أسعار العقارات في السعودية لا تنصاع للمعادلات التجارية

رفضت أسعار العقارات في السوق السعودية الانصياع للمعادلات التجارية التي تعني أن أي ركود أو تباطؤ في حركة تداول أي سلعة هو مدعاة لتراجع أسعارها، إلا أن القطاع العقاري السعودي، وفق عقاريين، يرفض التنازل عن الأسعار التي بناها على مدى أعوام مديدة رغم حزمة الإجراءات التي اتخذتها الدولة خلال العامين الماضيين.
وأكد عقاريون أن السوق العقارية السعودية ما زالت، رغم الجمود في حركة السوق في ظل ترقب المستهلكين نتائج الدعم الحكومي والمساحات الشاسعة المتوافرة وجميع العناصر المتاحة من قوة شرائية واقتصادية وتسهيلات للتمويلات العقارية، تشهد ثباتا في الأسعار، مما يؤكد أن هناك «حالة من التعنت يبديها المستثمرون في القطاع لمنع تراجع الأسعار».
وأوضح العقاريون أن هناك ركودا كبيرا في عدد من الأنشطة العقارية في جميع العروض المقدمة، سواء بيع الأراضي البيضاء أو الفيلات، مرورا بالمنشآت الكبيرة أو الصغيرة، وذلك بعد مرور أكثر من سنة على إقرار الحكومة حزمة من القرارات الصارمة التي كان من المتوقع أن تنعكس على أسعار العقار والحركة العقارية بشكل عام، إلا أن ذلك لم ينعش الحركة العقارية، في الوقت الذي يحتاج فيه عدد كبير من المواطنين إلى تملك الوحدات السكنية، في ظل ارتفاع الأسعار إلى مستويات جنونية.
يقول زيد البقمي، متعامل في السوق العقارية «إن الأسعار الحالية للسوق السعودية بشكل عام ليست مطابقة للمعادلة التجارية السائدة للعرض والطلب، حيث إن السوق السعودية تسير بطريقة غريبة وغير مفهومة، فالعرض كبير، والإقبال ضعيف، ويكاد يكون معدوما نتيجة ارتفاع الأسعار إلى مراحل شبه جنونية، في الوقت الذي يعجز فيه المواطن عن توفير سكن ليمتلكه ويعيش فيه، في ظل الحالة غير المفهومة التي تعيشها السوق العقارية المحلية، وأن أكثر ما يمكن وصفه هو التعنت من قبل كبار المستثمرين الذين يعرف عنهم التنسيق الكبير في ما بينهم لبقاء الأسعار مرتفعة إلى مستويات معينة، وضمان عدم الدخول في حرب أسعار تضرهم.
ويضيف البقمي أن الأسعار يمكن أن تشهد انخفاضا كبيرا خلال الفترة المقبلة، إلا أنه يتضح أن الاستمرار في ارتفاع الأسعار أو بقائها على ما هي عليه هو السائد، في إشارة توحي بأن هناك أمرا غير مفهوم على الإطلاق وتوجهات تسير عليها السوق.
وعلى الرغم من الخطط التي أعلنت عنها الدولة، في محاولة منها لتمليك المساكن، فإنها لم تلق بظلالها على الانخفاض كما يجب، وظلت الأسعار تحلق خارج السرب، مسببة فجوة كبيرة بين ملاك العقار والمستهلك البسيط، الذي يحلم بمنزل صغير يضمه وأسرته، في الوقت الذي تسير فيه رياح الأسعار بما لا تشتهي سفن المستهلكين.
يشار إلى أن أوضاع السوق العقارية في السعودية تراوح مكانها منذ أكثر من سبع سنوات، حيث ارتفعت الأسعار إلى مستويات كبيرة لم يُشهد لها مثيل، ووصلت إلى أكثر من 76 في المائة، بحسب إحصاءات رسمية نشرت - أخيرا. وعلى الرغم من المحاولات الحكومية الكثيرة التي تحاول إعادة السيطرة على الأسعار من جديد، فإنها محاولات باءت بالفشل في ظل تصدر القطاع العقاري أعلى مصادر التضخم في البلاد، في الوقت الذي تعيش فيه السعودية عصرا مزدهرا من الانتعاش الاقتصادي.
وفي صلب الموضوع، أكد إبراهيم العبيد، صاحب مكتب استشارات عقارية، أن جميع ما يحدث في السوق من عمليات شراء وبيع، عمليات بسيطة وغير محسوبة، إذا ما قورنت بالوضع الحقيقي للقطاع وحاجته للتوسع والزيادة المطردة في العمليات لمواجهة الطلب المتزايد، حيث من المفترض أن تشهد السوق حركة نشطة إلى أبعد الحدود نتيجة حاجة المواطنين إلى تملك السكن، إلا أن ارتفاع الأسعار إلى مستويات حادة حال دون ذلك. ولمح إلى أن الأسعار لن تتغير، إلا إذا صدرت قرارات حازمة وصريحة، تجبر السوق على الانخفاض، ليس إلى مستويات خاسرة، بل إلى مستويات معقولة، يستطيع المواطن من خلالها التملك، أما إذا استمر الوضع على ما هو عليه فإن هناك موجة ارتفاعات مستقبلية ستقضي بشكل نهائي على السوق العقارية.
