مدارس أميركية تتبنى سياسة «أحضر جهازك الخاص»

وضع الطالب جوشوا بيريز جهاز «آيفون» على مكتبه أمام الجميع، لكن المعلمة لم تأخذه منه. وبدلا من ذلك، طلبت من الطالب في الصف الثامن ورفاقه في مادة الهندسة في مدرسة أرغايل الإعدادية المتخصصة البحث على موقع «غوغل» عن «شكل ذروة القطع المكافئ». خلال ثوان، يعثر جوشوا على ما يحتاج إليه لدرس اليوم وفروضه المنزلية. ويقول «تلك الطريقة أفضل وأسرع من البحث في الكتاب المدرسي».
يماثل حماس الطالب البالغ من العمر 13 عاما الحماس في فصول مقاطعة مونتغومري الأميركية الدراسية، حيث يخطو المعلمون أولى خطواتهم في ممارسة تعرف باسم «BYOD» (Bring your own device)، أو «اجلب جهازك الخاص». وتعد فكرة السماح للطلاب باستخدام التقنية الخاصة بهم في تحسين التعليم الأكاديمي نقلة كبيرة من حظر الهواتف النقالة قديما. لكنها زادت في عدد من الأنظمة المدرسية، بما في ذلك تلك الموجودة في مقاطعات فيرفاكس وبرنس ويليام، حيث يبحث المعلمون عن سبل احتواء العالم الرقمي. وفي فيرفاكس، حينما بدأت ممارسة نظام «BYOD» في عام 2011، أشارت ماريبث لوفتغلاس، المشرفة المساعدة لتكنولوجيا المعلومات، إلى أن الطلاب يحملون أجهزتهم الخاصة في حقائب الظهر لسنوات. وقالت «لم يكن الأمر بالضرورة رسميا، بل كان جزءا من التفكير المتغير، وكان لا بد من الاعتراف بما كان يحدث وتبنيه».
وتأتي تلك المسارات في الوقت الذي تستثمر فيه العديد من المدارس بشكل كبير في الحواسيب المحمولة واللوحية، وهي تضع نصب أعينها الحوسبة المتناظرة، والتي توفر جهازا شخصيا لكل طالب. لكن بعض المقاطعات تعتبر ذلك نهجا غير عملي، وفي مقاطعة مونتغومري، ينتهج مسؤولو المدارس نهجا مختلطا يقولون إن أسعاره معقولة ومستدامة: من خلال دعم ممارسات نظام «BYOD» في الوقت الذي يبتاعون فيه الآلاف من أجهزة «كروم بوك» والحواسيب اللوحية.
تبنت مقاطعة مونتغومري أخيرا مبادرة للتكنولوجيا تهدف إلى توفير أربعين ألف حاسوب إلى الطلاب خلال العام الدراسي الحالي، وهي المرحلة الأولى من خطة تهدف إلى جلب مائة ألف حاسوب محمول ولوحي إلى المدارس بحلول عام 2017 - 2018.
وتقول السيدة شيروين كوليت، الرئيسة التنفيذية للتكنولوجيا في مقاطعة مونتغومري، إن مديري المدارس يراجعون اللوائح حيال الأجهزة المحمولة وصياغة مبادئ توجيهية للاستخدام المسؤول في المدارس. وتخطط المدارس إلى التفاعل مع المجتمعات بشأن ممارسات نظام «BYOD»، وهناك هدف كبير لإضفاء الطابع الرسمي على تلك الممارسات في مقاطعة مونتغومري مع بدء الفصل الدراسي الثاني في شهر يناير «كانون الثاني». ولكن في بعض الأماكن، تلوح إشارات التغيير في الأفق.
تعتبر مدرسة أرغايل الإعدادية، مع رسالتها كمدرسة متخصصة في التصميمات والتطويرات الرقمية، من بين أوائل المدارس التي تبنت تلك الممارسات. وصار نظام «BYOD» شائعا في حصص القراءة المستقلة، وهو في زيادة من حيث الاستخدام في الفصول الدراسية. ويقول المدير روبرت دود «إنها البداية، لكن لا ينقصنا الزخم. إن الأمر يتجه لأن يكون من قبيل إجراءات العمل القياسية، وذلك بطريقة استراتيجية». وقال دود إن الدعم كان قويا بين المعلمين، وبعض منهم من جيل الألفية. وأضاف «إنهم يتقبلون التكنولوجيا في العملية التعليمية الخاصة بهم، ويتحرك ذلك في اتجاه القدرة على استخدام التقنية بفعالية لأجل تلاميذهم».
