داني سيبايوس: تجاهل زيدان لي كاد ينهي مسيرتي الكروية مبكراً

كان جمهور آرسنال الإنجليزي يعرف أن نجم خط الوسط الإسباني داني سيبايوس لاعب جيد، أو هكذا كانوا يتمنون، خاصة أنه قادم من نادٍ كبير بحجم ريال مدريد، لكن الشيء المؤكد هو أن أي لاعب لا يرحل عن فريقه إلا إذا كان هناك أشخاص داخل هذا النادي يريدون ذلك! لكن خلال المباريات القليلة التي لعبها مع «المدفعجية» حتى الآن في الموسم الجديد للدوري الإنجليزي الممتاز، صنع سيبايوس هدفين وقدم بعض اللمسات السحرية التي تثبت أنه يمتلك قدرات وفنيات هائلة، وكان أكثر لاعبي آرسنال قياماً بالمراوغات الناجحة، وهو ما جعل جمهور آرسنال يتغنى باسمه في المدرجات.
يقول اللاعب الإسباني عن ذلك: «أنا ممتن للغاية. لقد تغنى الجمهور باسمي في أول يوم لي مع النادي، وشعرت وكأنني ألعب في إنجلترا منذ عشر سنوات». وقد عاد سيبايوس إلى إسبانيا للانضمام إلى معسكر المنتخب الإسباني، وكان يجلس تحت أشعة الشمس في لاس روزاس، المقر الرئيسي للمنتخب الوطني، بعد مرور 20 يوماً على فوز آرسنال على بيرنلي، وهي الفترة التي شهدت تذكيره مرتين بأن الطريق لن يكون مفروشاً بالورود مع آرسنال - فخلال مباراة آرسنال أمام ليفربول على ملعب «آنفيلد» كان يلتقط أنفاسه بصعوبة، كما خرج من التشكيلة الأساسية وجلس على مقاعد البدلاء في ديربي شمال لندن أمام توتنهام هوتسبير.
يقول سيبايوس عن ذلك: «أنا أحب المدينة وأحب الدوري الإنجليزي الممتاز وأحب آرسنال، وأنا سعيد للغاية لكوني جزءاً من هذا النادي الرائع. في الحقيقة، لم ألحظ أي فرق يذكر في الحجم بين ريال مدريد وآرسنال. والمشجعون متحمسون للغاية ويحبون اللاعبين كثيراً. من السهل للغاية التكيف مع الأمور هنا، لأنهم يجعلونك تشعر وكأنك ستكون داخل هذا النادي إلى الأبد. إنني أحب الطريقة التي عاملني بها الجميع هنا، وقد وضعوا الكثير من الثقة بي».
وكما هو الحال مع جناح آرسنال السابق خوسيه أنطونيو رييس، ولد سيبايوس في بلدة أوتريرا، وكان والداه يبيعان وجبات الطعام الخفيفة على سيارة متنقلة بينما كان هو يلعب كرة القدم. ويقول سيبايوس عن المكان الذي ولد فيه: «إنها بلدة صغيرة ومتواضعة». انضم سيبايوس إلى نادي إشبيلية وهو في الثامنة من عمره، لكن النادي تخلى عن خدماته عندما بلغ الثالثة عشرة، ثم انتقل إلى ريال بيتيس وهو في السابعة عشرة. وفي اليوم الذي خضع فيه للاختبار، تم استبداله مبكراً بعدما رأى مسؤولو النادي أنه من الأفضل إخراجه من المباراة حتى لا يلفت أنظار مسؤولي ريال مدريد وبرشلونة!
