كيف ترك نجوم المجر بصمتهم على كرة القدم العالمية بنجاح أوليمبي؟

سيكون من الخطأ أن نفترض أن النجم المجري فيرينتس بوشكاش - لمجرد أنه كان مبتهجاً ومبتسماً دائماً - لم يكن يفكر بشكل جدي في المباريات أو كان مجرد لاعب موهوب لديه قدم يسرى استثنائية.
في مقتطف من كتاب جديد، يتذكر جوناثان ويلسون رحلة الفريق الذهبي للمجر، بقيادة نجمها الأبرز بوشكاش، إلى المجد عام 1952 والدور الذي صنعه ماندي لإعادة الانضباط التكتيكي.
صحيح أن بوشكاش كان موهوباً ويمتلك مهارات وقدرات فنية غير عادية، لكن الشيء الذي جعله مهماً جداً بالنسبة للفريق الذهبي لمنتخب المجر يتمثل في «عقله التكتيكي». وقال جينو بوزانسكي، الظهير الأيمن لمنتخب المجر في هذا الجيل الذهبي: «عندما يستحوذ لاعب جيد على الكرة يجب أن تكون لديه رؤية لتحديد 3 خيارات، لكن بوشكاش كان دائماً يرى 5 خيارات على الأقل».
وربما كان المدير الفني لمنتخب المجر في عام 1949، غوستاف سيبيس، يدرك افتقار فريقه إلى الجوانب التكتيكية اللازمة، فقام بتعيين الظهير السابق لنادي بودابست المجري، غيولا ماندي، مساعداً له.
وكان ماندي قد اعتزل كرة القدم عام 1937، بعدما حصل على لقب الدوري 10 مرات مع نادي بودابست وخاض مع منتخب بلاده 32 مباراة دولية. ونجا ماندي من ويلات الحرب بفضل صهره جيورجي سزومولاني.
وكان سزومولاني هو المدير الإداري لمصنع للورق تم تحويله لإنتاج مخزونات خشبية للبنادق، وكانت لديه القدرة على تعيين موظفين جدد. وفي عام 1942، أنقذ سزومولاني ماندي من عملية التدقيق في أوراق اليهود من خلال إعطائه أوراقاً للعمل في المصنع.
وبعد ذلك بعامين، لم يتمكن ماندي من تجنب الخدمة العسكرية. وعندما وجد نفسه متجهاً إلى أوكرانيا، كتب ماندي رسالة بريدية إلى سزومولاني وألقى بها من القطار الذي كان يستقله شرقاً. وقد وجدها شخص ما ووضعها في البريد، لكن عندما وصلت إلى البريد تم تمزيقها ولم يُفهم منها سوى كلمة واحدة فهم منها سزومولاني أنها تعني «إيكيلبوسزتا»، وهو اسم المكان الذي أقيم فيه معسكر نقل العمال.
ارتدى سزومولاني زيه الرسمي كضابط من أيام الحرب العالمية الأولى، وتوجه إلى المعسكر وأصر على أنه يحتاج إلى 5 رجال للقيام بمهمة أساسية. وقد طلب منه الحراس أن يختار هو بنفسه الرجال الذين يحتاج إليهم. وقام سزومولاني باختيار ماندي و4 آخرين، بما في ذلك الزوج المسن لأخت زوجة ماندي. لكن هذا الرجل المسن رفض الذهاب ورشح بدلاً منه أباً لأربعة أطفال، ولم يسمع عنه مرة ثانية.
وبعد أن نجا من الحرب، أصبح ماندي مديراً فنياً لفريق «جانز تي إي» الذي كان يلعب في دوري الدرجة الثانية، كما أسس متجراً في بودابست لبيع القمصان. وعندما كان ماندي لاعباً كان يمتلك قدرة رائعة على التمركز بشكل جيد داخل الملعب، وهو الأمر الذي جعله مديراً فنياً يتسم بالبراعة الخططية والتكتيكية. وعمل ماندي مساعداً لسيبيس في قيادة منتخب المجر.
