رونالدو وميسي... أسطورتان يصعب تعويضهما

من المعروف أن الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ إيل لعب الغولف مرة واحدة فقط في حياته. وفي عام 1994 ذكرت وسائل الإعلام الرسمية أن كيم قد اختار ناديا يلعب باسمه للمرة الأولى في ملعب الغولف الوحيد في البلاد، مشيرة إلى أنه قد حقق رقما قياسيا عالميا بإصابة 11 هدفا! وعند هذه النقطة، أعلن إيل أنه سيعتزل الغولف ولن يلعب مرة أخرى.
وبالتأكيد، كان قرار اعتزاله يمثل ضربة قوية للغاية للعبة الغولف التي فقدت لاعبا أسطوريا بهذه الموهبة، وهو الأمر الذي يجعلنا نتخيل ما الذي كان يمكن أن يحققه القائد الأعلى لجيش كوريا الشعبي إذا واصل اللعب ولم يعتزل! والأسوأ من ذلك، أنه لم يتم تسجيل هذه المباراة الفذة التي لعبها إيل لكي يشاهدها الجمهور، لكنهم اكتفوا بالشهادة التي أدلى بها 17 من حراسه الشخصيين، الذي أكدوا بالطبع على موهبته الفذة! وعلاوة على ذلك، يمتلك الزعيم الكوري الشمالي الكثير من المواهب الأخرى، من بينها قدرته على الغناء الأوبرالي «أفضل من أي مغن آخر في التاريخ»، وفقا لوسائل الإعلام الرسمية.
لكن بمرور الوقت، أصبحنا نرى شكلا من أشكال آلة الدعاية لهذا الديكتاتور الكوري الشمالي في الأمور المتعلقة بالنجم الأرجنتيني ليونيل ميسي والبرتغالي كريستيانو رونالدو والمقارنة الدائمة بينهما فيما يتعلق بالأرقام والإحصاءات والحقائق، فأصبحنا نسمع أخبارا تتعلق بتسجيل أحدهما لـ600 هدف، وأن الآخر قد سجل 50 هاتريك، أو أن أحدهما هو الوحيد الذي نجح في تسجيل الأهداف بشكل دائم في يوم معين من أيام السنة، أو أنه دائما ما ينجح في هز شباك هذا الفريق أو ذاك، وأشياء أخرى من هذا القبيل.
وأصبحنا نرى أيضا وسائل إعلام تتحدث عن أن أحدهما قد نجح في كسر الرقم القياسي لعدد الأهداف التي تم صناعتها بالقدم اليسرى، أو أن عدد الأشخاص الذين يتابعون رونالدو على إنستغرام أكثر من عدد جميع من ماتوا في تاريخ البشرية بأكمله! وأصبحت وسائل الإعلام تتساءل: هل يمكن لأحدهما أن يسجل 1000 هدف خلال مسيرته الكروية؟ والأسوأ من ذلك يتمثل في أن الأرقام التي يحققها ميسي ورونالدو لا تعتمد على قاعدة قوية، بمعنى أنها نتاج لتألق اللاعبين في لحظة من لحظات كرة القدم تتاح خلالها الأموال الوفيرة ويتم خلالها تخزين المواهب وتشهد تغير قواعد كرة القدم بالشكل الذي قد يسمح للاعب معين بأن يهيمن على كل شيء، وهو ما أدى إلى ظهور هذه الأرقام والإحصاءات بشكل هائل، وبالتالي أصبحت الأرقام التي يحققها ميسي ورونالدو أفضل من أرقام اللاعبين السابقين في فترات سابقة كان من المستحيل تحقيق هذه الأرقام خلالها.
لكن هناك بعض الاستثناءات بالطبع، حيث نسمع بين الحين والآخر عن إحصاء يذكرنا بأن هناك عبقرية بالفعل من جانب أحد اللاعبين، ففي تصفيات كأس الأمم الأوروبية أحرز النجم البرتغالي كريستيانو رونالدو أربعة أهداف مع منتخب بلاده في مرمى ليتوانيا، ليكسر بذلك الرقم القياسي المسجل باسم روبي كين الذي كان صاحب أكبر عدد من الأهداف في تصفيات كأس الأمم الأوروبية. ليس هذا فحسب، لكن هذه الأهداف الأربعة رفعت عدد الأهداف الدولية لصاروخ ماديرا إلى 93 هدفا، ليصبح على بُعد 16 هدفا فقط من الهداف التاريخي للمنتخبات وهو الإيراني علي دائي. وعندما تشاهد رونالدو وهو يلعب أمام ليتوانيا فإنك تشعر بأنه ما زال في أوج عطائه الكروي، حيث لا يزال يتمتع بالبنيان القوي والذكاء الكروي والإصرار الشديد. وقد أحرز رونالدو الأهداف بطرق متنوعة: فأحرز هدفا من ركلة جزاء، وآخر ينم عن مهارة شديدة، وثالثا بعد تمريرة رائعة من برناردو سيلفا، في حين أحرز الهدف الرابع بجانب قدمه بشكل أنيق.
