باريس تحسم أمرها وتقرر المباشرة بالعمليات العسكرية الجوية في العراق

حسم الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند أمره، وقرر الاستجابة لطلب السلطات العراقية بتوفير دعم جوي والمباشرة في العمليات العسكرية الجوية في العراق، لكنه، وبعكس ما أقرته الإدارة الأميركية، فإنه حصر التدخل الفرنسي في العراق فقط بالعمليات الجوية، ومن غير إرسال قوات أرضية.
وقال هولاند في مؤتمره الصحافي الرابع في قصر الإليزيه، منذ وصوله إلى الحكم، ربيع عام 2012، إن فرنسا «ستستجيب لطلب توفير دعم جوي»، مضيفا أنه عقد اجتماعا لمجلس الدفاع الوطني الفرنسي الذي يضم رئيس الحكومة ووزراء الدفاع والخارجية والداخلية والقادة العسكريين والأمنيين، وأنه «قرر» توفير الدعم الجوي الذي طلبته منه السلطات العراقية والكردية خلال زيارته إلى العراق، يوم الجمعة الماضي. وبحسب هولاند، فإن «هدف فرنسا هو المساهمة في السلام والأمن في العراق، عبر إضعاف الإرهابيين»، الذين رأوا أن تهديدهم ليس منحصرا في العراق وسوريا والشرق الأوسط، وإنما يطال أوروبا والعالم. بيد أن هولاند سارع لتأطير التدخل الفرنسي، بإعلانه أن بلاده تلتزم بـ3 ضوابط هي كالتالي: ليست هناك مشاركة تتخطى الدعم الجوي، لا قوات أرضية، والتدخل لن يتعدى العراق، أي أن فرنسا لا تنوي التدخل في سوريا.
والرئيس الفرنسي لم يحدد تاريخا ما بدقة. ولكنه كشف أن الطائرات الفرنسية التي تنطلق من قاعدة أبوظبي قامت، أمس، أيضا بطلعات استكشافية بعد التي قامت بها الاثنين الماضي، مضيفا أنه «عندما نتوصل إلى تحديد الأهداف، فسنبدأ التدخل». ومجددا، أعاد هولاند التأكيد أن بلاده «تحترم الشرعية الدولية»، ولذا، فإنها لن تتدخل في سوريا «لأنها دُعيت للتدخل في العراق، وليس في سوريا».
القرار الرئاسي جاء بعد الزيارة التي قام بها إلى الإمارات العربية المتحدة ومصر، يومي الاثنين والثلاثاء الماضيين، وزير الدفاع جان إيف لو دريان. وتشغل فرنسا قاعدة عسكرية متعددة الأغراض على ساحل أبوظبي، حيث ترابط طائرات «رافال» المقاتلة التي قامت بأول عملية استكشاف فوق الأراضي العراقية يوم الاثنين الماضي، أي في الوقت عينه الذي كان فيه وزراء خارجية 26 دولة، وممثلو 3 منظمات دولية وإقليمية مجتمعين في باريس، في مؤتمر تحت عنوان «السلام والأمن في العراق».
وفي مقدمة طويلة، عاد هولاند في شرحه للمخاطر التي يشكلها «داعش» وللمجازر التي ارتكبها بحق المدنيين والأقليات، وتهجير مئات الآلاف من السكان، وتدمير المساكن وسبي النساء وتدنيس الأماكن الدينية، فضلا عن اجتذابه للآلاف من المواطنين من بلاد كثيرة.
وروى هولاند أن رئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني أخبره لدى زيارته أربيل، الأسبوع الماضي، أن البيشمركة وضعوا اليد على دبابة لـ«داعش» كان فيها 4 أشخاص من 4 جنسيات مختلفة، بينها جنسيتان أوروبيتان. كذلك فإن هولاند نبه مجددا من المخاطر على بلاده وعلى البلدان الأخرى من عودة المنضوين تحت لواء داعش إلى البلاد التي انطلقوا منها، وما يشكلونه من مخاطر على الأمن الداخلي.
وبالنسبة لفرنسا، قدر هولاند أعداد الفرنسيين الذين انضموا إلى تنظيمات جهادية بأكثر من ألف شخص، قُتل منهم 36 في سوريا. ونوه الرئيس الفرنسي بالقانون الجديد لمناهضة الإرهاب الذي يدرسه البرلمان الفرنسي في الوقت الحاضر، والهادف لمنع الفرنسيين أو المقيمين على الأراضي الفرنسية من الالتحاق بهذه التنظيمات.
من جانب آخر، أكد هولاند أن الحكومة ستلتزم بما ينص عليه الدستور لجهة إعلام الجمعية الوطنية بالعمليات العسكرية التي سيأمر بها، وكذلك وضع رؤساء المجموعات البرلمانية في صورة القرار الرئاسي.
وتربط مصادر سياسية فرنسية بين تشديد هولاند على المخاطر الأمنية وعلى ملف الأزمات المتنقلة في الشرق الأوسط والعالم، وحرصه على البدء بالسياسة الخارجية، لرغبته في إعادة تثبيت موقعه الرئاسي، بعد هبوط شعبيته الحاد (13% فقط من الفرنسيين ما زالوا يمحضونه ثقتهم)، وتدهور الوضع الاقتصادي، والأزمة السياسية التي تضرب الحزب الاشتراكي والأكثرية النيابية، فضلا عن صعود اليمين المتطرف.
وكان هولاند يتحدث، عصر أمس، في قصر الإليزيه أمام 350 صحافيا فرنسيا وأجنبيا، وبحضور رئيس الحكومة وجميع الوزراء، باستثناء وزير الداخلية المتغيب عن باريس.