الجنرال فرانكو ما زال حاضراً في المشهد السياسي الإسباني

بعد أربعة عقود على رحيله في خريف عام 1975، ما زال الجنرال فرانكو حاضراً بقوة في المشهد السياسي الإسباني الذي يعيش حالاً من الاضطراب غير المسبوق منذ عودة النظام الديمقراطي. سبب الحضور هذه المرة هو القرار الذي اتخذته المحكمة العليا برفض الطعن الذي قدمته عائلة الجنرال فرانكو ضد قرار الحكومة نقل رفات الديكتاتور من النُصب التذكاري الضخم الذي كان قد أمر بتشييده في ضواحي العاصمة، تخليداً لانتصاره في الحرب الأهلية التي أوقعت ما يزيد على المليون قتيل، وشردت مئات الآلاف في المنافي.
وتزامن القرار، الذي اتخذته المحكمة بإجماع أعضائها الستة، مع توقيع العاهل الإسباني الملك فيليبي السادس على مرسوم حل البرلمان، والدعوة لإجراء انتخابات عامة جديدة في العاشر من نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، ومع الكلمة التي ألقاها رئيس الوزراء بيدرو سانتشيز أمام الدورة الرابعة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة.
وفي كلمته أمام الجمعية العامة، أشار سانتشيز إلى قرار المحكمة العليا، وذكر بما سماه «التاريخ الأسود» لبلاده «الذي حال دون أن تكون إسبانيا في عداد الدول المؤسِسة للمنظمة الدولية في عام 1948، نتيجة العزلة التي كانت تعاني منها، وابتعادها عن الدول الديمقراطية الكبرى، بسبب ديكتاتورية الجنرال فرانكو الذي تحالف مع دول المحور في الحرب العالمية الثانية».
وقال سانتشيز في كلمته: «إن القرار الذي اتخذته المحكمة العليا بالسماح بنقل رفات الديكتاتور فرانكو من النصب التذكاري هو خطوة رمزية نهائية، نطوي بها صفحة قاتمة من تاريخنا، لأن أعداء الديمقراطية لا يستحقون التكريم واحترام المؤسسات؛ إنها انتصار كبير للديمقراطية الإسبانية».
وإدراكاً منه لأهمية الدعم الذي شكله قرار المحكمة العليا لسياسة حكومته في هذا الملف الذي حظي بتغطية واسعة في الصحافة الدولية خلال الأشهر المنصرمة، شدد سانتشيز على التغيير الكبير الذي شهدته إسبانيا منذ وفاة الجنرال فرانكو، قائلاً: «إسبانيا كانت من أولى الدول الحديثة في العالم، لكنها رغم ذلك لم تشارك في تأسيس منظمة الأمم المتحدة، لأن الديكتاتورية الفرنكية صادرت بلادنا طوال أربعة قرون، وتعاونت مع النازية في الحرب العالمية الثانية»، وأضاف: «لكن إسبانيا نفضت عنها تلك الديكتاتورية منذ أربعين عاماً، وتمكنت من بناء دولة تعد من أكثر الديمقراطيات مناعة، ومن أفضل البلدان للعيش والعمل».
ولا شك في أن قرار المحكمة العليا، الذي يذلل آخر عقبة أمام نقل رفات الجنرال فرانكو إلى مدافن أسرته، والذي أكدت نائبة رئيس الحكومة أنه سينفذ قبل بداية الحملة الانتخابية، سوف يعزز شعبية سانتشيز في صفوف اليسار الذي يتنازع عليه مع خصمه حزب «بوديموس» الذي فشل في التوصل إلى اتفاق معه لتشكيل حكومة ائتلافية بعد الانتخابات الأخيرة التي أجريت أواخر أبريل (نيسان) الفائت. ومن روما، أكد مصدر رسمي في الفاتيكان أن الكرسي الرسولي سوف يحترم القرار الذي تتخذه السلطات الإسبانية المختصة بشأن نقل رفات الجنرال فرانكو، الموجودة حالياً في كاتدرائية النصب التذكاري الذي يعرف باسم «وادي الشهداء»، والتي تطالب العائلة بنقلها إلى كاتدرائية «قصر الشرق» الملكي في العاصمة، الأمر الذي ترفضه الحكومة. ويأتي قرار الفاتيكان بعد أشهر من المفاوضات بين الحكومة الإسبانية والكنيسة الكاثوليكية التي أبدت تحفظاً في البداية على نبش ضريح فرانكو، ونقل رفاته من الكاتدرائية.
العقدة الوحيدة المتبقية، بعد نقل رفات فرانكو، هي مصير هذا الصرح الضخم الذي يقوم فوق أكبر مقبرة جماعية في إسبانيا، إذ يقدر عدد الجثث المدفونة فيها بما يزيد على أربعين ألفاً، معظمها لأنصار الجانب الجمهوري الذي خسر الحرب الأهلية. وتطالب عائلات كثيرة بنبش هذه المقبرة، وإجراء التحليلات العلمية اللازمة على ما تحويه من رفات، لتحديد هويات الضحايا التي ما زال مكان دفنها مجهولاً.