السعودية في يومها الوطني... تاريخ باتجاهات تجذب المستقبل

قبل نحو تسعة عقود ومن قصر طيني في مدينة الرياض، تم الإعلان عن اسم الدولة الناشئة بعد توحيد أجزائها على يد الشاب عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود، خلال رحلة كفاح طويلة لاستعادة ملك آبائه وأجداده، بعد أن تمكن المؤسس من توحيد ملك الآباء والأجداد التي تسببت أحداث كثيرة في السقوط خلال مرحلتين.
وأصدر الملك عبد العزيز مؤسس الدولة السعودية الثالثة من قصره في عاصمة الدولتين أمراً ملكياً من سبع مواد بتحويل اسم الدولة المملكة الحجازية النجدية إلى اسم المملكة العربية السعودية، وتنشر «الشرق الأوسط» صورة لنص الأمر الملكي بتاريخ 17 من شهر جمادى الأولى من عام 1351هـ، الموافق 23 من شهر سبتمبر (أيلول) عام 1932م. ويصبح لقب مؤسسها «الملك» لتأخذ الدولة الحديثة مكانها على الخريطة الدولية، وتتحول إلى رقم صعب في المعادلة، وذات حضور عالمي وإقليمي مؤثر، في عهد سابع ملوكها الملك سلمان بن عبد العزيز.
ويستذكر السعوديون مع حلول مناسبة اليوم الوطني 89 الذي يصادف ملامح مهمة من تاريخ بلادهم، مستعرضين شريطاً طويلاً يغطي 9 عقود بدأ من مرحلة التأسيس على يد الملك عبد العزيز مروراً بمراحل التحديث والبناء في عهد الملوك: سعود، وفيصل، وخالد، وفهد، وعبد الله، رحمهم الله، إلى مرحلة «العصرنة»، وبناء دولة المستقبل في عهد الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده الأمير محمد بن سلمان.
ولعلها مصادفة أن تحل مناسبة اليوم الوطني السعودي لهذا العام في فترة ذات شأن في تاريخ العالم وسط أحداث عالمية وإقليمية ومحلية، كانت السعودية لاعباً مؤثراً فيها، وهي ظروف متشابهة مع الظروف المحيطة مع بدايات مرحلة التأسيس، ففي ذكرى هذه المناسبة يفتح التاريخ نوافذه راصداً هذه الفترة بدءا من ملحمة البطولة والوحدة التي تحققت على يد الملك عبد العزيز في رحلة كفاح لتأسيس الكيان الكبير، ويسجل لدولته الناشئة حضوراً لافتاً في فترة ذات شأن من تاريخ العالم ووسط أحداث عالمية وإقليمية ومحلية بالغة الصعوبة، حيث كانت تتقاسم العالم قوى متعددة ومصالح وأطماع مختلفة، في حين أن طبول الحرب العالمية كانت تقرع منذرة بأحداث جسام ومآسٍ وكوارث لا يمكن التنبؤ بها أو قراءة تبعاتها وتأثيراتها في مختلف الدول حتى تلك التي في منأى عن الحرب، ويعيد التاريخ نفسه اليوم، حيث شهدت وتشهد المنطقة أحداثاً وثورات وصراعات، وحروباً واقتتالاً، ولم تكن السعودية في منأى عن هذه الأحداث، حيث تحركت بالتعاون مع القوى الكبرى مستفيدة من ثقلها العالمي إلى المساهمة في إيجاد الحلول لهذه الصراعات، وبذلت جهوداً مع الدول الكبرى لاحتوائها.
وأمام هذه الأحداث التي كان آخرها الهجمات ضد منشآت نفطية سعودية، الأسبوع الماضي، اعتبرت الرياض أن هذه التهديدات والهجمات موجهة إلى المنطقة والعالم، بما يهدد السلم والأمن الدوليين، حيث جدد الملك سلمان بن عبد العزيز تأكيد قدرة بلاده على حماية أراضيها، في حين اعتبر ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، أن هذه التهديدات ليست موجهة ضد بلاده وحسب وإنما يصل تأثيرها إلى الشرق الأوسط والعالم، وتزامن ذلك مع إدانة دولية واسعة ضد هذا العمل الإرهابي. ورغم حجم التحديات في المشهد الحالي، نجحت السعودية تحت قيادة الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده الأمير محمد بن سلمان في تسجيل حضور لافت للبلاد عالمياً بتحويلها إلى رقم صعب في المعادلة الدولية، وبناء دولة المستقبل ورسم سياستها في توازن ما بين احتياجات الداخل ومتطلبات الخارج، بتميز اتسم بالعزم والحزم في مواجهة الأحداث، مع الحرص على إحقاق الحق وإرساء العدل ووضع التطور والحداثة هاجسين لها، وإقرار مشروعات مختلفة للوصول بالبلاد إلى آفاق رحبة من التنمية، وتسجيل حضور عالمي للبلاد، حيث رسم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، منذ توليه مقاليد السلطة في بلاده كسابع ملوك الدولة السعودية الحديثة، ملامح عهده بقرارات وأوامر لافتة لتأسيس دولة المستقبل مع الحفاظ على المكتسبات السابقة التي أنجزها أسلافه.
