فشل مشروع «سرية غرباء فلسطين»

منذ الخريف الماضي، بدأت الأنباء في مخيم عين الحلوة تتحدث عن عودة اثنين من كبار المطلوبين للسلطات اللبنانية إلى المخيم، بعدما كانا غادرا المخيم إلى الشمال السوري. لم تستقر المعلومات على وقائع دامغة، إلى أن أكدت مصادر فلسطينية ولبنانية لـ«الشرق الأوسط» أن اثنين من المطلوبين نجحا بالدخول إلى مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين في جنوب لبنان مرة أخرى، وتواريا داخله.
وقالت المصادر إن الفلسطينيين هما بلال بدر وهيثم الشعبي المعروف باسم أبو مصعب المقدسي، مشيرة إلى أن هذين الشخصين «عادا بالسر، وتواريا عن الأنظار». ولفتت المصادر إلى أن التهامس حول عودتهما «أثار بلبلة رغم أنه لا نشاط لهما، ولا يتمتعان الآن بأي حيثية»، مشددة على أنه «لا أحد استطاع أن يحدد موقع بلال بدر».
وبحسب المصادر، فإن بلال بدر «استفاد من إنجاز أمني له يتمثل بأنه لا صورة له، وهو غير معروف، لذلك لا يمكن التعرف عليه، ولم يشاهده أي أحد في السابق، وهي ميزة تخول له الدخول والخروج وفق آلية تخفٍّ أمني، لا يستطيع أحد اكتشافها»، مشددةً على أنه «لا تواصل له مع أحد، ولا نشاط له أصلاً، وبالتالي، هو موجود ومختبئ بلا أي حيثية». وفي يناير (كانون الثاني) 2018، تأكد بالنسبة للبنانيين والفلسطينيين وجود بلال بدر، أحد أبرز المطلوبين للدولة اللبنانية، في شمال سوريا حيث التحقوا بـ«هيئة تحرير الشام» في إدلب. وبدأت المعلومات التي تتحدث عن عودتهم إلى المخيم، في الصيف الماضي، لكنهم تواروا عن الأنظار.
ولم ينفِ نائب قائد الأمن الوطني الفلسطيني اللواء منير المقدح، كما لم يؤكد، عودة بعض المطلوبين إلى المخيم، بعد خروجهم منه. وقال لـ«الشرق الأوسط»: «حُكي أنهم ذهبوا إلى سوريا، وهو ما لم يتيقن منه أحد، كما حُكي أنهم عادوا، وهو أمر أيضاً لم يؤكده أحد»، مشيراً إلى أن شخصيات مشابهة «تتوارى عن الأنظار، وتختفي وتظهر، وتتحدث معلومات عن خروجها ودخولها، لكننا لا نعرف كيف يخرجون ولا كيف يدخلون». وأشار المقدح إلى أن المعلومات التي بحوزة قوى الأمن الوطني الفلسطيني «تؤكد أن هيثم الشعبي لم يغادر إلى سوريا، وأنه بقي في المخيم، لكنه متوارٍ عن الأنظار».
وشدد المقدح على أن هؤلاء «لا خطر يترتب على وجودهم»، موضحاً أنهم «لا يشكلون خطراً على المخيم ولا على الجوار». وقال: «كل الأمور تحت السيطرة، والوضع الأمني جيد، والتنسيق مع الدولة اللبنانية ووحدة الموقف الفلسطيني يساهمان إلى حد كبير في تثبيت هذا الأمان القائم». وأكد أنه «رغم أنه في فترة ما كان الوضع صعباً، فإننا لم نسمح لأي تدهور أمني بأن يحصل، والآن نؤكد أن الوضع جيد، ولن نسمح بأي تطورات تهدد الأمن».
ويجزم المقدح بأنه «لا خطر يترتب على وجود هؤلاء في المخيم». ويقول: «تبددت المخاوف منهم حتى عندما كانوا موجودين وقبل رحيلهم، فهؤلاء لا يشكلون أي خطر استراتيجي على المخيم ولا على الجوار بعد الضربات التي تلقوها، وكان آخرها قبل عام ونصف العام». ويقول: «الأمان ينطلق من أن المشروع الكبير للمتشددين على حدود لبنان الشرقية تم ضربه، وأسهمت الضربات الاستباقية للأجهزة الأمنية اللبنانية والإجراءات الفلسطينية بالتنسيق مع الدولة اللبنانية في إنهاء تحركاتهم، وتحجمت حالاتهم».
وتتحدث مصادر فلسطينية في المخيم لـ«الشرق الأوسط» عن أن أحد المطلوبين من آل المصري يخرج من المخيم ويعود إليه، بينما «هيثم الشعبي موجود في الطوارئ، ولم تثبت المعلومات خروجه إلى إدلب في السابق»، أما بلال بدر «فثمة معلومات عن أنه عاد، لكنه يتوارى عن الأنظار، ولم تُرصَد أي حركة له أو وجود، ولا تأثير له». ولدى السؤال عن طرق الخروج والعودة، قالت المصادر: «ثمة خطوط مفتوحة مع مهربين، وقد يكون بعض المتعاونين معه (المتطرفين) من المنتمين إلى فصائل فلسطينية متعددة، وقد يتعاطف بعضهم مع المتشددين، وهو ما يسهّل الخروج والعودة والتخفي».
