لا يزال الفقراء أقل حظا في الكليات الأميركية الراقية

مع بدء الحياة في مساحات الحرم الجامعي الخضراء بجامعات الصفوة في الولايات المتحدة مع بداية العام الدراسي الجديد، لا تزال تلك المؤسسات التعليمية تمثل أحد «حصون الامتيازات». ووسط وعود بالسماح بقبول المزيد من الطلاب الفقراء، إلا أن الكليات الراقية لا تسمح إلا بتعليم نفس النسبة منهم على نحو ما كانت تصنع منذ جيل مضى. وذلك على الرغم من حقيقة أنه هناك الكثير من طلاب المدارس الثانوية قادمون من منازل ذات دخل منخفض ومحققين أعلى الدرجات الدراسية: أكثر من ضعف النسبة بين عامة السكان كما هو الحال في الكليات الراقية.
وخلصت سلسلة من المسوح الفيدرالية الأميركية أجريت على مجموعة منتقاة من الكليات إلى أنه لم يتم أي تغيير يذكر منذ حقبة التسعينات وحتى عام 2012 حيال التحاق الطلاب الفقراء – بنسبة أقل من 15 في المائة وفقا لبعض التقديرات – حتى مع وجود زيادة ملحوظة خلال تلك الفترة في عدد أولئك الطلاب الذين يلتحقون بالكليات. وهناك دراسات مماثلة بحثت في نطاق أضيق حول أفضل الجامعات الثرية أكدت مثل تلك النتائج. ومع الإجراءات المؤكدة والمستندة على العرق والتي تفقد حاليا زخمها القضائي والشعبي، حث الكثيرون الكليات الانتقائية على تحويل المزيد من التركيز إلى التنوع الاقتصادي.
ويرجع السبب وراء ذلك، بصورة جزئية، إلى أن الطلاب أكثر عرضة للتخرج واعتلاء سدة القيادة في تخصصاتهم الدراسية إذا ما التحقوا بالكليات التنافسية. حيث يعتبر قبول الطلاب من ذوي الدخول المنخفضة في الكليات الراقية من العوامل الحيوية للحراك الاجتماعي.
ولكن كما أوضح الدكتور أنتوني بي كارنيفالي، مدير مركز التعليم والقوى العاملة لدى جامعة جورج تاون: «صار التعليم العالي من القوى المؤثرة في تعزيز الامتيازات وانتقالها عبر الأجيال المتعاقبة».
من الصحيح أن نسبة التحاق الطلاب ذوي الدخول المنخفضة ببعض الكليات الراقية قد شهدت ارتفاعا طفيفا. وتشير بعض الدراسات إلى أن تلك الكليات تتمتع بنية حسنة ولكنها ببساطة غير فعالة من حيث التعامل مع التنوع الاقتصادي. ويشير قادة الكليات كذلك إلى بعض الدراسات تفيد بأن غالبية الطلاب ذوي الدخول المنخفضة والدرجات العالية ودرجات الاختبار المرتفعة لا يتقدمون إلى الكليات الانتقائية الراقية.
ولكن النقاد يؤكدون أنه على العموم، تشعر الكليات الراقية بنوع من القلق إزاء الإضرار بمصادر التمويل لديهم وترتيبهم بين باقي الكليات في مقابل موافقة خطابهم المعلن من حيث الرغبة في إدخال التنوع الاقتصادي حيز التنفيذ.
يقول ريتشارد د. كالينبيرغ، وهو زميل بارز لدى مؤسسة سينتشري التي تبحث في تنوع الكليات «ليس من الواضح لدي أن الجامعات لديها رغبة قوية في ذلك. فما الذي يمكن أن يحدث إذا أثبت الطلاب ذوو الدخول المنخفضة خداع الجامعات الانتقائية، وبدأوا في التقدم للالتحاق بها بأعداد كبيرة؟ هل ستكون أبواب تلك الجامعات مفتوحة لهم؟»
هناك كليات راقية، خصوصا وعامة، تستقبل ثلاثة أضعاف المستفيدين من منحة بيل – وهي المساعدة الفيدرالية الرئيسة للطلاب ذوي الدخول المنخفضة – كما تصنع بعض الكليات المناظرة، والتي يقول النقاد إنها دليل على أن الكليات الأخرى يمكنها تقديم المزيد. وقد نجح النظام لدى الجامعات المرموقة مثل فاسار، وأمهرست، وهارفارد، وجامعة كاليفورنيا في زيادة المقبولين من الطلاب ذوي الدخول المنخفضة.