وقد حققت هذه الشراكة نجاحاً كبيراً. فبعدما خسرت المجر بـ5 أهداف مقابل 3 في مباراة ودية أمام النمسا في 14 مايو (أيار) 1950، حققت الفوز في 9 مباريات متتالية وتعادلت في مباراة واحدة استعداداً لدورة الألعاب الأولمبية عام 1952. وكانت المجر قد شاركت مرة واحدة في دورة الألعاب الأولمبية منذ خسارتها أمام مصر بثلاثية نظيفة في عام 1924، حيث خسرت مباراتها الوحيدة أمام بولندا بثلاثية نظيفة أيضاً في عام 1936. لكن خلال الفترة بين عامي 1952 و1980 كان الشيوعيون هم من فازوا بجميع الميداليات الذهبية في ألعاب الرجال - وحتى بعد فوز فرنسا في لوس أنجليس عام 1984، عاد الاتحاد السوفياتي ليفوز بالأولمبياد مرة أخرى عام 1988.
وتلقى ماندي الدعوى الرسمية للمشاركة في دورة الألعاب الأولمبية، لكن في اللحظة الأخيرة تم رفض تصريحه بالسفر نظراً لأن متجره لبيع القمصان جعله وكيلاً لمؤسسة خاصة، وهو ما يتعارض مع القوانين واللوائح آنذاك. ومع ذلك، كان سيبيس يتصل به كل يوم للحصول على المشورة فيما يتعلق بالجوانب الخططية والتكتيكية. وفازت المجر على رومانيا وإيطاليا وتركيا قبل أن تواجه السويد حاملة اللقب في الدور نصف النهائي وتسحقها بسداسية نظيفة. وقال بوشكاش، الذي سجل الهدف الأول في المباراة: «لقد كان أحد أفضل أيامنا. وبمجرد أن نتحكم في وتيرة المباراة، لا يمكن لأحد أن يقاومنا تقريباً».
وفي المباراة النهائية، واجهت المجر يوغوسلافيا، التي كانت قد هزمت الاتحاد السوفياتي بعد إعادة المباراة في الجولة الأولى. وكانت حكومة تيتو في يوغوسلافيا قد أعلنت استقلالها عن موسكو، وهو ما أدى إلى إشعال التوتر السياسي لدرجة أنه عندما خسر الاتحاد السوفياتي أمام يوغوسلافيا في الجولة الأولى، أغضبت الهزيمة ستالين لدرجة أنه قام بحل نادي سيسكا موسكو الذي كان لاعبوه يشكلون القوام الأساسي لمنتخب الاتحاد السوفياتي. وبالمثل، تلقى سيبيس في صباح يوم المباراة النهائية مكالمة هاتفية من ماتياس راكوسي، زعيم الحزب الشيوعي المجري، يحذره من أنه لا يمكن التسامح مع الهزيمة.
لكن المجر كان لا يمكن إيقافها في ذلك الوقت. وأمام 58 ألف متفرج في هلسنكي، تقدمت المجر بهدفين في وقت متأخر من المباراة من توقيع بوشكاش وزولتان سزيبور. وقال بوزانسكي: «في ذلك الوقت، كانت ملكة جمال الكون من فنلندا. لقد كان الحصول على الميدالية الذهبية شعوراً رائعاً في حد ذاته، لكن كان هناك تشجيع إضافي وهو أن تقوم ملكة جمال الكون بتسليمنا غصن الزيتون وتقبيلنا».
وكان الدور نصف النهائي هو الأبرز في تلك المواجهات. وكان السير ستانلي روس، رئيس الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم آنذاك، معجباً للغاية بأداء المنتخب المجري لدرجة أنه عرض على سيبيس إقامة مباراة ودية أمام إنجلترا. وكان ذلك يعد شرفاً كبيراً، لكن عندما أبلغ سيبيس اتحاد كرة القدم المجري بذلك، قيل له إن راكوسي يشعر بالقلق من احتمال الهزيمة. ومع ذلك، عندما اجتمع قادة الاتحاد الأوروبي لكرة القدم في أواخر عام 1952، تم ترتيب مباراة ودية في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1953.