نافذة على جامعة: جامعة الجزائر.. تاريخ حافل في التعليم والنضال

جامعة الجزائر هي أول مدرسة أنشئت في العهد الاستعماري على أرض الجزائر، وبدأت نشاطها منذ عام 1833، وكان يشرف على التدريس أساتذة عسكريون، وذلك في مستشفى مصطفى باشا بالعاصمة.
في البداية كانت توجه هذه الدروس إلى الطلبة الأوروبيين فحسب، إلا أنه بموجب مذكرة لوزير الحرب، تم إصدارها في 10 يونيو (حزيران) من عام 1833، تم قبول الطلبة الأتراك والجزائريين من المسلمين واليهود. وكانت الدروس في هذه المرحلة الأولى تقتصر على علم التشريح والفيزيولوجيا الوصفية، إلا أنه تم توقيف هذه المدرسة عام 1835 بقرار من الجنرال كلوزيل. واقترح إعادة فتحها عام 1854 بقرار من المجلس البلدي للجزائر، وتم فتحها رسميا بمرسوم مؤرخ في 4 أغسطس (آب) عام 1857، ولم تبدأ نشاطها إلا ابتداء من عام 1859.
وقد وضعت هذه المدرسة تحت إشراف كلية الطب بمونبلييه (Montpellier)، بموجب القانون المؤرخ في 20 من ديسمبر (كانون الأول) عام 1879 المنشئ للمدارس العليا بالجزائر. وتحولت المدرسة إلى مدرسة عليا للطب والصيدلة، بموجب القانون المؤرخ في 30 من ديسمبر عام 1909.
من بين طلبة هذه الكلٍية الذين برزوا في تاريخ الجزائر بن يوسف بن خدة الذي تحمل الجامعة اسمه. التحق بها في عام 1943 بعد التحاقه بحزب الشعب الجزائري سنة 1942، وسرعان ما ألقت قوات الاحتلال القبض عليه. وبعد أن أطلق سراحه قرر تأجيل دراساته لخدمة القضية الجزائرية (وتحصل على شهادة صيدلي سنة 1951). وتجلت مكانته في تاريخ الجزائر في مسؤوليته كثاني رئيس للحكومة الجزائرية المؤقتة.
وتجدر الإشارة إلى أن الدروس الأولى في اللغة العربية والأدب العربي والشريعة تم الترخيص بتقديمها ابتداء من عام 1832، حيث سمح للمترجم العسكري آنذاك بتلقين دروس في العربية لصالح الموظفين والعسكريين. ورغم أن مستوى تعليم اللغة كان ابتدائيا، فقد شكلت هذه الدروس النواة الأولى لمدرسة الآداب بالجزائر، والتي تم تحويلها إلى كلية الآداب والعلوم الإنسانية بموجب قانون عام 1909.
وقبل هذا التاريخ كان الاتجاه التاريخي يغطي على الاتجاه الأدبي والفلسفي، غير أن هذه المدرسة كانت من أبرز مدارس الاستشراق، وقد احتضنت في سنة 1905 المؤتمر الثامن للمستشرقين. وبفضل هذا الزخم تم تدريجيا إنشاء مؤسسات تابعة أو غير تابعة لجامعات فرنسية، مثل مدرسة الأساتذة لبوزريعة التي برزت إلى الوجود في سنة 1900، ثم مدرسة التجارة التي أسست في العام ذاته أيضا، ومعهد الدراسات الزراعية الذي أنشأ سنة 1905.
كما تم الاهتمام بدروس القانون ابتداء من عام 1857، وذلك لاعتبارات تاريخية مرتبطة بالفترة الاستعمارية بسبب حاجة الإدارة الفرنسية إلى معرفة القوانين والنظم التي يخضع لها المجتمع الجزائري. كانت في البداية مدرسة القانون مجرد ملحقة بالقصبة، تشرف على برنامج الأهلية وتحضير الطلبة لامتحان البكالوريا وشهادة الكفاءة في الحقوق. وكان هناك أصلا مشروع قانون أعده أحد أساتذة الجامعة الفرنسية ويدعى بول بير (PAUL BEER) في الفترة بين عامي 1833 و1876، ولكن لم ير النور. ثم تمت الموافقة على قانون عام 1879 الذي بموجبه سمح بإعطاء دروس في الحقوق وإنشاء مدرسة للحقوق.
وبعد سنوات شرعت في إعطاء دروس على مستوى الليسانس، ولكن كان على الطلبة إجراء الامتحانات بإحدى الكليات «ما وراء البحار»، لا سيما في إيكس إن بروفنس (AIX EN PROVENCE) أو مونبلييه (MONTPELLIER). وبموجب قانون عام 1885 تم الترخيص لمدرسة الحقوق بالجزائر بإجراء امتحانات الليسانس لطلابها بالجزائر. وقد اهتمت هذه المدرسة بالقانون الإسلامي والقانون العرفي، وفي سنة 1889 شرعت في إصدار شهادة في الدراسات التشريعية، قبل أن تحول في عام 1909 إلى كلية الحقوق، وبقيت على هذا النمط حتى عام 1957، حين تحولت إلى كلية الحقوق والعلوم الاقتصادية بالجزائر.
أما مدرسة العلوم فقد أنشئت عام 1868، وتم الشروع في نشاطاتها البحثية ابتداء من عام 1880، حيث تولت تدريس علوم الجيولوجيا والكيمياء وعلم النبات، ولعبت دورا بارزا في تطوير الزراعة. ونظرا لنقص إمكانياتها فإنها كانت مضطرة للتعاون مع مدرسة الطب، حتى حولت إلى كلية العلوم بالجزائر عام 1909.
وتشمل الجامعة عدة معاهد، هي معهد البيوتقني والبيومتري المنشأ عام 1845، ومعهد طب ما وراء البحار المنشأ عام 1923، ومعهد البحوث الصحراوية المنشأ عام 1930، ومعهد التعمير المنشأ عام 1942، ومعهد التربية البدنية والرياضية المنشأ عام 1944، والمعهد العالي للدراسات الإسلامية عام 1946، ومعهد العلوم السياسية عام 1949، ومعهد الدراسات الفلسفية عام 1952، والمعهد الإثنولوجي عام 1956، ومعهد الدراسات النووية المنشأ عام 1956، ومعهد التحضير للأعمال عام 1957.
كما تضم الجامعة سبع كليات هي كلية العلوم السياسية والمعلومات، وكلية العلوم الإنسانية والعلوم الاجتماعية، وكلية الاقتصاد وعلم الإدارة، وكلية الأدب واللغات، وكلية الحقوق، وكلية الطب، وكلية العلوم الإسلامية.
وإضافة إلى روابط التعاون التي تربطها بجامعات ومؤسسات جزائرية، أبرمت جامعة الجزائر، أو شرعت في تحقيق، عدة عقود تعاون وشراكة مع جامعات وهيئات أجنبية في كل من أوروبا، والدول العربية، وأميركا الشمالية والجنوبية، وآسيا.