الماضي، بحل حزب الإخوان «الحرية والعدالة».
في سياق مواز، أثارت تسريبات عن تحالف بين النور وأعضاء الحزب الوطني، جدلا داخل الدعوة السلفية، وبينما قال قيادي في الدعوة السلفية إن «عددا من مشايخ الدعوة يرفضون أي تحالفات مع نواب حزب مبارك، لأن الرهان عليهم في الانتخابات سيفقد الحزب والدعوة مكانتهما في الشارع»، كشف القيادي، وهو من قيادات الدعوة بمحافظة المنيا (بصعيد مصر)، عن أن حزب النور الذي شارك في وضع خارطة الطريق مع الجيش وقيادات أزهرية وكنسية، «يمارس ضُغوطا على الدعوة السلفية، للقبول بترشيح نواب حزب مبارك على قوائمه، على اعتبار أن أعضاءه ليسوا جميعا فاسدين».
وأكد القيادي، الذي طلب عدم التعريف به، لـ«الشرق الأوسط»، وجود خلاف منذ أيام بين الدعوة السلفية وحزبها، بعدما تواصل عدد من قيادات النور مع أعضاء الوطني أسموهم بـ«شرفاء الوطني»، لخوض الانتخابات على قوائمه في عدد من محافظات صعيد ودلتا مصر، لافتا إلى أن «قيادات النور عقدت بالفعل اجتماعات مكثفة مع عدد من رموز الوطني، واتفقوا معهم على الخطوط العريضة، ونصيب كل طرف داخل القوائم، والمقاعد الفردية»، مضيفا أن «هناك حالة من الغضب اشتعلت داخل الدعوة السلفية، وهدد عدد من قيادات الدعوة بالاستقالة، حال استمرار التعاون مع الوطني المنحل».
لكن مسؤولا في حزب النور بالقاهرة قلل من أهمية الأمر، معدا أن هذا الأمر سابق لأوانه؛ لكنه لم ينف التحالف مع «الوطني»، بقوله لـ«الشرق الأوسط»: «هناك ترحيب من الحزب بالسماح لأعضاء الوطني بخوض انتخابات مجلس النواب بوصفهم مواطنين مصريين، ما داموا لم يتورطوا في قضايا فساد». ويرى مراقبون أن «النور» يواجه أزمة شديدة في إيجاد حلفاء الآن، بعد اتجاه كل القوى المدنية لتجنب التحالف معه، على الرغم من كونه الحزب الإسلامي الوحيد الذي أيد عزل الرئيس الإسلامي مرسي، وشارك في صياغة خارطة الطريق المصرية، وهو الموقف الذي أشعل الوضع بين الدعوة السلفية وحزبها، وبين الإسلاميين من جهة أخري، واتهمت جماعة الإخوان «النور» بخيانة التجربة الإسلامية، وحملوا الحزب مسؤولية قرار الانقضاض على شرعية الرئيس المعزول.
وفي مقدمة هذه التحالفات الرافضة لمد يدها إلى النور، الوفد المصري الذي يضم أحزاب: «الوفد، والمصري الديمقراطي، والمحافظين، وتيار الشراكة الوطنية»، والجبهة المصرية الذي يضم أحزاب: «الحركة الوطنية، والتجمع، والمؤتمر»، والتيار الشعبي، الذي يترأسه المرشح الرئاسي السابق حمدين صباحي، ويضم بعض القوى الناصرية والثورية.
وستجرى الانتخابات المقبلة وفقا للنظام المختلط (ثلثان للفردي، وثلث للقائمة)، وفي ظل غياب جماعة الإخوان المسلمين، أكبر كتلة في البرلمان السابق، بعد أن جرى تصنيفها رسميا «جماعة إرهابية» في سبتمبر (أيلول) الماضي، تحاول جميع التحالفات الفوز بمقاعد البرلمان. وجدد الحكم الذي أصدرته محكمة استئناف مصرية في يوليو (تموز) الماضي، بإلغاء حكم سابق يحظر ممارسة قيادات الوطني للحياة السياسية، الأمل لدى «النور» بتدشين تحالف انتخابي مع المنحل، لترميم التراجع الحاد في شعبيته، وانهيار قواعده بالمحافظات، بعد انسحاب قطاع كبير من أعضائه، على خلفية موقفه من الإطاحة بمرسي.