السفير الأميركي في برلين يجدد هجومه على ألمانيا

لم يمر رفض ألمانيا المشاركة في قوة بحرية لتأمين مضيق هرمز من القرصنة الإيرانية من دون متاعب جديدة لبرلين مع الحليف الأميركي. هذا الرفض الذي أعلنه وزير الخارجية هايكو ماس الأسبوع الماضي «تفادياً لتصعيد عسكري» في المنطقة، كان فتيلاً جديداً للسفير الأميركي في برلين ريتشارد غرينل ليجدد هجومه على برلين. ولم يتردد غرينل المعروف بأسلوبه المباشر والذي يوصف بأنه «بعيد عن الدبلوماسية»، بالتهديد بسحب القوات الأميركية من ألمانيا، وذلك في مقابلة أدلى بها لوكالة الأنباء الألمانية. وأعاد نشر تغريدة للسفارة الأميركية في برلين تنقل عنه قوله: «من المهين جداً التوقع بأن يتكفل دافعو الضرائب الأميركيين بتكاليف نشر أكثر من 50 ألف أميركي في ألمانيا، بينما الألمان يستخدمون فائضهم التجاري لأهداف محلية».
وتضم ألمانيا أكبر قواعد عسكرية أميركية في العالم، باستثناء اليابان، وينتشر فيها ما يقارب الـ35 ألف جندي، إضافة إلى نحو 17 ألف موظف أميركي مدني، انتشروا فيها بعد الحرب العالمية الثانية في 38 قاعدة. ويعمل كذلك ما يقارب الـ12 ألف موظف ألماني في وظائف مرتبطة بالقواعد الأميركية تلك. ومن بين هذه القواعد، مركز قيادة القوات الأميركية في أوروبا وأفريقيا.
وتعتمد ألمانيا بشكل كبير في منظومتها الدفاعية على الولايات المتحدة منذ الحرب العالمية الثانية. ورغم زيادة الإنفاق الدفاعي في السنوات الماضي فإنه ليس كافياً لتجديد المعدات والأسلحة القديمة التي بحوزة الجيش الألماني. وزادت على تهديدات غرينل تلك، السفيرة الأميركية في بولندا جورجيت موسباشير التي كتبت على «تويتر»: «بولندا تؤدي واجباتها بدفع مساهمة 2 في المائة من ناتجها الإجمالي في الإنفاق الدفاعي بحسب توصيات الناتو - ألمانيا لا تقوم بذلك - نريد من القوات الأميركية في ألمانيا أن تأتي إلى بولندا».
وليست هذه المرة الأولى التي تهدد فيها إدارة ترمب بسحب القوات الأميركية في ألمانيا. ففي يونيو (حزيران) من العام الماضي، قال ترمب خلال قمة للناتو في بروكسل بأنه يفكر بتخفيض عدد الجنود الموجودين في ألمانيا. ونقلت صحف حينها بأنه تفاجأ عندما علم بعدد الجنود الأميركيين المنتشرين في ألمانيا. ولاحقاً لمح للرئيس البولندي أندريس دودا بأن الجنود الألف المخطط نشرهم في وارسو سيتم سحبهم من ألمانيا.
وإن لم يكن تهديد غرينل قد لقي ردوداً من السياسيين الألمان الذين لا يخفون انزعاجهم الكبير منه، فإن الصحف الألمانية أفردت مقالات للرد على هذا التهديد.
وكتبت صحيفة «سودويتشه تزايتوغ» تذكر بأنه بعد كلام ترمب العام الماضي عن نقل جنود من ألمانيا إلى بولندا، طلب من البنتاغون إجراء بحث يتضمن تكلفة نقل الجنود. وأضافت بأن البنتاغون يبدو أنه استنتج بأن عملية سحب ضخمة للجنود من ألمانيا «ستكون مكلفة جداً للولايات المتحدة بشكل أساسي بسبب نوع القواعد التي يستخدمها الجيش الأميركي في ألمانيا والتي تضم قواعد رئيسية ولوجيستية مهمة للعمليات الأميركية في أوروبا وأبعد». وفي شتوتغارت مثلاً، تقع قاعدتان رئيسيتان إقليميتان للقوات الأميركية في أوروبا وأفريقيا. وفي مدينة بوبليغن، تقع قواعد قيادة قوات المارينز البحرية في أوروبا وأفريقيا.