وأضاف «الجميع لا يعلم ماذا سيحدث في السوق خلال العام الحالي أو حتى الأعوام المقبلة، فالكل متوقف ومترقب بحذر ليرى الخطوة المقبلة التي ستحدث في السوق، بعد التضخم الكبير الذي أصاب السوق العقارية خلال الأعوام الماضية»، مبينا أنه من المستحيل أن تستمر الأمور على ما هي عليه، وذلك لأن الأسعار المفروضة مخالفة للواقع الذي توقف فيه الطلب بشكل كبير.
وكان من المتوقع - أصلا - أن تبني الحكومة مباشرة 500 ألف وحدة سكنية جديدة، لكن الحكومة أوضحت أن الخطة الحالية تنطوي على مشاركة أكبر من جانب القطاع الخاص، مع قيام الحكومة بدور تيسيري من خلال توفير أراضي الدولة المجانية والبنية التحتية اللازمة للتنمية، إلى جانب منح قروض دون فوائد للمشترين (تصل إلى 500 ألف ريال سعودي)، وهي خطة جديدة أقرتها وزارة الإسكان.
وفي صلب الموضوع، أوضح طارق أبو نيان، المستثمر العقاري، أن النشاطات شبه متوقفة في جميع القطاعات المعروضة، من أراض مفردة وفيلات ومنشآت صغيرة وكبيرة، وذلك لأن السوق أصبحت تشكل عبئا حتى على المستثمرين فيها، في ظل تحملهم عطلة ضعف الإقبال. وعلى الرغم من أن الاستثمار في العقار لم يسبق له أن خذل العاملين فيه، فإن الأيام الماضية توقفت الحركة فيها بشكل لا يمكن الاستمرار عليه، وإلا لما أصبح المستثمرون الراغبون في البيع والشراء من الخاسرين، نتيجة توقف العملية العقارية ككل. ولفت إلى أنه على الرغم من تهيؤ الأجواء المناسبة لانخفاض الأسعار من دعم حكومي وعزوف كبير على الشراء، مما يعني انخفاضا في الطلب، الأمر الذي من المفروض أن يدفع بالأسعار نحو النزول، فإن السوق بقيت ثابتة لم تؤثر فيه أي من تلك العناصر.
وحول تسببهم كعقاريين في وضع هذه الأسعار الحالية، أشار أبو نيان إلى أنهم يشترون الأراضي بسعر مرتفع، ويشترون مواد البناء بأسعار مرتفعة، ويحصلون على خدمات المقاولين بارتفاعات ملحوظة، وجميعها أمور يدفع تكاليفها في نهاية الأمر المستهلك الراغب في الحصول على مسكن مناسب، مبينا أن المستثمرين جزء من المنظومة، وليسوا هم المتسبب في وضع الأسعار، وأن من مصلحتهم أن تنخفض الأسعار، ولأنهم - بحسب قوله - في نهاية المطاف سيحصلون على أرباحهم في جميع الحالات، سواء ارتفعت الأسعار أو انخفضت، فنسبة الأرباح تبقى ثابتة بشكل دائم، لكن انخفاض الأسعار يعني سير عجلة البيع والشراء، مما سيدفع بعملية المبيعات إلى مستويات أعلى وهو ما سيعود عليهم بالنفع في نهاية المطاف.
وقال صندوق النقد الدولي، في تصريح له نشر – أخيرا - إن «الحكومة السعودية تقوم بتنفيذ برنامج طموح لزيادة عرض المساكن»، مشيرا إلى أن نسبة تملك السعوديين للمساكن لا تتجاوز 36 في المائة، متى استبعدت النسبة الكبيرة من السكان التي تعيش في مساكن منخفضة الجودة، وهي نسبة منخفضة جدا بالنسبة إلى الحاجة الماسة للمساكن والمخصصات الحكومية التي قدرت بمليارات الريالات، والتي لم تعالج حتى هذه اللحظة الأوضاع كما يجب، مما يوثق الشكوك حول أن هناك فئة تحارب أي فكرة لانخفاض الأسعار وتسيطر على السوق بطرق غير مشروعة وتتسبب في بقاء الأسعار على ما هي عليه، مهما اختلفت الظروف والمسببات، فالمهم لديهم هو بقاء الأسعار مرتفعة لضمان بقاء الأرباح عند سقف عال.