حالة استقطاب هندية غير مسبوقة محورها مودي

«ماذا سيحدث في اعتقادك في الانتخابات؟ من سيشكل الحكومة المقبلة؟»، هكذا تبدأ غالبية المحادثات حول الأوضاع السياسية في الهند هذه الأيام، وذلك بعد انتهاء ماراثون الانتخابات الوطنية الهندية، المؤلف من سبع مراحل لتشكيل البرلمان الـ17 بالبلاد. واليوم، تشير غالبية التوقعات إلى إعادة انتخاب رئيس الوزراء ناريندرا مودي.
ورغم تنوع حصيلة الأصوات التي فاز بها من ولاية لأخرى، توقعت غالبية استطلاعات الرأي فوز «التحالف الديمقراطي الوطني» الذي يقوده حزب «بهاراتيا جاناتا» الذي ينتمي إليه مودي، في الانتخابات، بأغلبية أقل عن الانتخابات السابقة، لكنها ستظل أغلبية لا بأس بها. وتشير استطلاعات الرأي إلى أن «التحالف الديمقراطي الوطني» سيفوز بما يتراوح بين 267 و350 مقعداً، وأن الاحتمال الأكبر أنه سيتجاوز النصف، والبالغ 272 مقعداً.
كان الاستطلاع الذي أجرته مؤسستا «إيه بي بي» و«نيلسن» الوحيد الذي توقع فوز التحالف بـ267 مقعداً، ما يقل قليلاً عن نصف المقاعد. جدير بالذكر أنه في عام 2014، فاز «بهاراتيا جاناتا» بـ282 مقعداً، بينما فاز «التحالف الديمقراطي الوطني» بـ336 مقعداً.
وجاءت التوقعات الأخيرة لاستطلاعات الرأي مخيبة للآمال بشدة بالنسبة لأحزاب المعارضة. وتبعاً لأحدث الاستطلاعات، لم يتحسن أداء حزب «المؤتمر»، رغم الجهود التي بذلها الحزب العريق لتطوير أدائه، ومنها الدفع بشقيقة رئيسة حزب «المؤتمر»، بريانكا غاندي، إلى حلبة التنافس السياسي.
من جهته، قال شاشي تهارور، عضو البرلمان عن حزب «المؤتمر»، «أعتقد أن استطلاعات الرأي جميعها خاطئة. في أستراليا خلال عطلة نهاية الأسبوع الماضي، ثبت خطأ 66 استطلاعاً للرأي. وفي الهند، لا يخبر الكثير من الناس، القائمين على استطلاعات الرأي، بالحقيقة خوفاً من أن يكونوا تابعين للحكومة. لذا، سيتعين علينا الانتظار حتى يوم 23 للتعرف على النتيجة الحقيقية».
وكرر الرأي ذاته المتحدث الرسمي باسم حزب «المؤتمر»، ساجاي جهاي، الذي قال: «الناخب الصامت سيكون الملك المتوج في 23 مايو (أيار) 2019. أما نتائج استطلاعات الرأي فتثير السخرية».