وبالفعل بدأ الناديان العملاقان يتنافسان على ضم سيبايوس عندما بلغ العشرين من عمره، واستطاع النادي الملكي الفوز بخدماته في نهاية المطاف. لكن هذه الخطوة لم تكلل بالنجاح حتى الآن، لذلك صمم اللاعب على الرحيل إلى آرسنال على سبيل الإعارة من أجل المشاركة في المباريات وإثبات قدراته. ولم يحصل سيبايوس على الكثير من الفرص مع ريال مدريد تحت قيادة المدير الفني الفرنسي زين الدين زيدان، حيث لم يشارك سوى في 16 في المائة فقط من المباريات خلال الموسم الأول لزيدان مع الفريق الملكي. وقال سيبايوس عن ذلك في حديث لراديو ماركا: «تأتي عليك بعض الأوقات التي ترى فيها أن الأمور باتت مستحيلة: لقد كان الفريق يفقد خدمات توني كروز ولوكا مودريتش معاً بسبب الإصابة في بعض الأوقات، وكان زيدان يغير خطة اللعب تماماً من أجل الدفع بلاعبين آخرين، ولم يفكر في الدفع بي».
وقد اعترف سيبايوس بأنه لو كان زيدان قد استمر مع ريال مدريد ولم يرحل بعد ولايته الأولى، فإنه كان سيرحل عن صفوف الفريق. لكن بعد ستة أشهر من هذه التصريحات، عاد زيدان مرة أخرى لتولي قيادة الفريق. وقد شارك سيبايوس في التشكيلة الأساسية لريال مدريد في مباراة واحدة من بين 11 مباراة تولى خلالها زيدان قيادة الفريق بعد عودته مرة أخرى، لذا استعان سيبايوس بمدرب شخصي يساعده على تطوير مستواه حتى لا يتأثر كثيراً بسبب عدم المشاركة في المباريات. وقال إنه شعر في بعض الأحيان أن تجاهل زيدان له كاد ينهي مسيرته الكروية.
وخلال الصيف الجاري، قام زيدان بمحاولة صغيرة لإقناعه بالبقاء، ويقول سيبايوس عن ذلك: «يتعين عليك أن تتحلى بالواقعية، فعدد الساعات التي لعبتها مع آرسنال حتى الآن لم ألعب مثلها مع ريال مدريد على مدار عامين كاملين! إنني لم ألعب كثيراً، لكن من المؤكد أيضاً أنني عندما أشارك لا أقدم أفضل ما لدي، ويعود الأمر في ذلك إلى فقدان الثقة، لكن يتعين على اللاعب أن ينتقد نفسه ويعمل على تطوير مستواه بشكل مستمر».
ومنذ أول يوم لسيبايوس في ملعب «الإمارات»، أدرك جمهور آرسنال أن هذا اللاعب يجب أن يبقى مع الفريق ولا يرحل بعد نهاية فترة الإعارة، حتى لو شكك البعض في قدرات اللاعب بسبب عدم تقديمه للأداء المتوقع بعد ذلك. لقد خسر آرسنال أمام ليفربول، وفي مباراة الفريق أمام توتنهام هوتسبير لم يشارك سيبايوس في التشكيلة الأساسية وكان يجلس على مقاعد البدلاء، وهو ما أثار العديد من الأسئلة حول التوازن بين الدفاع والهجوم في آرسنال وكيفية الدفع بلاعب مثل سيبايوس بالشكل الذي لا يؤثر على النواحي الدفاعية للفريق.
لقد أظهر سيبايوس خلال الفترة التي لعبها أنه يمتلك أسلوباً مميزاً ويلعب بحرية كبيرة داخل الملعب، ويمتلك موهبة كبيرة لا يمكن لأحد أن يتجاهلها، كما يؤكد سيبايوس على أنه ما زال في مرحلة التأقلم والتكيف مع الفريق ومع بطولة الدوري الإنجليزي الممتاز ككل. ويرى سيبايوس أن المباراة التي خسرها آرسنال أمام ليفربول كانت بمثابة درس كبير يتعين على الفريق الاستفادة منه، قائلاً: «لم أرَ في حياتي شيئاً مثل الذي رأيته على ملعب آنفيلد، فلم أرَ فريقاً يلعب بشكل أفضل من هذا، ولا فريقاً يضغط بهذا الشكل، ولا مشجعين يؤازرون فريقهم بهذه الطريقة». وأضاف: «إنهم يجعلونك تشعر بأنهم يسحبون الهواء من حولك. إنك تقضي الكثير من الوقت في الدفاع، وعندما تريد أن تفعل شيئاً عندما تستحوذ على الكرة وتريد أن تتنفس، فإنهم يعودون للإجهاز عليك. إنه فريق منظم للغاية».
