النموذج الهولندي لتطوير اللاعبين الشباب يعتمد على سياسة «إما الغرق أو السباحة»

على الرغم من أن نادي أياكس أمستردام الهولندي كان على وشك الوصول للمباراة النهائية لدوري أبطال أوروبا الموسم الماضي، يبدو الدوري الهولندي الممتاز وكأنه لا يجذب أنظار الأندية الإنجليزية عندما تبحث عن التعاقد مع لاعبين جدد، والدليل على ذلك أن لاعبين اثنين فقط انتقلا من الدوري الهولندي الممتاز إلى الدوري الإنجليزي الممتاز خلال الصيف الجاري.
ومن قبيل الصدفة أن هذين اللاعبين قد انتقلا إلى صاحبي المركز الأول والثاني في جدول ترتيب الدوري الإنجليزي الممتاز الموسم الماضي؛ حيث دفع مانشستر سيتي لنادي بي إس في آيندهوفن 5.3 مليون جنيه إسترليني للحصول على خدمات أنجيليانو، في حين تعاقد ليفربول مع سيب فان دن بيرغ البالغ من العمر 17 عاما من نادي زفوله مقابل 4.4 مليون جنيه إسترليني. وفي المقابل، تعاقدت أندية الدوري الإنجليزي الممتاز مع ستة لاعبين من بلجيكا مقابل 98 مليون جنيه إسترليني.
وبعيدا عن الأندية الستة الأوائل في الدوري الهولندي الممتاز، فإن ميزانيات الأندية صغيرة وتتراوح بين 7 ملايين يورو و17 مليون يورو، أي ما يعادل تقريبا ميزانيات أندية القمة في دوري الدرجة الثانية أو أندية القاع في دوري الدرجة الأولى بإنجلترا. ومع ذلك، تجب الإشارة إلى أن الدوري الهولندي الممتاز قد أفرز الكثير من المواهب في الماضي، مثل دينيس بيركامب، ورود فان نيستلروي، ولويس سواريز، وهم اللاعبون الذين حصلوا على لقب هداف الدوري الهولندي الممتاز قبل أن ينتقلوا إلى الدوري الإنجليزي الممتاز ويتألقون هناك بصورة ملحوظة. وعلاوة على ذلك، تألق النجمان البرازيليان روماريو ورونالدو وحصل كل منهما على الحذاء الذهبي كهداف للدوري الهولندي الممتاز.
لكن أبرز المهاجمين في الدوري الهولندي الممتاز لم يحققوا النجاح المتوقع في إنجلترا خلال السنوات الأخيرة، فقد حصل المهاجم الصربي ماتيا كيزمان على لقب هداف الدوري الهولندي ثلاث مرات، لكنه فشل مع تشيلسي. كما عانى ويلفريد بوني كثيرا فور انتقاله إلى مانشستر سيتي، ويتدرب الآن مع نادي نيوبورت كاونتي، كما لم ينجح فينسنت يانسن في تقديم الأداء الذي يتناسب مع سعره البالغ 17 مليون جنيه إسترليني عندما انتقل إلى توتنهام هوتسبير.
وفي وقت سابق من الشهر الجاري، قضيت أسبوعا في هولندا مع فريقي الشباب بناديي بورتون ألبيون وإبسويتش تاون، اللذين كانا يشاركان في برنامج تعليمي في مجال كرة القدم. وقد أعطتنا هذه الرحلة الفرصة لكي نتعلم الكثير عن الأنظمة التي تستخدمها الأندية الهولندية مع اللاعبين الشباب. وتملك معظم الأندية الكبرى في هولندا فريقا ثانيا من الشباب يلعب في دوري أدنى ضد الفرق الأولى للأندية– وليس ضد أقرانهم ممن هم في نفس المرحلة العمرية – في بطولات تتراوح بين دوري الدرجة الثانية وحتى دوري الدرجة الرابعة.
وفي خضم هذه المعركة الكروية، يتطور بعض اللاعبين ويفشل البعض الآخر في تحمل الصعوبات، لكن لا يمكن ترقية فريق الشباب بأي ناد إلى الدوري الذي يلعب فيه الفريق الأول لهذا النادي. وبالتالي، عندما فاز فريق الشباب بنادي أياكس أمستردام بلقب دوري الدرجة الثانية في موسم 2017 – 2018، لم يتم تصعيده إلى الدوري الهولندي الممتاز، لكنه ظل يلعب في دوري الدرجة الثانية وحاول الدفاع عن لقبه في الموسم التالي.
