مدير وثائقيات «بي بي سي عربي»: نسعى للتوسع في الخليج والمغرب العربي

في عام 1988، بعد أشهر قليلة من الهجوم الكيماوي الذي شنّه صدام حسين على حلبجة، قرّر الصحافي البريطاني كريستوفر ميتشل الانضمام كباحث إلى طاقم فريق عمل وثائقي يجرّم صدام. الفيلم وقتها كان من إنتاج القناة الرابعة البريطانية، وكان لصانع الأفلام الوثائقية غوين روبرتس، الصحافي الذي كرّس معظم سنواته المهنية لتوثيق ملف الأكراد.
سافر روبرتس حينها إلى شمال العراق، وجمع عينات من تراب حلبجة، وكان تحت حماية البيشمركة. عاد بالعينات إلى بريطانيا، وقام فريق العمل بتحليلها في مختبر. يتذكر ميتشل عمله الوثائقي الأول عن منطقة الشرق الأوسط، ويقول: «عثرنا على بقايا أسلحة كيماوية في العينات، ما أثبت أن صدام قام باستخدامها، علماً بأنه في تلك الفترة رفض بعض السياسيين البريطانيين الاعتراف بذلك، واستمرت البلاد في بيع الأسلحة لصدام. لذا كان الوثائقي مهماً جداً».
بعدها، أيقن كرسيتوفر ميتشل أن الوثائقيات الاستقصائية رسالة سامية ومهمة، من شأنها إحداث تغيير للأفضل، وليس فقط سرد قصة أو واقعة. الأمر الذي كشفه في لقاء مع «الشرق الأوسط» في لندن. وأضاف: «اخترت التخصص في منطقة الشرق الأوسط، لأنها واسعة ومليئة بالقضايا الغنية، فهي المنطقة ذات الوزن السياسي والتغير الاجتماعي».
بعد سنوات عمل، ملؤها الإنتاج، في أرشيف ميتشل اليوم عشرات الأفلام الوثائقية. منها واحد يوثق وضع العراق اليوم، وسلسلة تتعمق في قضية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الراحل رفيق الحريري، وعمل آخر عن الصحراء الغربية و«البوليساريو» وغيرها. أعمال متنوعة، وبالنسبة لميتشل: «كل فيلم مهم بطريقة مختلفة، وليس بالضرورة أن يخاطب الحرب أو القرار السياسي، قد يكون إنسانياً أو شخصياً». ويضيف: «غرض الفيلم الوثائقي هو أن يرى المشاهد تجربة شخص آخر، من عيون ذاك الشخص، لذا قد يكون الوثائقي غير متجرد ومحايد، لكن المهم عدم الادّعاء بغير ذلك».
ومنذ نحو عام، تسلم ميتشل إدارة قسم الوثائقيات لدى «بي بي سي عربي» بعد سنوات من إدارة شركة إنتاج مستقلة، وخلال هذا العام استطاع القسم إنتاج كثير من الوثائقيات الاستقصائية، وسرد قصص من قلب المنطقة. ويبقى الهدف الأهم بالنسبة للقسم، وفقاً لميتشل «هو ضمان الموضوعية وتناول آراء جميع الأطراف، مع الإبقاء على تدقيق الحقائق دوماً». ويضيف: «لدينا مدى حرية واسع في (بي بي سي عربي)، ويهمنا إنتاج وثائقيات مؤثرة لأوسع شريحة من المشاهدين، تروي لهم شيئاً لا يعرفونه، وتساعدهم على تفسير العالم والمناخ المتغير دوماً في منطقة الشرق الأوسط».
ويؤكد ميتشل على أهمية دعم المواهب المستقلة في العالم العربي، بقوله: «نسعى لدعم صناع الأفلام العرب، ننتج أفلاماً من داخل (بي بي سي)، ولكننا أيضاً ندعم المواهب المستقلة، ونستمر في بناء شبكة للتواصل والعمل معهم».
وعن أهداف القسم يقول: «هدفنا صنع أفلام رائعة عن قصص لا ترى النور على شاشات منافسينا، كما نسعى إلى توسيع مشروعاتنا المستقبلية في منطقتي الخليج والمغرب العربي». ويعمل القسم حالياً على نهج يخاطب المرأة العربية، ويحاكي واقعها، ويروي تجاربها، وفق ميتشل. ويضيف: «بالتأكيد، نسعى للوصول إلى شريحة الشباب التي تشكل الشريحة الكبرى في منطقة الشرق الأوسط».