وعما إذا كان المدير الفني لآرسنال، أوناي إيمري، يسعى لمحاكاة ما يقوم به ليفربول، قال سيبايوس: «لا يمكننا المقارنة بين الناديين في الوقت الحالي، فنحن نعمل على بعض الأشياء المماثلة، لكن يورغن كلوب يتولى قيادة ليفربول منذ عام 2015. أما أوناي إيمري فلم يأت إلا الموسم الماضي. وكان آرسنال على بُعد نقطة واحدة من احتلال أحد المراكز الأربعة الأولى المؤهلة لدوري أبطال أوروبا الموسم الماضي، كما كان على وشك الحصول على بطولة الدوري الأوروبي، وهو ما يعني أن إيمري يقوم بعمل جيد. وفي غضون بضع سنوات، سيكون آرسنال ضمن أفضل 10 أندية على مستوى العالم وسينافس على كل البطولات».
وأضاف: «لدينا فريق جيد ومتماسك للغاية، كما أن الثلاثي الأمامي يصنع الفارق دائماً. ويمكننا أن نشبه بيير إيمريك أوباميانغ بالنجم البرتغالي كريستيانو رونالدو خلال الفترة التي كان فيها في ريال مدريد من حيث اللعب بالقرب من المرمى من أجل إحراز الأهداف. إنه لاعب مهم للغاية بالنسبة لنا، كما أن نيكولاس بيبي يلعب بشكل مباشر على مرمى الفرق المنافسة. وبالنسبة لي، أرى أن ألكسندر لاكازيت هو أفضل لاعب، فهو قادر على قراءة المباريات بشكل رائع، وعندما يكون في كامل لياقته الذهنية والبدنية فإنه يقدم لنا الكثير».
يقول سيبايوس وهو يضحك: «عندما يكون جميع اللاعبين في حالة جيدة، فإن ذلك يسبب صداعاً في رأس المدير الفني بسبب الحيرة في اختيار التشكيلة الأساسية. ولا أعتقد أن المدير الفني قد كرر نفس التشكيلة الأساسية في المباريات التي لعبها الفريق هذا الموسم، وهو ما يعني أنه لا يوجد لاعب يضمن مكانه في التشكيلة الأساسية. وفي مباراتنا أمام توتنهام هوتسبير، جلست أنا على مقاعد البدلاء وكنت أفهم الدور الذي يتعين علي القيام به عند نزولي أرض الملعب».
ويضيف: «إيمري يعرفني جيداً، ويريد مني أن أظهر شخصيتي داخل الملعب وأن أظهر رغبتي في التعلم، خاصة أنني ما زلت صغيراً في السن. أنا أعشق كرة القدم، ويمكنني أن ألعب صانع ألعاب أو محور ارتكاز، لكنني أشعر بالمسؤولية لقيادة الفريق داخل الملعب وأن أطلب الكرة في المواقف الصعبة ولا أختبئ، حتى يمكنني مساعدة الفريق على اللعب، وهذا هو الفارق الرئيسي بين اللاعب الجيد وغير الجيد. يتعين على اللاعب الجيد أن يظهر عندما يكون الفريق في أشد الحاجة إليه».