وتشبه فرق الشباب في هولندا إلى حد كبير فرق الرديف في الدوري الإنجليزي الممتاز. ومن المفترض أن يكون جميع لاعبي الفريق تحت 23 عاما ومن اللاعبين المحليين، لكن هذا لا يحدث وتضم هذه الفرق الكثير من اللاعبين الأجانب. وهناك أربعة فرق من فرق الشباب في دوري الدرجة الثانية في هولندا هذا الموسم: أياكس أمستردام للناشئين، وإيه زد ألكمار للناشئين، وبي إس في آيندهوفن للناشئين، وأوتريخت للناشئين.
ويتولى كل من مارك أوفر مارس ووينستون بوغارد القيادة الفنية لفريق أياكس أمستردام للناشئين، والذي يصل أعمار لاعبيه إلى 20 عاما أو أقل، باستثناء حارس المرمى الذي يبلغ من العمر 22 عاما. أما أعمار لاعبي إيه زد ألكمار للشباب، والذي يقوده لاعب مانشستر سيتي السابق مايكل فونك، فتتراوح بين 17 و22 عاما. وينطبق نفس الأمر على فريق أوتريخت للشباب، الذي يضم ثلاثة لاعبين أجانب: ألماني وروماني وبيلاروسي.
وفي بطولة يتراوح فيها معدل الحضور الجماهيري بين ثلاثة آلاف وثمانية آلاف متفرج، بلغ متوسط الحضور الجماهيري لفريق الشباب بنادي بي إس في آيندهوفن 771 متفرجا فقط في المباراة خلال الموسم الماضي، مقابل 695 لجمهور فريق أياكس للشباب، و629 لفريق أوتريخت للشباب. ويتضح من هذه الأرقام المتدنية للحضور الجماهيري أن الجمهور لا يحب مشاهدة فرق الشباب، وخاصة ضد لاعبي الفريق الأول للأندية الأخرى، وهو ما يعني أن الخاسر الأول والأخير في هذا الأمر هو الفريق الأول الذي يلعب أمام فريق الشباب. ويتم تطبيق هذا النظام في كافة الدوريات في كرة القدم الهولندية، لكنه يتغير بشكل كبير بعد الدوري الممتاز ودوري الدرجة الأولى.
وعلى عكس الوضع في المملكة المتحدة، فإن معظم الأندية الهولندية لا تتعاقد إلا مع اللاعبين الموهوبين فقط. فنادي مثل «إن إيه سي بريدا»، الذي هبط من الدوري الهولندي الممتاز الموسم الماضي، لديه سبعة لاعبين فقط يحصلون على أجر في الفئة العمرية الأقل من 20 عاما. ونظراً لأن النادي لا يزال لديه نحو 40 لاعبا بين أقل من 17 عاما وأقل من 19 عاما، فهناك منافسة شرسة بين اللاعبين من أجل إقناع مسؤولي النادي بتوقيع عقود معهم.
وبعدما استمتعنا بالضيافة في هولندا، انتقلنا عبر الحدود الألمانية؛ حيث خسر فريق ايبسويتش تحت 18 عاما أمام فريق باير ليفركوزن تحت 19 عاما. وقبل بضع سنوات، قرر باير ليفركوزن حل فريقه الرديف، الذي كان يلعب في دوري الدرجة الرابعة، نظرا لأنه يرى أن المستوى متدن للغاية وأن هناك فجوة هائلة بين مستوى هذا الفريق ومستوى الفريق الأول الذي ينافس على المشاركة في بطولة دوري أبطال أوروبا.
لكن هذا القرار لم يحظ بإجماع كل مسؤولي أكاديمية الناشئين بالنادي، لكنهم بدلا من ذلك يتركون أفضل اللاعبين الشباب لأندية أخرى على سبيل الإعارة من أجل الحصول على الخبرات اللازمة. ومرة أخرى، يجب التأكيد على أنه لا يتم التعاقد إلا مع اللاعبين المميزين للغاية من اللاعبين الذين تقل أعمارهم عن 19 عاما. ولم يتعاقد النادي إلا مع لاعبين اثنين فقط من هذه المرحلة العمرية الموسم الماضي.
لكن تسريح هذا العدد الكبير من اللاعبين في سن 19 عاما يعني أن بعض هؤلاء اللاعبين قد يقدمون مستويات جيدة بعد ذلك ويحاول النادي مرة أخرى الحصول على خدماتهم بمقابل مادي كبير. فقد تخلى باير ليفركوزن عن خدمات لاعب خط الوسط كيفين كامبل حتى قبل أن يشارك اللاعب في أي مباراة مع الفريق الأول، لكن بعد أربع سنوات دفع النادي 10 مليون جنيه إسترليني للتعاقد معه مرة أخرى، قبل أن يبيعه بعد ذلك لنادي لايبزيغ بضعف هذا المبلغ. ومع ذلك، لا يبدو النادي منزعجا مما حدث، ويصر على أن «الجودة» هي المعيار الوحيد للتعاقد مع اللاعبين وأن الأمر لا علاقة له بـ«العدد» على الإطلاق.