كتالونيا تسعى لنيل استقلالها وعينها على اسكوتلندا

ربما ينصب اهتمام العالم على اسكوتلندا وعلى حملتها الانفصالية، ولكن كان يوم الخميس هو دور كتالونيا، إذا خرج مئات الآلاف من المواطنين وهم يلوحون بالأعلام إلى الشوارع، حيث يأمل زعماؤها في أن يكون ذلك تمهيدا للتصويت للاستفتاء في المنطقة على الاستقلال عن إسبانيا.
في وسط برشلونة، شكل الكتالونيون حرف «في» عملاقا، في إشارة إلى التصويت والنصر، عن طريق الاحتشاد في اثنين من الطرق الرئيسة بالمدينة، حيث كسوا أنفسهم بأعلام كتالونيا الحمراء والصفراء. وتزامنت المظاهرة مع اليوم الوطني لكتالونيا، ولكن صبغ الاحتفال بمشاعر بهجة ما قبل الاستقلال.
وفي الوقت الذي يدخل فيه سباق استقلال اسكوتلندا جولته الأخيرة قبل الاستفتاء المزمع إجراؤه يوم 18 سبتمبر (أيلول) بشأن ما إذا كانت ستنفصل عن المملكة المتحدة أم لا، تصل أيضا حملة انفصال كتالونيا إلى مرحلة حرجة، مع اقتراب التصويت الخاص بها والمقرر إجراؤه يوم 9 نوفمبر (تشرين الثاني). ومن المرجح أن تتأثر نتائجه بما سيقرره الاسكوتلنديون.
ولكن خلافا لاسكوتلندا، التي يحاول القادة البريطانيون في وقت متأخر أن يقنعوا الاسكوتلنديين بعدم المغادرة من دون التهديد بمنع التصويت، تنذر حملة كتالونيا الانفصالية بأزمة دستورية خطيرة.
وجاءت المظاهرة الحاشدة، أول من أمس (الخميس)، بعد إصرار أرتور ماس، رئيس الحكومة الإقليمية، على أن تمضي كتالونيا - قوة إسبانيا الاقتصادية - قدما كما هو مخطط لها، رغم معارضة الحكومة المركزية في مدريد.
ومن المقرر أن يعطي برلمان كتالونيا الإقليمي الإشارة للتصويت في وقت لاحق من هذا الشهر. ومن المتوقع أن تقوم المحكمة الدستورية في إسبانيا بإعطاء الضوء الأخضر، رغم تحذير رئيس وزراء إسبانيا ماريانو راخوي مرارا وتكرارا من أن أي تصويت من هذا القبيل من شأنه أن يشكل انتهاكا للدستور الإسباني.
وهنا يواجه ماس خيارا صعبا إما المضي قدما في تصويت غير قانوني أو تأخير التصويت للسماح بإجراء مزيد من المفاوضات مع راخوي. ربما أيضا يقوم بالدعوة إلى انتخابات مبكرة في كتالونيا، ولكن مع مخاطر بفوز المزيد من السياسيين المتشددين الانفصاليين والإطاحة به وبحزبه من السلطة.
ويواجه ماس بالفعل فضيحة احتيال كبرى تتمحور حول خوردي بوجول، بطريرك السياسة الكتالونية، الذي أسس حزب التقارب وأدار الحكومة الإقليمية لمدة 23 عاما. اعترف بوجول في يوليو (تموز) بأنه ارتكب جريمة احتيال ضريبي عن طريق إخفاء الأموال في الخارج. ومنذ ذلك الحين تأخر مثوله أمام المشرعين، ولكن 3 على الأقل من أبناء بوجول الكبار هم أيضا قيد التحقيق للاشتباه في ارتكابهم جرائم مالية تتراوح بين غسل الأموال والرشوة. ومن المتوقع أن يمثل أحدهم أمام المحكمة الوطنية الإسبانية بعد غد (الاثنين). ومع ذلك تتزايد أيضا صعوبة موقف راخوي.
