سنوات السينما: حين تتخلى البلدة عن بطلها

High Noon
(1952)
حين تتخلى البلدة عن بطلها
لم يكن فرد زنمان، مخرج «منتصف الظهيرة»، من السينمائيين الذين أقدموا على تحقيق أفلام وسترن. لكنه مثل عدد آخر، صنع الفيلم الذي سيدخل صرح تلك السينما من الباب ذاته التي تدخله أفلام الممارسين لهذا النوع أمثال جون فورد وهنري هاذاواي وسام بكنباه وأنطوني مان.
قبله عدّد المخرج الآتي من وراء طاولة المونتاج في أنواع أفلامه فأخرج الدراما والحربي والتشويقي والبوليسي، حتى كاد أن يفقد هويته بينها، خصوصاً وإنها لم تكن كلها على قدم واحد من النجاح فنياً على الأقل.
«هاي نون» يختلف في ناحيتين بارزتين: هو فيلم الوسترن الوحيد للمخرج زنمان. والفيلم الذي يحكي القصة في حدود زمنها المحدد على الشاشة بالترابط مع قدرة المخرج على توليف دقيق كونه مونتيراً سابقاً (ولو أن هذه الميزة تبقى شكلية لا تكوّن شروط الفيلم الجيد من عدمه). لكن للفيلم اختلافاً آخر بالغ الأهمية وهو أنه، ووسط متاعب المكارثية حينها، تحدث عن مارشال بلدة (لعبه غاري كوبر) الذي كان من المفترض به أن يغادر مع عروسته (غريس كيلي) البلدة لكي يشق طريق حياة جديدة. قبل أن تنطلق العربة بهما وسط تمنيات أهالي البلدة يصله خبر أن أربعة أشرار، يقودهم فرانك ميلر (إيان مكدونالد) الخارج لتوه من السجن، في طريقهم إلى البلدة وفي نيتهم قتله كونه تسبب في سجن فرانك.
هنا يقرر المارشال ويلي البقاء رغم نصيحة أهل البلدة له بالهرب قبل الساعة الثانية عشرة ظهراً، وهو الوقت الذي سيصل فيه القطار الذي يحمل ميلر إلى المحطة. لكن ويلي لا يستطيع، كما يقول لزوجته المستاءة من موقفه، ترك البلدة والهرب. يدرك أن عليه مواجهة الأشرار المحترفين. ويدرك أنه بحاجة إلى معاونة أهل البلدة لصد هذا الاعتداء المتوقع. لكن أهل البلدة ينصرفون عنه خوفاً. لا يبقى بمحاذاته سوى رجل قانون سابق اتحدر للشرب (لون تشايني) ومعاون (جيمس ميليكان) يخشى المواجهة ويبرر خشيته بأن لديه عائلة يعيلها (يصرفه المارشال مجبراً) وصبي يتمنى لو يسند إليه المارشال مهمة ما. هناك أيضاً مساعد آخر له هو هارفي (للويد بردجز) الذي يعاني من نقص في الثقة بنفسه لكنه مستعد لمعاونة ويلي فقط ليثبت لصاحبة الصالون المكسيكية الأصل هيلين (الرائعة كاتي جورادو) بأنه يستحق إعجابها.
مثير كيف تتشكل كل هذه الدراما من المواقف المحسوبة خلال 85 دقيقة من العرض حتى إذا ما اشتعلت الجبهة في الدقائق الأخيرة ونجح ويلي بمواجهة الأشرار (بينهم ممثل الشر الدائم لي فان كليف) بالقضاء على أعدائه، نظر حوله إلى بلدة اختارت النأي بنفسها عنه رامياً نجمته على الأرض ومغادراً البلدة مع زوجته كما كان سيفعل قبل ذلك الظهر الموقد.
ما أثاره الفيلم سياسياً لا يقل أهمية عن كون الفيلم مثالاً لفيلم وسترن جيد الصنع. لقد هوجم من قِبل السينمائيين المتوّجين أمثال جون واين وجون فورد وهوارد هوكس على أساس أنه «غير أميركي» فأحداثه «لا يمكن أن تقع على هذا النحو» والأميركيون شرفاء لا يمكن لهم ترك رجل القانون وحده في المواجهة.
الواقع أن الكاتب (كارل فورمان) يساري المنحى وقد عالج العمل بدافع من اختياراته. لكن في المقابل، هناك العديد من الأفلام قبل هذا التاريخ وبعده انتقدت سمات الغرب الأميركي التقليدية.
لا يغيب عن أن الفيلم في نهاية مطافه لم يكن خالياً من النقد المقصود بذاته. مجازياً: غاري كوبر يمثل أي شخصية عانت من المكارثية. أهل البلدة يمثلون رهط السينمائيين الذين تركوا ضحايا المكارثية وحدهم في معركة وجود.