عمل المعلم كيسي سيدونز مع طلابه في الصف السادس على تطوير الشخصية المرتبط برواية «ماغي المجنونة» ورواية «الثنية الأبدية» في أحد الأيام الدراسية الأخيرة. وأخبر تلاميذه بأنهم يمكنهم استخدام هواتفهم الذكية لالتقاط الصور التي توضح صفات وتصرفات الشخصية. وكان الطلاب ممتلئين حماسا. ويقول ديفين داونر (11 عاما) «اعتدنا كثيرا على البحث عن الأشياء على الهاتف، وتعلم أشياء جديدة على الحاسوب. إنه جزء من أسلوب حياتنا».
في الطابق العلوي، كان الفصل العلمي للمعلمة غريس رومانيللي يعمل في مجموعات صغيرة مع هواتفهم الذكية - لذلك لا يحتاج كل طالب منهم إلى هاتف خاص - حيث يحررون مقاطع الفيديو أو الملصقات التصويرية التي تصف أجزاء المجهر وكيفية عمله.
وتشير رومانيللي إلى أن الآباء تقبلوا الأمر في اجتماع العودة إلى المدرسة مؤخرا، حيث وصفت لهم نظام «BYOD» وطلبت منهم التوقيع على بطاقات التصريح. وقالت «كان هناك الكثير من الاندهاش والاستغراب. ولقد كانوا مهتمين بالأمر كثيرا». ولكن بالمزيد من الاهتمام الذي يلقاه مثل ذلك التغيير، كان لدى العديد من الآباء بعض التساؤلات.
وتقول فرنسيس فروست، رئيسة مجلس المعلمين والآباء في المقاطعة، إنها تتساءل كيف يمكن أن ينجح ذلك التغيير وكيف سيسيطر المعلمون على الطريقة التي يستخدم بها الطلاب وسائل التكنولوجيا في الفصول الدراسية. فهي تشعر بالقلق من التشتيت الذي يمكن أن تسببه الأجهزة الخاصة، وتتساءل: كيف يمكن أن يستمر الطلاب في الدراسة من دون الأجهزة أو خطط البيانات؟
أوضح مسؤولو المدرسة في مقاطعة مونتغومري أن خطة المقاطعة لشراء عشرات الآلاف من الأجهزة سوف تقلل من الاختلافات بين ما يمتلكه أو يحضره الطلاب إلى المدرسة. وقالوا أيضا إن نظام «BYOD» لا يتم إلا في الفصول الدراسية، وإن المعلمين لديهم حساسية حيال قضايا المساواة. وأضاف السيد دود أن الطلاب معتادون على العمل في مجموعات والمشاركة في استخدام الأجهزة، متابعا «لدى المعلمين حس استراتيجي تجاه تقريب الفجوات حينما لا يمتلك الطلاب التقنيات الخاصة بهم».
حول منطقة واشنطن، هناك بعض الأنظمة المدرسية التي لم تتبن تلك الممارسة، بما في ذلك المدارس العامة في العاصمة. وتخطط مقاطعة لودون إلى الكشف عن خطتها خلال الأشهر القليلة المقبلة. وقد طبقت مقاطعة أرلينغتون، التي لديها خطة لتوفير جهاز لكل طالب بحلول عام 2017، نظام «BYOD» في بعض المدارس لديها.
في العام الأول من تطبيق نظام «BYOD»، سجلت مقاطعة فيرفاكس 1900 جهاز، وهناك الآن أكثر من عشرة آلاف جهاز قيد التسجيل. تقول لوفتغلاس «إننا نتوقع المزيد هذا العام، وأنتظر أن يزداد الرقم بمرور الوقت». وقامت نظم مدرسية أخرى بزيارة مدارس فيرفاكس للوقوف على منهجها، حسبما أفادت لوفتغلاس. وقالت إن فيرفاكس لم تواجه مشاكل كبيرة، مضيفة أن ذلك «يضيف إلى الموارد التكنولوجية المتاحة في فصولنا الدراسية».
وفي مقاطعة برنس ويليام، يصادف العام الدراسي الحالي كونه العام الثالث لتطبيق نظام «BYOD»، وظل استخدامه في ارتفاع مطرد، على حد وصف إيه جيه فيليبس، المشرفة على خدمات تكنولوجيا التعليم. خلال السنة الأولى، بالنسبة للمدارس الثانوية، على سبيل المثال، كان هناك ما يصل إلى 45 جهازا عاملا قيد الاستخدام في أي وقت من الأوقات أثناء اليوم الدراسي، وقد ارتفع هذا المعدل إلى 534 في نهاية العام. وقالت «أرى زيادة في عدد الأجهزة كل عام». ويختلف الاستخدام وفقا للمدرسة والمعلم، كما أفادت «مثل أي أداة في الفصل الدراسي، يتجه بعض المعلمين إلى تقبلها وبعضهم لا يقبلها».
* دونا سانت جورج متخصصة في شؤون التعليم مع التركيز على مدارس مقاطعة مونتغومري
* خدمة «واشنطن بوست»
خاص بـ«الشرق الأوسط»