كلوب وبوكيتينو اعتمدا على أساسيات الكرة الإنجليزية في السبعينات والثمانينات

بالنسبة لنادي ليفربول، يمكن تلخيص هذا الموسم في إحصائيتين استثنائيتين: 11.7 مليمتر، و64 في المائة. أما الـ11.7 مليمتر فهي التي حرمت ليفربول من هدف في مرمى مانشستر سيتي في يناير (كانون الثاني) الماضي في الدوري الإنجليزي الممتاز، عندما سدد اللاعب السنغالي ساديو ماني الكرة واصطدمت بالقائم لترتد وتصطدم مرة أخرى بلاعبي مانشستر سيتي قبل أن يُخرجها أحد لاعبي سيتي وهي في طريقها إلى داخل الشباك. وقد أشارت التكنولوجيا الخاصة بخط المرمى إلى أن الكرة كانت على بُعد 11.7 مليمتر فقط من تجاوز خط المرمى بالكامل، وبالتالي لم تحتسب هدفا، وانتهت المباراة بفوز مانشستر سيتي بهدفين مقابل هدف وحيد، وهي المباراة التي كانت نتيجتها حاسمة إلى حد كبير في صراع الفريقين على لقب الدوري الإنجليزي الممتاز هذا الموسم.
أما نسبة الـ64 في المائة فتشير إلى دقة تمريرات لاعبي ليفربول في المباراة النهائية لدوري أبطال أوروبا أمام توتنهام هوتسبر. وفي الحقيقة، من الصعب أن نتخيل أن ليفربول قد فاز بلقب البطولة الأقوى في القارة العجوز بهذه النسبة الهزيلة فيما يتعلق بدقة التمريرات في المباراة النهائية.
وعلاوة على ذلك، وصل معدل التمريرات الصحيحة لليفربول في دوري أبطال أوروبا إلى 79.9 في المائة، ليكون الفريق في المركز الحادي والعشرين من بين الـ32 فريقا الذين وصولوا إلى دور المجموعات وما بعده هذا الموسم. ويبدو أن لاعبي ليفربول يكونوا سعداء وهم يلعبون بشكل يحمل قدرا كبيرا من المغامرة، خاصة أنهم يعتمدون على إيقاع سريع للغاية في اللعب. وعلاوة على ذلك، يجيد لاعبي ليفربول استعادة الكرة في أسرع وقت ممكن، وهو ما قد يعني أنهم قد لا يهتمون كثيرا بمسألة الاستحواذ على الكرة، كغيرهم من الفرق الأخرى، لكنهم يعطون أولوية أكبر لنقل الكرة للأمام بأقصى سرعة ممكنة، وهو الأمر الذي قد يفسر انخفاض معدل التمريرات الصحيحة.
وقد تكون السرعة أكثر جدوى وفائدة من الدقة في التمرير - أو على الأقل، فإن هذا هو ما اعتاد عليه لاعبو ليفربول. وخلال هذا الموسم، كان ليفربول أكثر تماسكا وتحكما في إيقاع المباريات. وفي الدوري الإنجليزي الممتاز، وصل معدل التمريرات الصحيحة إلى 84.4 في المائة، مقارنة بـ83.8 في المائة الموسم الماضي. ولم يعد الفريق يضغط بالشكل الذي كان يقوم به في الماضي، وبالتالي انخفض معدل استخلاص الكرة في الثلث الأخير من ملعب الفريق المنافس بنسبة 9 في المائة تقريبا. وارتفع عدد التمريرات المتتالية لعشرة تمريرات أو أكثر ثم التسديد على المرمى بنسبة 21.5 في المائة.
ومع ذلك، لم يكن أي من الطريقتين – سواء الضغط الشديد على الخصم كما كان الأمر في السابق، أو الأسلوب الحديث الذي يعتمد على اللعب السريع للأمام – موجودا بشكل ملحوظ في المباراة النهائية لدوري أبطال أوروبا أمام توتنهام هوتسبر. وقد تحقق أعظم انتصار لنادي ليفربول في 14 عاماً، والانتصار الذي وضع حدا لسلسلة الهزائم التي تكبدها المدير الفني الألماني يورغن كلوب في ست مباريات نهائية على التوالي، بعد الفوز في المباراة النهائية بدقة تمريرات وصلت إلى 64 في المائة فقط! ولكي نضع ذلك في الإطار الصحيح، فإن هذه النسبة تزيد بـ0.1 في المائة فقط عن دقة تمريرات نادي كارديف سيتي خلال الموسم الحالي، وأقل من أي نادي آخر في الدوري الإنجليزي الممتاز، كما أنها أقل بنسبة 7 في المائة عن نادي كرفينا زفيزدا الصربي، الذي كان الأقل من حيث دقة التمريرات بين كل الفرق في دور المجموعات بدوري أبطال أوروبا هذا الموسم.