استقطاب الناخبين وصدع مستقبلي
وسيجري غداً الكشف عن الفائز الحقيقي، لكن عدداً من المعلقين السياسيين يدعون أن هذه كانت واحدة من الانتخابات الأكثر استقطاباً. والملاحظ أن انتخابات عام 2019 لاختيار أعضاء البرلمان الهندي شهدت حملات انتخابية ومناخاً سياسياً عامة مختلفين تماماً عما ساد أثناء الانتخابات التي جاءت بمودي إلى سدة الحكم منذ خمسة أعوام.
من جهته، قال روشير شارما، مؤلف كتاب «الديمقراطية على الطريق: صعود وسقوط الأمم والأمم الطارئة»، الذي قام برحلات في مختلف أرجاء الهند على امتداد الأعوام الـ30 الماضية خلال فترات الانتخابات: «لا أتذكر وقتاً كانت الهند على هذه الدرجة من الاستقطاب أثناء الانتخابات خلال الأعوام الـ30 الماضية. اليوم، انقسم الهنود بين من يحب مودي ومن يكرهه. وأصبح هذا الشعور السائد بمعظم أرجاء البلاد. ولا أعتقد أن البلاد سبق وكانت على هذه الدرجة من الاستقطاب على مستوى الطبقات أو الدين أو الإقليم أو القيادة مثلما هي اليوم».
وتعمد الناخبون انتقاء القضايا التي تلائم تحيزاتهم، وقال شارما: «الشخص الذي صوت لصالح (بهاراتيا جاناتا) سيخبرك عن مدى روعة أدائهم خلال السنوات الخمس الماضية. وسيقول إنهم وفروا خدمات صرف صحي وكهرباء وطرق أفضل، وعززوا الأمن الوطني. اطرح السؤال ذاته على آخرين، وستحصل على إجابات مناقضة تماماً. لذا يظهر السؤال: أين الحقيقة؟ هذا ما أجده مذهلاً في هذه الانتخابات، فهي لم يكن بها قضايا، لأن القضايا حسمت نتائجها الطبقة والديانة».
جدير بالذكر أن استراتيجية «بهاراتيا جاناتا» القائمة على العمل على تعزيز أصوات الهندوس، أتت بنتائج إيجابية للحزب عام 2014. ومع انقسام أصوات المسلمين بين الكثير من الأحزاب، حصل «بهاراتيا جاناتا» على تفوق غير مسبوق. وبفضل التغطية الإعلامية الحماسية، تحولت الانتخابات الوطنية الحالية إلى معركة انتخابية حامية الوطيس، على غرار ما شهدته الانتخابات الرئاسية الأميركية السابقة، مع التركيز بصورة خاصة على التشاحن بين ناريندرا مودي وراهول غاندي. وفي خضم هذا الخطاب، وجد المرشحون المحليون أنفسهم ضائعين.
من جانبه، قال الناشط الاجتماعي فيشال شارما، إن الحملات الانتخابية لانتخابات عام 2019 ملأت البلاد بقدر بالغ من السلبية، لدرجة أن أقرب الأصدقاء انفصلوا إلى كتلتين: معسكر مؤيد لمودي وآخر معادٍ له.
وقال شارما إنه رغم انتهاء التصويت في 19 مايو، فإن الضرر الذي ألحقته هذه الانتخابات بنسيج المجتمع الهندي سيبقى لسنوات، وربما عقود، حال عدم التحرك فوراً لكبح جماح مثل هذه السياسات السلبية.
بوجه عام، يجري النظر إلى هذه الانتخابات باعتبارها تصويتاً على شعبية مودي. والملاحظ أن حملة «بهاراتيا جاناتا» الانتخابية ركزت هي الأخرى على مودي، وليس شخص المرشح المحلي.
تمكن المقارنة بين مودي ورئيس وزراء الهند جواهر لال نهرو من حيث القدرة على الهيمنة على النقاشات السياسية الجارية على الساحة، تبعاً لما ذكره هارش بانت بروفسور العلاقات الدولية في «كينغز كوليدج» بلندن. وأضاف بانت: «يهيمن مودي على الرسالة السياسية على نحو استثنائي. ويتبعه الشباب لانبهارهم بقصته، وشعورهم بأنه إذا كان قد نجح في إنجاز ما أنجزه، فإنهم أيضاً قادرون. إن لديه هالة تشبه الهالة المميزة لشخصية نهرو. في العادة، ثمة معارضة قوية لفكرة إعادة انتخاب الحزب الحاكم في الهند، لكن ليس هناك اليوم مؤشرات على أن الناس ينسحبون بعيداً عنه». ومع هذا، يرى بانت وآخرون أن التأثير الحقيقي لمودي سينكشف فقط عندما ينجز فترة ثانية في السلطة.

المسلمون والمعضلة الصعبة
على ما يبدو، هناك حالة من تسلط الأغلبية تزحف على المشهد السياسي الهندي بمختلف أرجاء البلاد، إذ كان من شأن الحشد المتنامي للهندوس تحت راية «بهاراتيا جاناتا» أن يفاقم الشعور بعدم الأمان في أوساط الهنود المسلمين. وثمة جدال قوي بين المسلمين حول من سيحكم البلاد خلال الفترة المقبلة، واللافت أنه رغم امتلاك المسلمين الأعداد اللازمة لحسم نتائج الانتخابات حول 100 مقعد بمختلف أرجاء البلاد، فإنهم يلتزمون الصمت حيال اختياراتهم الانتخابية. واليوم، يشعر المسلمون بأنهم أصبحوا منبوذين ومحاصرين ما بين العداء الصريح من جانب اليمين المتطرف ومخاوف التيار العلماني.
وعلى الصعيد الخاص، بدأ بعض المسلمين في وصف أنفسهم بالمنبوذين السياسيين الجدد، ذلك أنه لم يسع أحد من الأحزاب السياسية لكسب أصواتهم علانية، فيما عدا الدوائر الانتخابية التي يشكلون فيها الأغلبية الحاسمة. ونظراً لإدراكها لحالة الحشد في صفوف الهندوس، سعت الكثير من أحزاب المعارضة لاتباع صورة أكثر اعتدالاً من الخطاب الموالي للهندوسية سعياً لكسب أصوات الهندوس. وعليه، تراجعت القضايا محل اهتمام المسلمين إلى الخلفية خلال الانتخابات.
في هذا الصدد، قال آثار حسين، مدير مركز البحث والتطوير الموضوعي: «خلال السنوات الخمس الماضية، جرى النظر إلى الآيديولوجية المهيمنة على الخطاب السياسي باعتبارها تنشر الكراهية. ويتمثل التحدي القائم أمام المسلمين اليوم في كبح جماح هذه الآيديولوجية، وليس التمكين السياسي».
وتتمثل المعضلة الكبرى أمام المسلمين خلال انتخابات عام 2019 في ندرة الخيارات، فالحزب الحاكم «بهاراتيا جاناتا» ربما لا يرغب في أصواتهم، بينما يعلم حزب «المؤتمر» أن المسلمين كمجتمع أقلية لا ملجأ أمامهم سواه.
يذكر أنه عام 2014، جرى انتخاب 23 مسلماً في البرلمان، في واحد من أدنى مستويات التمثيل لهم منذ عام 1952. وأعقب ذلك تهميش متنامٍ للنواب المسلمين. وبينما لا توفر الأحزاب التي تشكل التيار الرئيس فرصاً كافية أمام المسلمين للمنافسة في الانتخابات عبر قوائمها، يجري تصوير الهوية المسلمة باعتبارها متعارضة مع الخطاب القومي الحالي.