ولذلك، يركز قسم الوثائقيات في «بي بي سي عربي» أيضاً على إنتاج محتوى رقمي لمواكبة التطور التكنولوجي، والتفات المشاهدين إلى ذلك العالم. وعن ذلك يقول: «ومن أحدث إنتاجاتنا الرقمية فيلم يوثق انتهاكات حقوق الإنسان في ليبيا. وآخر ذو طابع خفيف عن شابّ مصري خسر أكثر من 50 كيلوجراماً من وزنه». ويضيف: «هذا يؤكد أننا قمنا بتوسيع مجالات الإنتاج، لتشمل المجالات السياسية والشائكة، مثل مشروع يوثق الحرب ضد تنظيم (القاعدة) والإرهاب في اليمن، إلى قصص اجتماعية وخفيفة إلى حد ما».
القسم يغطي 22 دولة، لكن موارده، بحسب مديره، محدودة، لذا ليس بوسعهم صناعة وثائقيات عن كل موضوع يريدونه. ويستطرد بقوله: «لكنني آمل إن ازدادت ميزانيتنا أن نركز أيضاً على صنع أفلام تروي تاريخ المنطقة الحديث».
يؤكد ميتشل على علاقة وطيدة بين «بي بي سي» والصحافيين المواطنين. ويقول: «نحب ونقدر صحافة المواطن، لكن يجب التعامل معها بحذر». ويشرح: «قمنا بالتعامل مع صحافيين مواطنين العام الماضي لإنتاج وثائقي من سوريا، اسمه (حرب سوريا السامة). واستكشف الفيلم أبعاد استخدام النظام السوري للكيماوي، واعتمدنا على صحافيين مواطنين من الداخل، قدّموا لنا محتوى ثميناً». ويضيف: «أعمل حالياً على وثائقي يعتمد على صحافيين مواطنين أيضاً. أهمية صحافة المواطن أنها تخدم حربنا على الأخبار الزائفة، وأصبح يعتمد عليها في منطقة الشرق الأوسط تحديداً، خصوصاً في المناطق المتأثرة بالنزاع ودول ما يسمى بالربيع العربي».
يدير ميتشل قسم الوثائقيات بذات الطريقة التي كان يدير بها شركة إنتاج مستقلة. ويقول: «أحب المرونة لضمان الأفكار المتجددة التي يشاركها المتعاونون، ضمن شبكة قمنا بتوسيعها في المنطقة». ويضيف: «نرحب بمقترحات صناع الوثائقيات، نقوم بدراستها، ولو رأينا أنها تستحق، نقوم بإنتاج الوثائقي».
وعن ارتباطه بالمنطقة يقول: «أسافر كثيراً إلى منطقة الشرق الأوسط، وألتقي صناع الأفلام هناك، فمن المهم جداً تطوير العلاقات المباشرة. وسأشارك بورشة عمل في العاصمة الأردنية عمان في شهر يونيو (حزيران) الحالي، عن الصحافة الاستقصائية. نحن في لندن، لكن يجب أن نعمل بقرب من المواهب في المنطقة».
وعن مواكبة التطور التكنولوجي في صناعة الإعلام، يقول: «نعمل حالياً على توظيف أحدث التقنيات في وثائقياتنا، مثل الواقع الافتراضي، وقمنا في إحدى وثائقياتنا عن الخليل بتوظيف تقنيات وفّرت للمشاهد فرصة تفاعلية، تصطحبه إلى شوارع المدينة». ويضيف: «في وثائقي عن الموصل، وظّفنا إعادة البناء التصويري لكشف ما بداخل أنفاق (داعش)».
يوصي ميتشل أخيراً جميع صناع والثائقيات المحاربة دوماً عند بيع أعمالهم والوقوف ضد تقطيعها وتغيير حقائقها من قبل القنوات، فرضاً للرقابة. ويضيف: «أعي أن معظم صناع الوثائقيات متعاونون، ولذا عليهم إبقاء علاقات طيبة مع القنوات، لكن ليس على حساب محتوى الوثائقيات». ويستطرد: «أبسط وجوه الاعتراض والمحافظة على النزاهة والمهنية قد تتمثل بحذف اسم صانع الفيلم من العمل إذا لم يعد يمثله، والتأكيد دوماً على أن بنود العقد تحمي حرية العمل الصحافي».