وتشير هذه الإحصائيات إلى حقيقة أن أيا من الفريقين لم يكن في أفضل حالاته في تلك المباراة، وربما يفسر هذا السبب وراء عدم رغبة كلوب في الحديث عن الأمور الفنية والخططية للنهائي ورده بابتسامة عندما سئل عما إذا كان ليفربول لم يلعب بشكل جيد في هذه المباراة. وفي بعض الأحيان، يكون الإصرار واللعب بحذر مطلوبين، وهو ما فعله ليفربول في هذا اللقاء.
أما الأسباب التي جعلت هذه المباراة تخرج بهذه الصورة غير الممتعة فهذه قضية أخرى، وقد يكون هذا أمرا لا مفر منه عندما يلتقي فريقان يعتمد كل منهما على الضغط على الفريق المنافس؛ حيث يدخل الفريقان في صراع بدني كبير ولا يكون هناك وقت للإبداع والمتعة. ويمكن القول بأن كلوب وماوريسيو بوكيتينو قد أعادا الروح التي ساعدت الأندية الإنجليزية على الهيمنة على كرة القدم الأوروبية في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي. وبالتالي، لم يكن من المفاجئ أن ينتهي الأمر بمباراة تذكرنا بتلك الأيام التي كانت تنتهي فيها كل مباراة بنتيجة هدف دون رد.
وكانت هذه المباراة على وشك أن تنتهي بهدف دون رد أيضا، لولا الهدف الذي أحرزه ديفوك أوريجي في وقت متأخر من اللقاء، وهو الهدف الذي جاء بطريقة تذكرنا بطرق اللعب الإنجليزية القديمة، في ظل ارتباك واضح من اللاعبين وانتقال الكرة من رأس إلى رأس قبل أن تسقط أمام أوريجي الذي وضعها في المرمى.
ومع ذلك، لا يعد هذا تفسيرا كافيا للطريقة غير الممتعة التي كانت عليها المباراة. لقد كانت هذه المباراة هي العاشرة بين كلوب وبوكيتينو، وكان معظم هذه المباريات يتسم بالإثارة والمتعة. وربما تأثرت هذه المباراة بشعور اللاعبين بالتوتر لأنها النهائية لأقوى بطولة في القارة، أو ربما تأثرت بالأجواء الحارة، أو ربما تأثرت بفترة التوقف وعدم خوض اللاعبين لأي مباراة منذ ثلاثة أسابيع - وهو الأمر الذي أثر سلبيا أيضا على الشوط الأول للمباراة النهائية للدوري الأوروبي بين آرسنال وتشيلسي.
وربما تأثرت المباراة أيضا بحقيقة أن كلا المديرين الفنيين يعرف الآخر جيدا، وأن كلا منهما يعرف كيف يتدخل ليفسد خطة الآخر، خاصة أنه كان أمام كل منهما ثلاثة أسابيع كاملة لدراسة الفريق المنافس وإعداد الخطط التكتيكية للمباراة. ودائما ما كان كلوب يعتمد على طريقة 4 - 3 – 3، لكن بوكيتينو تخلى عن اللعب بثلاثة لاعبين في الخط الخلفي كما فعل أمام ليفربول على ملعب «آنفيلد» واعتمد بدلا من ذلك على طريقة 4 - 2 - 3 – 1، ودفع باللاعب الكوري الجنوبي سون هيونغ مين أمام الظهير الأيمن لليفربول ترينت ألكسندر أرنولد. وربما يفسر هذا حقيقة أن ألكسندر أرنولد لم يكمل سوى ثماني تمريرات من 28 تمريرة لعبها في المباراة، وكان من بينها كرة عرضية واحدة.
وبمجرد أن تقدم ليفربول بالهدف الأول، الذي أحرزه محمد صلاح من ركلة جزاء، بدأ يعتمد بصورة أكبر على النواحي الدفاعية. ربما لم يكن الأمر يتعلق بخطة معدة مسبقا للمباراة، لكن ما حدث خلال اللقاء كان يصب في مصلحة ليفربول.
وقال كلوب في فبراير (شباط) الماضي بعد تعادل ليفربول سلبيا أمام مانشستر يونايتد على ملعب «أولد ترافورد»، والذي جاء بعد خمسة أيام فقط من التعادل السلبي على أرضه أمام بايرن ميونيخ: «لقد تغير شيء ما في عالم كرة القدم، وقد تكيف الجميع معه ويتعين علينا أن نتأكد من قدرتنا على التكيف معه أيضا». صحيح أن هذا ليس عصرا يعتمد على كرة القدم الدفاعية، لكن في ظل امتلاك ليفربول لكل من فيرجيل فان دايك وجويل ماتيب، اللذين يتفوقان في العناصر التقليدية للدفاع – اللعب بالرأس والرقابة وقطع الكرات، فإن ليفربول قد اكتشف أنه يمتلك ميزة كبيرة تمكنه من المنافسة بكل قوة.