وتضيف الصحيفة بأن قاعدة رامستاين تضم «ليس فقط أكثر قاعدة أميركية جوية خارج الولايات المتحدة ومركز القوات الجوية الأميركية في أوروبا، بل أيضاً تعد أهم قاعدة تزويد عمليات القوات الأميركية في الشرق الأوسط وأفغانستان وأفريقيا». وفي ألمانيا أيضاً أكبر مستشفى عسكري أميركي خارج الولايات المتحدة، يقع في مدينة لاندشتول، وكذلك أكبر مخزن أسلحة للجيش الأميركي خارج الولايات المتحدة بحسب الصحيفة.
وتابعت «سودويتشه تزايتونغ» تقول بأن واشنطن كانت تخطط لإنفاق ملياري دولار إضافيين بحلول عام 2023 لتحديث قواعدها في ولاية راينلاد بالاتين وحدها. وأشارت بأن الولايات المتحدة أنفقت «مليارات الدولارات لتحديث قواعدها في رامستاين ولاندشتول ولا يمكنها استبدالها في المدى القريب أو المتوسط». وتحدثت الصحيفة كذلك عن خطط أميركية بحلول سبتمبر (أيلول) عام 2020 لإرسال 1500 جندي إضافي ليكونوا مستقرين بشكل دائم في ألمانيا، بعضهم وصل أصلاً. وتضيف الصحيفة بأن «نقل بعض الوحدات إلى بولدنا هو أمر وارد ولكن انتشار عسكري أميركي دائم هناك كما يروج له الأميركيون لن يكون سهلاً بسبب الاتفاق التأسيسي للناتو مع روسيا».
وبالفعل عندما بدأ حلف الناتو بالتوسع في مطلع التسعينات بعد تفكك الاتحاد السوفياتي، وإضافة دول كانت ضمن المحور السوفياتي، تعهد الحلف بعدم نشر قواعد دائمة في وسط أوروبا إلا في حال حصل تغيير في الوضع الأمني. ومنذ أن ضمت روسيا القرم إلى أراضيها من أوكرانيا، زاد حلف الناتو في حضوره في دول أوروبا الوسطى في محاولة لطمأنة الدول الخائفة من روسيا، وهو ما وصفته موسكو بأنه خرق للتعهد الذي حصلت عليه من الناتو في مطلع التسعينات.
وخلصت الصحيفة إلى أن السفير غرينيل: «على الأرجح يعلم بكل ذلك ولكنه أيضاً يعرف كيف هو الإعلام وفن الاستفزاز. فهو كان يعمل مستشاراً في التواصل وضيف دائم على قناة ترمب المفضلة، إذاعة فوكس. وعمل لوقت طويل متحدثاً باسم البعثة الأميركية في الأمم المتحدة ومع مستشار ترمب الحالي للأمن القومي جون بولتون».
وكتبت صحيفة فرانكفورتر ألمانية مقالاً شبيهاً ينتقد فيه كلام غرينيل، وقالت: «علينا أن نذكر الرئيس ترمب وسفيره... بأن الجنود الأميركيين في ألمانيا يخدمون المصالح الأميركية أيضاً وأمنهم، وليس فق أمننا».
ونقلت صحيفة دي فيلت عن مسؤولين أميركيين قولهم بأن البنتاغون توصل لاستنتاج بأن بولندا غير جاهزة لوجيسيتاً لاستضافة أعداد كبيرة من الجنود الأميركيين، وذكرت كذلك بأن نقل القواعد الأميركية في بولندا سيضع واشنطن بمواجهة مع موسكو. علي أي حال يأتي هذا الجدل قبل أسابيع قليلة من عودة ترمب إلى أوروبا حيث سيشارك في أواخر الشهر باجتماع قمة الدول السبع في فرنسا ويلتقي بالمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، وينتقل بعدها إلى بولندا والدنمارك. آنذاك من المؤكد أن ترمب سيأتي على ذكر رفض ألمانيا المشاركة بالقوة البحرية في مضيق هرمز، وربما يعيد التلويح بسحب الجنود الأميركيين من ألمانيا، وإن كان الأمر غاية في الصعوبة، في محاولة لانتزاع تنازلات مالية إضافية من برلين.