جماعة «المهاجرون» في بريطانيا تعيد تجميع صفوفها

فيما تعتري حالة من القلق العديد من الدول الأوروبية بشأن عودة المتطرفين من عناصر تنظيم «داعش» الإرهابي من سوريا والعراق، فإن بريطانيا تواجه مشكلة مختلفة تتمثل في عودة ظهور خلية إرهابية محظورة نشأت على أراضيها أطلقت على نفسها اسم «المهاجرون». ويعد التنظيم العائد المتورط في تفجيرات لندن 2005 أحد أكثر الشبكات إفرازاً للمتطرفين.
وعملت الحكومة البريطانية عقب وقوع هذه الاعتداءات على اعتماد قانون لمكافحة الإرهاب وشرعت بالفعل في اتخاذ إجراءات صارمة ضد المتطرفين وحكمت على العديدين منهم بالسجن وعلى بعضهم بالإقامة الجبرية لعشر سنوات أو أكثر.
الاثنين الماضي، التقطت صورة للمتطرف أنجم تشودري، أحد مؤسسي تنظيم «المهاجرون» الأصولي المحظور، مرتدياً عباءة بيضاء طويلة وأسفلها جهاز إلكتروني أسود اللون ثبتته الأجهزة الأمنية عند كاحل قدمه لتعقبه. وكان مسؤولون حكوميون بريطانيون قد أكدوا أن تشاودري، أحد أكثر الدعاة الإسلاميين تطرفاً في بريطانيا، قد حصل على قرار بإطلاق سراح مشروط من فندق مخصص للإقامة الجبرية بعد أن أمضى أكثر من نصف عقوبة السجن الطويلة لتحريضه على مساندة تنظيم داعش الإرهابي.
لا يزال تشاودري حتى الآن يخضع لمراقبة صارمة، لكنه بدأ تدريجياً يعود إلى حياته الطبيعية ليصبح إنساناً كامل الحرية، لكنه ليس الوحيد في هذا الصدد.
بعد أن قضى الأعضاء بشبكة تشودري القديمة عقوبة السجن، فقد جرى إطلاق سراحهم جميعاً من مراكز الاعتقال. والعجيب في الأمر أنهم ما لبثوا أن خرجوا من السجون حتى عادوا إلى حشد صفوفهم وتعهدوا بالعودة إلى النهج المتطرف وإلى شن حملة للدعوة إلى القضاء على الديمقراطية في بريطانيا وتأسيس دولة «داعش» وتطبيق أحكام الشريعة على أراضيها، بحسب لقاءات صحافية أجريت مع عدد من العناصر السابقة.
حملت جماعة «المهاجرون» التي تأسست عام 1996 العديد من الأسماء خلال تلك السنوات واستمرت في السخرية من أجهزة الأمن البريطانية من خلال قدرتها على مواصلة العمل رغم حظرها عام 2006 لارتباطها بالإرهاب. وبعد فترة خمول، عاودت الجماعة حشد صفوفها بعد أن غيرت اسمها وتبنت تكتيكات أقل وضوحاً من سابقاتها واستخدمت تطبيقات مشفرة عبر الإنترنت وعقدت لقاءاتها في سرية تامة. وبحسب عضو سابق في الجماعة، فقد عاودت الشبكة عقد لقاءاتها في شرق لندن، تحديداً مدينة «لوتون» وكذلك ببلدة «بدفوردشاير» المجاورة.
وفي السياق ذاته، قال ليث، العضو السابق بجماعة «المهاجرون» الذي اكتفى بالتصريح باسمه الأوسط فقط خشية الملاحقة القضائية، إن «المسلمين يتعرضون لاعتداءات بمختلف أنحاء العالم، ومهمتنا الآن باتت أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى. ومع خروج شودري وباقي الأخوة من السجون، فقد حان الوقت لإعادة حشد الصفوف والعمل بصورة أقوى من ذي قبل».
إن إمكانية عودة ذلك التنظيم المحظور للظهور مجدداً تمثل مصدر قلق بالغاً للسلطات البريطانية. الأسبوع الماضي أصدر أندرو باركر، مدير وحدة مكافحة الاستخبارات الداخلية البريطانية «إم أي 4»، تحذيراً عاماً نادراً ما يصدر عن الجهاز الأمني بشأن خطورة استمرار تهديد تلك الشبكة الإرهابية المتعاطفة مع تنظيم «داعش» الإرهابي.