ويقول مايكل ن. باستيدو، مدير مركز دراسات التعليم العالي وما بعد الثانوي لدى جامعة ميتشغان إن «الكثير من ذلك يدور حول المال، نظرا لأن التحاق كل طالب إضافي من ذوي الدخول المنخفضة سوف يكلف الكثير من ناحية المساعدات المالية. لن يأتي أحد ويتحدث بمنتهى الصراحة قائلا: أوه، إن الطلاب ذوي الدخول المنخفضة ليسوا من أولوياتنا. ولكن إدارة الالتحاق هي عملية معقدة بحيث إنهم يعرفون على وجه الدقة كم من المال سوف يكلفهم كل طالب جديد».
تنفق الكليات بوجه عام نسبة 4% إلى 5% من المنح على المساعدات المالية، مما دفع بعض المدراء إلى الاستشهاد بتلك المعادلة الرياضية الصارمة: إن مساعدة طالب فقير واحد الذي يحتاج إلى 45 ألف دولار في العام من المساعدات المالية يستلزم منحة قدرها مليون دولار مخصصة لذلك الغرض، ومساعدة مائة طالب منهم يستلزم وجود منح بمقدار مائة مليون دولار. ولا يمكن فعل ذلك إلا للكليات الثرية، وبناء مختبرات جديدة، وتجديد صالات الطعام، وتوفير الفصول الدراسية المصغرة، وتكاليف كبار الأساتذة.
ويلعب التصنيف الذي نشره موقع (U.S. News and World Report) وغيره من المواقع، دورا مؤثرا في ذلك. حيث يتعامل التصنيف من خلال معدلات الإنفاق على المرافق وهيئة التدريس، ولكن لا يولي البعض القليل أو أي اهتمام للمساعدات المالية والتنوع.
يقول الدكتور كارنيفالي «يقبع رؤساء الكليات تحت الضغط المتواصل لتلبية متطلبات الميزانيات، وتحسين معدلات التخرج، والارتقاء بمستوى التصنيف. وأسهل الوسائل لتنفيذ ذلك هو من خلال الارتقاء من الناحية الاقتصادية – عن طريق قبول الطلاب الذين يدفع آباؤهم أكثر».
ثمة جزء كبير من الارتقاء الاقتصادي يأتي من خلال «مساعدات الاستحقاق»، وهي فواصل الأسعار المعروضة على الطلاب بصرف النظر عن ثروات آبائهم. بضع عشرات من المدارس الراقية لا توفر مساعدات الاستحقاق، ولكنهم يعتبرون الاستثناء الوحيد من ذلك. من الناحية التاريخية، وفرت الكليات الأميركية الكثير من المساعدات للطلاب المحتاجين، ولكن مساعدات الاستحقاق تفوقت على ذلك اليوم.
منذ أواخر التسعينات، نفذت الكليات الراقية تحركات رفيعة المستوى لكي تصبح في متناول العائلات ذات الدخول المنخفضة. وقد جذبت التغييرات في سياسات الكليات الكثير من الزخم، ولكنها كانت ذات تأثير طفيف، حسبما خلصت الدراسات، لأن الطلاب، وإلى حد كبير، لم يكونوا يعلمون عنها شيئا.
ألغت جامعات هارفارد، وبرينستون، وفيرجينيا، ونورث كارولينا في تشابل هيل برامج القبول المبكرة والتي اعتبرت مخصصة لصالح الطلاب الأثرياء. وتوقفت بعض الكليات عن إدراج القروض في حزم المساعدات المالية، بحيث يجري قبول كل أشكال المساعدات في صورة منح دراسية. وبعض الكليات الأخرى خفضت من الأسعار لديها للجميع باستثناء العائلات الثرية، ولم تعد تستلزم دفع أي مساهمات مالية من الآباء دون مستوى معين من الدخل، مثل 65 ألف دولار في العام.