فشل المطلوبون الفلسطينيون واللبنانيون الذين غادروا مخيم عين الحلوة في جنوب لبنان إلى إدلب في شمال سوريا، في تأسيس كيان عسكري خاص بهم، وسط التوترات الأمنية والتشظي في الولاءات الذي تعانيه الفصائل في شمال سوريا، وهو ما أفقد وجودهم التأثير والحيثية، فاختار بعضهم العودة، ونجح بلال بدر على الأقل، وآخر كان ينتمي إلى «جبهة النصرة»، بالدخول إلى مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين في جنوب لبنان مرة أخرى، وتواريا داخله.
وبدأت التحضيرات لإنهاء الظاهرة الأمنية في المخيم، في عام 2017، مع نهاية وجود المتطرفين على الحدود الشرقية الحدودية مع سوريا، إثر معركتين خاض «حزب الله» اللبناني أولهما ضد «جبهة النصرة» في جرود عرسال، والثانية خاضها الجيش اللبناني ضد «داعش» في جرود راس بعلبك والقاع، أنهت وجود المتشددين على الحدود. منذ ذلك الوقت، بدأ الحديث عن تسوية يمكن أن تجنب المخيم أزمة قتال، أسوة بمقاتلي «داعش» و«النصرة» الذين خرجوا باتجاه العمق السوري في الشمال أو الشرق. لكن السلطات اللبنانية أعلنت رفضها لأي تسوية مشابهة، بينما أعلن في وقت لاحق عن تسرب المطلوبين، وبث بعضهم مقاطع فيديو لوجودهم داخل سوريا، ما رسم علامات استفهام حول طريقة خروجهم بالتواري، وهو ما فتح شهية الأسئلة حول ما إذا كان هناك غض نظر أمني، لإنهاء حالة التوتر في المخيم.
وفي ربيع عام 2017، أعلن الفلسطيني بلال بدر الذي يُصنّف كأحد أخطر المتشددين في مخيّم عين الحلوة مغادرته إلى سوريا، حيث استقر في محافظة إدلب شمال غربي سوريا التي تسيطر عليها «هيئة تحرير الشام»، وذلك بعد ضغوط من الفصائل الفلسطينية تطالب المطلوبين أمنياً بمغادرة المخيّم الذي شهد جولات قتال بين تلك الفصائل والمتشددين الذين تنامى عددهم في السنوات الأخيرة بشكل ملحوظ، حتى إنهم باتوا يشكلون تهديداً للمخيم.
واختبر المخيم منذ 2017، معركتين قاسيتين ضد المطلوبين والمحسوبين على فصائل متطرفة، كان آخرها، وأقساها، في 2018، وكانت نهاية لهذا الوجود المتطرف، سواء للبنانيين المطلوبين في داخله أم للفلسطينيين. وعلى أثر الأنباء عن خروج المطلوبين البارزين من المخيم إلى إدلب في شمال سوريا، تحدثت معلومات عن تجمع هؤلاء تحت لواء فصيل عسكري واحد حمل عنوان «سرية غرباء فلسطين». هذه السرية تشكلت إثر لقاء الفلسطينيين الفارين من مخيم عين الحلوة. وضمَّت السرية بلال بدر ونحو 10 فلسطينيين من عين الحلوة، إضافة إلى فلسطينيين من الأردن وسوريا.
لكن مصادر مواكبة لحركة هؤلاء في إدلب أبلغت «الشرق الأوسط» أن الفصيل الذي تم تشكيله وحمل اسم «غرباء فلسطين»... «لم يُكتب له النجاح»، مرجعاً السبب إلى «قلة عدد الخارجين إلى إدلب، والمنضوين في السرية». وقالت: «قتل أبرزهم الشيخ إبراهيم خزعل المعروف بأبو محمد الفلسطيني في معارك بشمال سوريا»، وهو مَن أسَّس السرية بعد أن التقى بأمير «جبهة النصرة»، أبو مالك التلّي، وعدد من قيادات الصف الأول في «هيئة تحرير الشام» بإدلب. وأشارت المصادر إلى أنه «لم يبقَ من المغادرين إلى إدلب سوى اللبناني شادي المولوي».
ويقول سكان المخيم إن المطلوبين للدولة اللبنانية كانوا يُقدّرون قبل عام 2016 بنحو 150 شخصاً، غادر بعضهم المخيم، فيما أوقفت الأجهزة الأمنية اللبنانية البعض الآخر من المطلوبين الخطرين في عمليات أمنية داخل المخيم بتنسيق مع القوى الأمنية الفلسطينية، فيما سلمت القوى الفلسطينية بعضهم إلى الدولة اللبنانية. أما الباقون في المخيم، فلا يتعدى عددهم أصابع اليد، وغير مؤثرين.