سنوات السينما: Alexandra

Alexandra
امرأة تمسح الدموع
> إخراج: ألكسندر سوخوروف
> روسيا (2007)
> تقييم: (ممتاز)
‫في فيلم أسبق عنوانه «أم وابن» (1997) برهن المخرج الروسي سوخوروف على أنه يمتلك القدرة على تصوير الحنين بلا كلمات. لم يقم بأكثر من تصوير أمٍّ تُحتضر وابنها الذي يعاودها. يهتم بها. يفعل ما بوسعه لأن تعيش لحظة واحدة أكثر. قبل موتها، يساعدها على الخروج من ذلك الكوخ الذي يعيشان فيه إلى ضفّة خضراء على جدول نهر عابر. يعيشان ربع ساعة من تنسّم الطبيعة. لا يحدث شيء ولا يصوّر المخرج أكثر من شخصين جالسين إلى ضفاف النهر الصغير. يؤخر الابن موت أمه لحين أن تستنشق رحيق الزهور وتمتّع ناظريها بجمال الطبيعة مرّة أخيرة قبل موتها. ثم يساعدها على دخول الكوخ ثم يبكيها إذ تستلقي هناك وتموت.‬
‫في «ألكسندرا» هناك موت من دون جثث. حرب بلا قتال. الجميع لا يزال حيّاً حين نغادر الفيلم، لكن الأمر غير مؤكد من بعده. أو كما تقول بطلة الفيلم ألكسندرا التي تزور حفيدها الذي يحارب في الجيش الروسي ضد ثوار الشيشان، لقائد الثكنة: «حين يعود بعد سبع سنوات، إذا عاد...». ‬
‫تقع الأحداث في مكان ما من الشيشان خلال تلك الحرب التي وقعت بين الطرفين. تصل الجدة (غاليان ڤيشنڤسكا) لزيارة حفيدها دَنيس في الثكنة العسكرية وتعيش يومين هناك حيث تتعرّف على عدد من الضبّاط والجنود توزّع على بعضهم الأطعمة والسجائر. في البلدة القريبة تتعرّف على امرأة اسمها مليكة لديها بسطة في السوق التجارية. مليكة تحتفي بها وتدعوها لزيارتها في البيت لكي ترتاح. حين تغادر ألكسندرا المكان تغادره سعيدة بلقاء مليكة وصداقتها وأكثر ثقة بموقفها الإنساني حيال الحرب.‬
قبل ذلك، ومع مطلع الفيلم، هي في قطار ينقل الجنود إلى الجبهة. ألكسندرا (نموذج لامرأة الريف الروسي المحافظ) ترقب وداع الجنود لذويهم. بعضهم يحمل حقيبتها عنها وبعضهم يساعدها على الصعود. كلهم شبان ماضون في سبيل تنفيذ مهام لا يعرفون عن أسبابها سوى النزر اليسير. أما هي فموجودة لزيارة حفيدها دنيس ‫الذي لم تلتقه منذ سنوات لتتعرّف على حياته في الثكنة. بحضورها لا تمنحه الحنان الذي يحتاج إليه فقط، بل الحضن العائلي الذي حُرم منه. وهي لا تعدّ جدة و(على نحو رمزي) أمّاً له، بل لمجموعة من المجنّدين المحرومين مثله من كل شيء باستثناء بنادق يقاتلون بها وأوامر ينصاعون إليها.‬
في غضون 93 دقيقة من عرض مدروس، ‫مسحَ المخرج بيد بطلته دموع عديدين من الجنود في تلك الثكنة. جنود يبحثون عن الأم وحنانها والمرأة وعطفها والجدة وفهمها العريض للحياة. جاءت ألكسندرا لتزور حفيدها ‬لكنها تكتشف كذلك أن لديها أكثر من حفيد. الفارق الكبير في العمر بين ألكسندرا وبين أي من هؤلاء الجنود يجعلها تبدو مثل مطر تحتاج إليه الأرض في يبسها، ويجعلهم يبدون كما لو كانوا جميعاً أبناء لها. في هذا الإطار ألكسندرا هي روسيا.
في نهاية يومين تقضيهما في الثكنة مُحتفًى بها، تقول ألكسندرا لابنها: «جسدي متعب لكن روحي تستطيع الاستمرار». يستغل المخرج الروسي الموضوع كفرصة سانحة لتقديم نماذج طيبة من الشيشانيين والروس معاً. لا أحد مكروهاً في الفيلم ولا نرى معركة أو قتالاً (ولو أننا نسمع صوت مدافع بعيدة مرّة أو مرتين).
يعمد سوكوروڤ إلى تشكيل سينمائي يختلف عن عادته في توظيف اللقطات، فهي تَرِد هنا بيسر ولها شكل تقليدي لإيصال الفيلم ورسالته ببساطة مقصودة. لا لقطات تأمّلية طويلة، ولا مناجاة ومرثيّات، ولا تشكيلات صُورية خاصّة به كان قد مارسها من قبل في كل مرّة وقف فيها وراء الكاميرا. بل بساطة وعمق وروح إنسانية.