ومن الواضح أن البرتغال سوف تتأهل بسهولة لنهائيات كأس الأمم الأوروبية، حيث ستواجه لوكسمبورغ مرتين، ثم أوكرانيا، ثم ليتوانيا على ملعبها. ولو سارت الأمور بهذا المعدل، فمن المتوقع أن ينجح رونالدو في الوصول لحاجز المائة هدف قبل نهاية العام الجاري، ثم يسعى لكسر الرقم القياسي المسجل باسم علي دائي في نهائيات كأس الأمم الأوروبية العام المقبل. وقال رونالدو عن ذلك: «سأحرز أهدافاً أكثر من أي شخص آخر على الإطلاق! هذا سيعني أنني الأفضل!» ومن المؤكد أن هذا الأمر، في حال حدوثه، سيكون إنجازا استثنائيا للنجم البرتغالي وسيضاف إلى سجل الأرقام التي نجح في كسرها من قبل.
لكن عندما ننظر إلى قائمة أكثر اللاعبين تسجيلا للأهداف الدولية، سنكتشف أنها تضم كلاً من: علي دائي، وكونيشيغ كاماموتو، وجودفري تشيتالو، وحسين سعيد، وبشار عبد الله، وسونيل تشيتري، أضف إلى ذلك بيليه وبوشكاش وساندور كوسيس. وعندما نمعن النظر في هذه القائمة نجد أنها تضم لاعبين لا يتحدث عنهم أي شخص بالفعل الآن، لأنه لا يوجد لاعب كرة قدم على مستوى النخبة في الوقت الحالي يسجل 100 هدف دولي مع منتخب بلاده! وبالتالي، فإن سجل الأهداف الدولية لعلي دائي يبدو غريبا للغاية، ولم يكن بإمكان أي لاعب آخر أن يكسره، ربما باستثناء رونالدو الذي بات قريبا للغاية من كسر هذا الرقم. لقد سجل رونالدو هدفه الأول مع منتخب البرتغال الذي لم يكن قد سبق له الوصول إلى المباراة النهائية لأي بطولة كبرى. وبعد مرور خمسة عشر عاماً، قاد رونالدو منتخب بلاده للوصول إلى ثلاث نهائيات كبرى ونجح في الفوز باثنين منها. وقد سجل رونالدو 55 هدفا من هذه الأهداف الـ93 في التصفيات، و19 هدفا في النهائيات. لكن الشيء المذهل هو أن رونالد قد سجل 56 هدفا في آخر 60 مباراة مع منتخب بلاده.
إنها أرقام مذهلة في حقيقة الأمر، ولا يوجد لاعب آخر يقوم بمثل هذه الأشياء. وإذا وصل رونالدو لحاجز الـ110 أهداف وأصبح الهداف التاريخي على مستوى المنتخبات، فإن الإحصاءات المتعلقة بهذا الأمر ستصبح أكثر أهمية مما هي عليه الآن. ويعود السبب في هذا التألق الغريب إلى حقيقة أن مستوى رونالدو لم يتراجع بمرور الوقت وكأن الدهر لم ينل منه ولم يكبر بمرور الأيام والسنوات. إنه لا يتوقف عن إحراز وصناعة الأهداف ويفعل كل شيء داخل المستطيل الأخضر، بالشكل الذي يجعل الجمهور يتساءل: ما الذي يمكن أن يفعله أكثر من ذلك؟
ولن يتضح كيف هيمن رونالدو وميسي على كرة القدم الحديثة إلا عندما يخلعا قفازهما ويعتزلا اللعبة. وحتى يصبح هذا الأمر واضحا، لا يسعنا إلا أن نعترف بأن هذين اللاعبين يحتلان مكانة خاصة في تاريخ كرة القدم، ومن الرائع أن نشاهدهما ونستمتع بفنياتهما ومهاراتهما معا في نفس الفترة الزمنية.
في الواقع، ستفتقد كرة القدم هذين النجمين الكبيرين بعد اعتزالهما، خاصة أنه لا يوجد لاعب آخر قادر على سد الفراغ الهائل الذي سيتركانه، في ظل حماقة اللاعب البرازيلي نيمار، وعدم جدوى تصوير لاعب جماعي يمتلك قدرات جيدة مثل رحيم ستيرلينغ على أنه يمتلك قدرات وفنيات خاصة تجعله قادرا على أن يكون في مصاف ميسي ورونالدو!