ولكن الكليات التي ألغت برامج القبول المبكرة أعادت العمل بها في غضون سنوات لاحقة، بعدما رفضت كليات راقية أخرى اتباع نفس النهج، مما وضعهم في وضع غير موات من حيث اجتذاب الطلاب المرموقين. ذهبت معظم المزايا الخاصة بسياسات منع القروض ومنع المساهمات العائلية إلى صالح العائلات ذات الدخول المتوسطة، وعلى أي حال، لم تعتمد كل الجامعات الثرية، مثل هارفارد، وبرينستون، وييل، وستانفورد، أيا من السياستين.
في عام 2006، وفي تصنيف الكليات الأكثر تنافسية من خلال عرض مؤسسة بارونز للكليات الأميركية والذي ضم 82 كلية، جاءت نسبة 14 في المائة من الطلاب الجامعيين الأميركيين من النصف الفقير من عائلات البلاد، طبقا للباحثين لدى جامعة ميتشغان وجورج تاون الذين عملوا على تحليل البيانات المستمدة من المسوح الفيدرالية. ولم يتغير ذلك الاتجاه منذ عام 1982.
وعلى نطاق أضيق، فإن مجموعة من 28 جامعة وكلية خاصة مرموقة، بما في ذلك الأعضاء الثمانية في رابطة إيفي، خلص الباحثون لدى كليات فاسار وويليامز إلى أنه في الفترة بين عام 2001 وعام 2009، وهي الفترة التي شهدت ارتفاع مستوى المساعدات المالية في تلك الكليات، ارتفعت نسبة التحاق الطلاب من نسبة 40 في المائة من العائلات ذات الدخول المنخفضة من 10 في المائة إلى 11 في المائة.
حتى مع توافر أفضل النيات، فإن انتقاء أفضل العناصر من بين مجموع الطلاب ذوي الأداء العالي والدخول المنخفضة يمكن أن ينطوي على الكثير من الصعوبات. وتشير الدراسات إلى الكثير من الأسباب وراء عدم تقدم الطلاب ذوو أوراق الاعتماد الجيدة للالتحاق بالكليات المتنافسة، مثل قلة الشجاعة في الموطن وفي الكلية، والتفكير (الصحيح أو بخلاف ذلك) حول عدم استطاعة تحمل التكاليف أو الاعتقاد أنهم سوف ينتهي بهم الأمر خارج الكلية، على المستوى الأكاديمي أو الاجتماعي.
إن أكثر ما يميز أولئك الذين يلتحقون بالكليات الراقية ليس مستوى دخل العائلة أو مستوى تعليم الأبوين، وفقا لدراسة رائدة نشرت العام الماضي، ولكنه الموقع. إن التعرض لفئة قليلة من الأقران ذوي الإنجازات العالية أو الحضور إلى مدرسة ثانوية لديها عدد قليل من المعلمين أو الخريجين الجدد الذين التحقوا بكليات انتقائية مرموقة يحدث فرقا كبيرا في الوجهة التي يقصدها الطلاب ذوي الدخول المنخفضة.
وكذلك الحال في المقابلات الشخصية لاختيار الطلاب. تقول كاثرين بوند هيل، رئيس كلية فاسار «يمكننا الإدلاء بتصريحات رنانة حول إمكانية القبول، وأن برامج القبول لدينا لا تلقي بالا إلا إلى المستويات الدراسية للطلاب، وأننا نمنح أسعارا منخفضة بالفعل لصالح الطلاب ذوي الدخول المنخفضة، ولكن حقيقة الأمر أننا لا نزال نقبل أعدادا قليلة للغاية من تلك الفئة من الطلاب. لا بد أن يكون هناك التزام بالخروج إليهم والعثور عليهم».
لكن مكاتب القبول لا يمكنها إلا زيارة جزء صغير من المدارس الثانوي البالغ عددها 26 ألف مدرسة على مستوى الدولة، ولهذا من النادر عليهم رؤية أولئك الطلاب المرشحين الممتازين ولكن المعزولين والذين يحتاجون إلى التشجيع لكي يتقدموا للكليات الراقية. تقول المدارس الراقية التي تمكنت من رفع معدل قبول الطلاب ذوي الدخول المنخفضة، مثل كلية كويست بريدج ومؤسسة بوسي، والتي هي مكرسة لاكتشاف الطلاب الممتازين غير المعروفين، إن أحد أهم العوامل كان التعاون مع بعض الجماعات غير الهادفة للربح في ذلك المضمار، حيث يعملون سويا في المدارس الثانوية ويعملون كهمزة وصل بينهم وبين الكليات الراقية.
