الاستعانة بلامبارد لا تكفي تشيلسي لاستعادة البطولات

في معظم مجالات العمل، إذا كنت متقدماً لوظيفة وكتبت في طلب الحصول على العمل أن المهارة الأساسية التي تتمتع بها هي القدرة على «استيعاب الأمور»، فعليك الانتباه حينها أن هذه العبارة ستبدو مبهمة ودليلا دامغا على افتقارك إلى جوهر حقيقي، والاحتمال الأكبر أن طلبك سيقابل بالرفض باعتبار أنك مجرد محتال.
كل هذا صحيح إلا إذا كنت تتقدم للعمل كمدرب لفريق كرة قدم وتسعى لبناء جسور اتصال مع حشود من الجماهير الساخطة. في هذه الحالة، يصبح من المنطقي تماماً أن تركز بدرجة كبيرة على مهارتك في استيعاب الأمور، حتى وإن كان من المتعذر طرح تعريف فوري لما تشير إليه هذه «الأمور». وللتدليل على ذلك، يكفي النظر إلى النرويجي أولي غونار سولسكاير الذي بُني نجاحه المبدئي داخل مانشستر يونايتد بدرجة كبيرة على الإشارة على نحو متكرر إلى هدف مهم جرى تسجيله في شباك بايرن ميونيخ منذ 20 عاماً.
وأثناء المؤتمر الصحافي لتقديمه للرأي العام في ديسمبر (كانون الأول)، قال سولسكاير: «هل باستطاعة مانشستر يونايتد إحراز أهداف؟ إنهم يسجلون أهدافاً طول الوقت!» وعلى امتداد الشهور القليلة الأولى بعد رحيل البرتغالي جوزيه مورينيو، بدا هذا التكتيك ناجحاً ومبتكراً. عندما تحدث سولسكاير أن تقديم كرة هجومية، كان يعني أمراً واحداً فحسب: أنه مستوعب الأمر. وعندما ذكر سير أليكس فيرغسون، كان مستوعباً للأمر. وعندما قال إن لاعبيه يبذلون جهوداً دؤوبة، كما لو أن هذه سمة ينفرد بها مانشستر يونايتد عن باقي الأندية، كان مستوعباً الأمر. إنه مستوعب للأمر فحسب.
إلا أنه سرعان ما ساد شعور باليأس والملل بعد تلاشي حالة الانبهار الأولى بهذه الحيلة. وبمرور الوقت أصبحت هذه الحيلة من الأشياء المتوقعة سلفاً، وتراجع تأثيرها في كل مرة يجري استغلالها لدرجة أنه أصبح في النهاية من المستحيل أن يمنع المرء نفسه من الضحك عندما قال سولسكاير في رد فعله على هزيمة مانشستر يونايتد على أرضه أمام برشلونة بنتيجة 1 - 0. في مباراة الذهاب بالدور ربع النهائي لبطولة دوري أبطال أوروبا: «لقد سجلنا أهدافاً على أرض استاد كامب نو من قبل من ركلات ركنية وتمريرات». حسناً، تهانينا! لكن سحر هذه الحيلة تلاشى وانقضى. وفي نهاية الأمر، فاز برشلونة بنتيجة إجمالية بلغت 4 - صفر. والآن، في خضم جهود مانشستر يونايتد لإعادة بناء ذاته، لا تبدو قدرة أولي سولسكاير على استيعاب الأمور ذات أي قيمة حقيقية.
لا يعتبر مانشستر يونايتد المؤسسة المتداعية الوحيدة التي تأمل في استعادة سنوات مجدها من خلال الحديث عنها دونما توقف. هل سمعت عن شخص آخر «مستوعب للأمور»؟ حسناً، إنه بوريس جونسون رئيس وزراء بريطانيا الذي يحاول استعادة أمجاد حزب المحافظين.
وفي سياق مشابه، تواترت أنباء عن أن تشيلسي على وشك الاستعانة بفرنك لامبارد، بعد أن نجح في دفع يوفنتوس الإيطالي للإسراع نحو الاستعانة بالمدرب ماوريسيو ساري، الذي كان عنيداً في رفضه لـ«استيعاب الأمور» ولآراء المتحذلقين الذين أخبروه أن نيغولو كانتي لاعب خط وسط مدافع.