اسكوتلندا الآن تسبب صداعا في مدريد، خصوصا بعدما عرضت الحكومة البريطانية المركزية حديثا بعض التنازلات لاستمالة الناخبين في اسكوتلندا، وفقا لأنطونيو رولدان المحلل في مجموعة أوراسيا وهي مركز أبحاث في لندن.
وأشار إلى أن «لندن تقدم تفويضا كبيرا من السلطات الإضافية إلى الاسكوتلنديين لتحفيزهم من أجل البقاء جزءا من الاتحاد، وهو ما يجعل راخوي أكثر صرامة، بانتهاج استراتيجية غير متعاونة».
ولا يزال راخوي لديه مخاوف بشأن ما إذا كان تقديم تنازلات لكتالونيا سيشيح عن مطالب مماثلة من مناطق أخرى، تحت قيادة إقليم الباسك، التي برزت في الآونة الأخيرة بعد عقود من العنف الانفصالي.
ويمثل تعداد سكان كتالونيا الذي يبلغ 7.5 مليون نسمه نحو 16% من تعداد سكان إسبانيا و19% من الناتج المحلي الإجمالي لإسبانيا. ويعد إقليم الباسك، الذي يبلغ تعداد سكانه 2.2 مليون نسمة، أغنى منطقة في إسبانيا بالنظر إلى الفرد الواحد، وبما يصل إلى 6% من الناتج المحلي الإجمالي.
وقالت مونتسي بوسك، وهي مدرسة بمرحلة رياض الأطفال، وسافرت من فيلافرانكا ديل بينيديس (تبعد نحو 30 ميلا من برشلونة): «لقد ضقنا ذرعا بقولهم لنا إننا نعيش في دولة ديمقراطية في الوقت الذي لا نستطيع فيه إبداء رأينا».
وحذرت بوسك من أن رفض مدريد للسماح بإجراء التصويت في نوفمبر (تشرين الثاني) سيثير حالة «عصيان مدني». وقالت إن المظاهرة السلمية التي خرجت أول من أمس أظهرت أن الحملة الانفصالية لم يكن وراءها متطرفون: «ليس لدينا شيء ضد إسبانيا، ولكننا لا نريدها سوى أن تكون جارة صديقة لنا».
وكان راخوي وماس على خلاف لمدة عامين، بعد رفض راخوي منح كتالونيا معاملة مالية تفضيلية بشكل أكبر، ولكن الاثنين التقيا في يوليو (تموز) الماضي فيما وصفه ماس بأنه «مناخ من الحوار المفتوح».
وقال ماس في كلمة ألقاها أول من أمس إنه يأسف لمماطلة راخوي «ولكننا على استعداد للتصويت يوم 9 نوفمبر (تشرين الثاني)». وقال ماس إن المظاهرة لم تكن عملا استفزازيا من قبل الكتالونيين تجاه الدولة الإسبانية، ولكن «لإثبات أننا نريد التصويت، نحن أمة ونريد أن نقرر مستقبلنا السياسي».
وقال بعض المتظاهرين إن الحكومة الكتالونية فقدت الكثير من مصداقيتها بسبب صلاتها ببوجول، الذي خلفه ماس بوصفه زعيما للحزب. وقال جوسيب ماريا برو، أحد رجال الإطفاء الذين حضروا المظاهرة جنبا إلى جنب مع عائلته، إن فضيحة بوجول «منافية للسيادة، ولكن ما يظهره ذلك حقا هو أن السياسيين فاسدون في أي مكان».
وكان أنطونيو لوبيز، وهو متقاعد، من بين كثير من الناس الذين قاموا بارتداء القميص الرسمي للمظاهرة، الذي يحمل علامة التصويت، وهو يردد شعار «حان الوقت الآن». وقال إن تكلفة القميص 15 يورو، ولكنه دفع 20 يورو، لأن «هذه قصية نبيلة». ورغم ذلك أقر لوبيز بأن الوقت ربما لا يزال بعيدا لبعض السنوات، نظرا لفيتو مدريد. وأضاف: «لا أعتقد أنني سأشهد كتالونيا وهي مستقلة، ولكنني هنا أيضا لضمان أن يحصل أحفادي على الأقل على الاستقلال».