يمكن أن تكون البرامج مكلفة للكليات، وقد يتقاعس الكثيرون أمام التكلفة العالية، رافضين الانضمام أو اتخاذ عدد ضئيل من الطلاب في كل عام. تقول ديبورا بيال، رئيسة مؤسسة بوسي، والتي تضم 51 كلية شريكة وتحاول اجتذاب المزيد «خلال العام الماضي، كان لدينا 680 مقعدا فقط لعدد 15 ألف طالب مرشحين من قبل المدارس والجماعات المحلية. يمكننا بكل سهولة مضاعفة ذلك العدد ثلاث مرات في القريب العاجل».
يقول تروي سيمون (21 عاما) إنه من دون المساعدة الحقيقية من اثنتين من الجماعات غير الهادفة للربح، لم يكن ليدرس حيث يدرس الآن، حيث يستعد لعامه الأول في كلية بارد. كان الطريق طويلا بالفعل من طفولته البائسة في القطاع الفقير من ولاية نيو أورليانز، حيث قضى سنوات تعليمه الأولى – حتى الآن، وفي واقع الأمر، أشادت السيدة الأميركية الأولى ميشيل أوباما به كمثال على ما يمكن التغلب عليه في الحياة. يقول سيمون «كنت أميا، وكنت أقضي وقت المدرسة في العبث، ولم أكن أفهم ما يدور حولي، ولم يكن أحد يعبأ أو يسأل في المنزل عن فشلي في درجاتي الدراسية».
انفصل سيمون عن عائلته أثناء أحداث إعصار كاترينا، الذي دمر منزلهم تماما، ولجأ للعيش مع أولاد عمومته في مبنى مهجور. وبقي لفترة من الزمن داخل مدرسة في هيوستون، حيث قال إنه حينما بلغ 12 من عمره، بدأ بالفعل في تعلم القراءة، ولكن بعد عودته إلى نيو أورليانز، ألقي القبض عليه للاشتباه في السرقة.
ولكن في المدرسة الثانوية – حيث التحق بثلاث مدارس منها – التقطته جماعة تدعى كوليج تراك، ووفرت له التعليم الخصوصي، والاستعداد للاختبار، وتقديم المشورة والنصيحة حول التقدم للكلية. ومن ثم حصل على منحة مؤسسة بوسي الدراسية والتي سددت عنه تكاليف الكلية ووفرت له خدمات الدعم هناك.
وأضاف «بعضا من الصبيان الذين كنت أتسكع معهم في طفولتي كانوا أذكياء، منهم من مات الآن، وبعضهم في السجن، ومنهم من لديه أطفال لا يستطيع إعالتهم. إنني أعتبر نفسي محظوظا».
قبل عشر سنوات إلى 15 سنة، عندما كانت بعض الكليات أكثر جدية حيال التنوع الاقتصادي، كان هناك تصور أن زيادة المساعدات المالية قد يغير من الأمر، ولكن السيد مورتون أو. شابيرو، رئيس جامعة نورث ويسترن والرئيس السابق لكلية ويليامز، وهو مثل الدكتورة هيل من كلية فاسار، رجل اقتصاد متخصص في اقتصادات التعلم العالي، يقول «أعتقد أننا كنا سذجا بعض الشيء».
تظل التكلفة من العوائق، ولكن التصور يعتبر عائقا كذلك، حسبما أضاف قائلا إنه «أمر يتعلق بعلم النفس وعلم الاجتماع، مثله مثل الأسعار والتكاليف».
يفضل مدراء الكليات أن يقولوا إنه لا ينبغي على المستهلكين الخوف من أسعار التعليم المرتفعة، والتي تدور حول 60 ألف دولار في العام للكليات الراقية.
* خدمة «نيويورك تايمز»