في الواقع، لم تبد الجماهير في ملعب ستامفورد بريدج ارتياحها تجاه ساري، لكن من المؤكد أنها ستعشق لامبارد الذي يبدو أن نقطة تفرده الوحيدة التي يجري الترويج له على أساسها هذه الأيام أنه فرنك لامبارد الأسطورة فحسب. على سبيل المثال، قال جون تيري: «لامبارد أسطورة والآن الوقت المناسب له كي يعود إلى داره». أما ألن شرير فقال: «هو يعرف النادي أفضل عن أي شخص آخر؟ نعم... هل ترغب الجماهير فيه؟ بالتأكيد».
في هذه اللحظة، يبدو ثمة نزوع قوي نحو تقديس الأفراد وتغليب المشاعر على العقل والمنطق. على أي حال، ما الذي تعنيه معرفة ناد ما من الداخل إلى الخارج؟ إنها تعني بصورة أساسية أن لامبارد لن يكون بحاجة لإجراء جولة لمشاهدة ملعب التدريب في يومه الأول بالنادي، بجانب أنه سيعرف من يتعين عليه التواصل معه بقسم الموارد البشرية عندما يحين موعد إقالته من جانب مالك النادي رومان أبراموفيتش.
إلا أنه رغم كل شيء، دعونا نحاول تفهم ظاهرة «استيعاب الأمور». داخل نيوكاسل، تتحسر الجماهير على رحيل المدرب الإسباني رافائيل بينيتيز، ليس فقط لأنهم خسروا مدرباً ممتازاً، وإنما كذلك لتبجيلهم له لقدرته على التواصل مع من حوله بالمدينة رغم كونه غريباً عنها. وينطبق الأمر ذاته على الألماني يورغن كلوب، الذي رغم مظهره الخارجي القاسي والعصبي، فإنه تميز بقدر كاف من الذكاء مكنه من تحفيز الروح الجماعية التي شكلت القوة الدافعة وراء صحوة ليفربول أمام برشلونة.
الحقيقة أن الجماهير تراودها دوماً الرغبة في الشعور بأنها مميزة، والتظاهر بأن الرغبة في لعب كرة هجومية وبناء منظومة مزدهرة للناشئين، طموح تنفرد به. وترغب الجماهير في الاعتقاد بأن لامبارد واحد منها. ورغم كل الأسباب المنطقية التي تدعو تشيلسي لإعادة بينيتيز، فإننا لن نشهد تنظيم حملة «أعيدوا رافا» ـ وذلك بسبب صلات المدرب الإسباني بليفربول.
ورغم التشابهات القائمة بين جميع الأندية على المستوى الأساسي، في الوقت الذي غالباً ما يشكل المال العنصر الفارق، فإن التوجه الواحد لن ينجح في كل مكان. في أعماقها، تدرك جماهير تشيلسي أن لامبارد المبتدئ بمجال التدريب والذي أخفق في قيادة ديربي نحو الصعود، يشكل مخاطرة. وكونه فرنك لامبارد لن يكون كافياً في حد ذاته على المدى البعيد. ومع هذا، ستمنحه هذه الحقيقة دفعة جيدة في البداية.
إن الجماهير بكل ما تتسم به من عاطفية وتقلبات يتعذر التنبؤ برد فعلها، لكنها تتوق إلى رابطة تجمعها بالمدرب. في هذا الصدد، قال نيل هاريس، مدرب ميلوول: «من الأمور المهمة لي الاستعانة بعقلية من داخل النادي. إذا قلت لأحد مشجعي ميلوول: (ماذا ستفعل لو استعنت بك؟)، فسيجيبك بأنه سيخترق جداراً من أجلك. إن الهدف هو ربط من هم بالمدرجات بمن هم في الملعب، وضرورة أن تشعر الجماهير بأن الفريق جزء منها».
على النقيض من هذه الفكرة، جاء توجه سام ألارديس الذي افتقر إلى الحكمة في رفضه للأسلوب المميز لوستهام يونايتد في إدارة شؤونه، كما تعمد جوزيه مورينيو العيش داخل شرنقة منعزلة أثناء عمله في مانشستر يونايتد.
ربما تكون العاطفية الزائدة من الأمور المرفوضة والسخيفة، لكن وجود علاقة دافئة بين المدرب والجماهير في البداية يظل أمراً مهماً.