وبحسب تصريح صدر عن باركر مؤخراً ونشرته صحيفة «إيفنينغ ستاندارد» البريطانية: «لا يزال في المملكة المتحدة بعض الأشخاص الذين يرون (داعش) وما يصدر عنه من دعاية باعتباره مصدر إلهام، وإن كانوا لم يعودوا متحمسين للسفر إلى سوريا».
وقد عبرت الأجهزة الأمنية عن قلقها الشديد من احتمالية ظهور تلك الشبكة مجدداً ومن سعيها لتجنيد عناصر جديدة في ظل محاولات عناصر تنظيم «داعش» العودة إلى بريطانيا بعد سقوط دولة الخلافة المزعومة في العراق وسوريا. ومن الجدير بالذكر أن المملكة المتحدة، قد ألغت جوازات سفر 150 بريطانياً انضموا إلى «داعش».
وفي سياق متصل، قال ديفيد فيديكت، خبير تحريات مكافحة الإرهاب، إن المواطنين البريطانيين الذين انضموا إلى «داعش» سيشكلون خطراً كبيراً حال عودتهم إلى البلاد، مضيفاً: «فجأة سيكون لدينا مقاتلون مدربون ربما كان لديهم الرغبة في الاستشهاد والقيام بعمليات انتحارية».
لا يزال تشودري ممنوعاً من الحديث العام ومن التواصل مع شبكته القديمة، غير أن العديد من أعضاء شبكته أفادوا بأن إطلاق سراحه هو وزملائه سيعمل على تعزيز كيان التنظيم الذي كان على صلة بنحو 25 في المائة من باقي التنظيمات الإرهابية التي جرى إدانتها في بريطانيا بين عامي 1988 - 2015.
وفي السياق ذاته، قال مايكل كيني، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة بيترسبرغ الذي استمر لسنوات على تواصل مع تلك الجماعة في إطار الإعداد لكتابه الجديد الذي حمل عنوان «داعش في بريطانيا»، لقد «شرع بعض النشطاء في الالتقاء مجدداً ويجرون عملية أشبه بجس النبض واختبار الأوضاع في البلاد». من الصعب تجاهل الدور الذي لعبه تشودري في مساندة التطرف. فقد أذاعت قناة «بي بي سي» أن أحد المتورطين في اعتداء الكنيسة في سريلانكا ويدعى عبد اللطيف جميل، قد تحول إلى التطرف على يد «المهاجرون»، بعد أن حضر عدداً من الدروس خلال بعثة دراسية بالخارج استمرت عاماً كاملاً عام 2006.
وفي سياق متصل، قال نيك لوليس، رئيس مجموعة «هوب نوت هيت» المعنية بمكافحة العنصرية في بريطانيا، «ما من بريطاني استطاع التأثير على الإرهابيين بهذه الدرجة مثلما فعل تشودري»، مشيراً إلى أنه أحصى نحو 120 متطرفاً مسلحاً على صلة به.
من جانبها، أكد ممثل عن وزارة الداخلية البريطانية المعنية بمراقبة الجماعات المتطرفة أن الحكومة مدركة تماماً لما يمثله تشودري وشبكة «المهاجرون»، وأنها قد اتخذت الإجراءات الكفيلة للتعامل معهما.
وأشار إلى أنه «عند إطلاق سراح أي مدان من السجن فإننا نعمل على مراقبته، ولدينا من الصلاحيات ما يساعدنا على تحرى موقعه والتعامل مع أي تهديد قد يصدر عنهم. فكل من يفرج عنه بشروط لا بد أن يخضع للمراقبة الصارمة. وفي حال مخالفته للشروط فإنه يصبح عرضة للعودة إلى السجن مرة أخرى».
الجدير بالذكر أن غالبية الأعضاء البارزين في تنظيم «مهاجرون» المفرج عنهم قد أفادوا بأنهم استمروا تحت المراقبة خلال الإقامة الجبرية من خلال الأجهزة الإلكترونية المثبتة في أقدامهم فترة طويلة، وهو ما أكدته وزارة الداخلية البريطانية. ورغم ذلك، بحسب إفاداتهم، فإنهم يواصلون نشاطاتهم السابقة لكن دون ذكر الاسم القديم للتنظيم بعد أن يستبدلوه باسم جديد، ويتحاشوا التطرق إلى التطرف في المنابر والأحاديث العامة، ويستبدلونها بلقاءات سرية، وهو ما يجعل لقاءاتهم مشروعة.
* خدمة «نيويورك تايمز»