ويتابع: «أحاول أن ألعب وأنا سعيد، حتى يمكنني أن أقدم أفضل ما لدي وأستمتع بما أقوم به. إننا فريق يحب الاستحواذ على الكرة، لذلك فأنا أشعر بالراحة هنا. وأعتقد أن الجمهور سيرى أفضل ما لدي خلال النصف الثاني من الموسم». ويقول سيبايوس: «أنا أحاول دائماً الوصول إلى مرمى الفريق المنافس وأن أصنع الفارق لمصلحة فريقي. صحيح أن الرغبة الدائمة في الحصول على الكرة تجعلني أقدم أفضل ما لدي، لكنها قد تجعلني أخطئ في التمركز داخل الملعب في بعض الأحيان. وأعتقد أنه يمكنني التحسن بشكل كبير خلال الفترة المقبلة، خاصة في ظل الخبرات التي اكتسبتها بالفعل. من الواضح أن أوناي إيمري يثق كثيراً في قدراتي، فهو الشخص الذي اتصل بي وطلب مني الانضمام إلى آرسنال، ويؤمن بأنني قادر على القيام بدور فعال وبارز مع الفريق، وأنا أحب طريقته في التدريب كثيراً».
ويضيف: «في الحقيقة، لقد فوجئت بطريقة عمله وشعرت بسعادة كبيرة. عندما تحصل على ثقة المدير الفني، يكون من السهل للغاية عليك أن تقدم أداء أفضل، وأنا ممتن للغاية لأوناي إيمري وأريد أن أرد له الدين. لاعبو كرة القدم لديهم مشاعر وأحاسيس مثل باقي البشر، ونشعر بالإحباط في بعض الأوقات، لكن يتعين علينا أن نكون أقوياء من الناحية الذهنية. وسأكون كاذباً لو قلت شيئاً غير ذلك».
ويتابع: «عندما تعرف أن المدير الفني يثق بك فهذا يساعدك بنسبة 60 في المائة على تقديم أفضل ما لديك. وعندما تعرف أن المدير الفني سيدعمك إذا ارتكبت خطأ فإن ذلك يساعدك كثيراً. أنا لم ألعب مع الفريق إلا أسابيع قليلة فقط، وبالتالي من المبكر للغاية أن أحكم على الأمور الآن، لكن ما رأيته يجعلني أقول إن هذه هي أقوى مسابقة في العالم من حيث التنافسية والقوة البدنية. هذه هي أفضل بطولة وتتطلب لاعبين بقدرات وإمكانيات خاصة، ويتعين علي أن أتكيف مع هذا الوضع».
ويقول سيبايوس أيضاً إنه قادر على التكيف مع الطقس البارد في لندن. وعندما قلت له إنه من السهل أن يقول ذلك في شهري أغسطس (آب) أو سبتمبر (أيلول) حيث تكون فيهما درجة الحرارة مرتفعة، وأنه يتعين علينا أن ننتظر إلى فبراير (شباط) لنسمع وجهة نظره في هذا الأمر، رد ضاحكاً: «لقد تم تحذيري من الطقس البارد. لكنني أحب كرة القدم هنا، وأحب الطريقة التي يعيشون ويتنفسون بها. في الحقيقة، لم أرَ شيئاً من هذا القبيل مطلقاً، فحتى عندما تلعب خارج ملعبك يكون هناك ما لا يقل عن ألف مشجع يدعمونك».
ويضيف: «لا يهمني ما إذا كانت السماء تمطر أم تسقط ثلوجاً، فكل ما يهمني هو أن ألعب مباراة كل ثلاثة أيام خلال فترة أعياد الميلاد. إنها تجربة رائعة. أنا لا أعرف ما الذي سأقوله بعد عام من الآن، لكنني الآن سعيد. إنهم يرون كرة القدم كما أراها أنا، فأنا أحب هذه اللعبة كما يحبونها هنا. إنهم يحترمونني، ومن المهم للغاية أن يشعر اللاعب بأنه مرغوب داخل النادي. إنك تحبهم وتصفق لهم وهم يبادلونك نفس الشعور، وهذا أمر رائع». ولم يكن سيبايوس بحاجة لوقت طويل لكي ينال حب الجمهور، فقد تم ترديد اسمه في المدرجات منذ اليوم الأول له مع الفريق.