ومثلما سجل الملك المؤسس عبد العزيز مواقف تنم عن امتلاكه الحكمة، وأدوات ومقومات القائد الناجح والمحنك والشجاع وقراءة الأحداث والوقائع بشكل دقيق بعيداً عن الانفعال والعواطف والمغامرات غير المحسوبة، سجل الملك سلمان التوجه ذاته لوالده المؤسس، واستخدم الأدوات نفسها التي سار عليها والده تبعاً للظروف والأحداث والمعطيات، وهو ما أكد عليه الملك سلمان منذ توليه مقاليد السلطة في بلاده، إن «أمتنا العربية والإسلامية هي أحوج ما تكون اليوم إلى وحدتها وتضامنها. وسنواصل في هذه البلاد التي شرفها الله بأن اختارها منطلقاً لرسالته وقبلة للمسلمين، مسيرتنا في الأخذ بكل ما من شأنه وحدة الصف وجمع الكلمة والدفاع عن قضايا أمتنا، مهتدين بتعاليم ديننا الإسلامي الحنيف الذي ارتضاه المولى لنا، وهو دين السلام والرحمة والوسطية والاعتدال».
ويحمل ولي العهد السعودي «كاريزما القيادة»، فمنذ دخوله معترك السياسة في بلاده، اهتم بجملة من الملفات والقضايا السياسية والاقتصادية والتنموية والفكرية والاجتماعية الشائكة، بأبعادها المحلية والإقليمية والدولية. ونجح في تأسيس أرضية صلبة للانطلاق عبرها لرسم سياسة جديدة لبلاده، تتعامل مع الواقع والمستقبل معاً، وفق استراتيجية واضحة تتجاوز الطروحات التقليدية، والحلول العاطفية والوقتية، من خلال آليات وعمل مؤسسي، كما أطلق ولي العهد أعمالاً وقرارات لافتة كانت منهج عمل مستقبلياً، تحقق كثير منها على سطح الواقع، وكان هاجس الأمير محمد بن سلمان، استغلال عناصر القوة والإمكانات الهائلة التي تتمتع بها بلاده، وعدم الركون إلى النفط مورداً وحيداً لتحقيق مداخيل البلاد من خلال سلعة قابلة للنضوب، وتشهد سوقها تقلبات في الأسعار، كما رأى ولي العهد، أن هناك مستقبلاً مذهلاً ينتظر بلاده في مقبل الأيام، بعد أن وصل إلى قناعة بأن السعوديين لم يستغلوا سوى 10 في المائة من قوة وإمكانات بلادهم التي لديها 90 في المائة من الإمكانات الخصبة والواعدة التي ينتظر استغلالها، بما يعود بالخير عليها وعلى مواطنيها وعلى المنطقة بكاملها، كما رأى أن موقع بلاده الاستراتيجي الذي يقع بين 3 مضايق من أهم الممرات المائية في العالم يسمح لها بأن تكون منطقة محورية بين القارات الثلاث: آسيا، وأفريقيا، وأوروبا.
وفي الجانب الديني والفكري، حيث تحتضن بلاده السعودية الحرمين الشريفين، يرى ولي العهد أن الإسلام هو دين السلام، وأن مثلث الشر المتمثل في «إيران، والإخوان المسلمين، والجماعات الإرهابية»، يسعى للترويج لفكرة أن واجب المسلمين هو «إعادة تأسيس مفهوم مثلث الشر الخاص للخلافة، ويدّعون أن واجب المسلمين هو بناء إمبراطورية بالقوة وفقاً لفهمهم وأطماعهم، لكن الله سبحانه لم يأمرنا بذلك، والنبي محمد، عليه الصلاة والسلام، لم يأمرنا بالقيام بذلك. وهذه المهمة لا بد من إنجازها. واليوم - في الدول غير الإسلامية - أصبح لكل إنسان الحق في اختيار معتقده وما يؤمن به. والآن لم يعد واجباً علينا أن نقاتل من أجل نشر الإسلام ما دام مسموحاً للمسلمين بالدعوة بالحسنى، لكن في مثلث الشر، يرغبون في التلاعب بالمسلمين، وإخبارهم أن واجبهم بصفتهم مسلمين - ومن أجل كرامتهم - يتطلب تأسيس إمبراطورية إسلامية بالعنف والقوة وفق الآيديولوجيا المحرفة لكل أضلاع مثلث الشر».