ميسي يعيد تعريف كرة القدم وكتابة التاريخ

تألق النجم الأرجنتيني ليونيل ميسي بشكل لافت للأنظار في مباراة برشلونة أمام ليفربول في مباراة الذهاب لدوري أبطال أوروبا على ملعب «كامب نو» وقاد ناديه للفوز بثلاثية نظيفة ليساعده على وضع قدم في المباراة النهائية للبطولة الأقوى في القارة العجوز. وواصل البرغوث الأرجنتيني إبهار الجميع بمهاراته الاستثنائية وأحرز هدفين، أحدهما من ركلة حرة مباشرة رائعة، ليصعب كثيرا من مهمة ليفربول في مباراة العودة المقررة اليوم.
في البداية، دعونا نؤكد على شيء تحدثت عنه كثيرا من قبل، وهو أن موهبة ميسي ليس لها نهاية، فهو يعودنا دائما على تقديم الجديد والرائع من مستودع موهبته الذي لا ينفد، للدرجة التي تجعل المرء لا يشعر بالدهشة من أي شيء يقدمه هذا الساحر الأرجنتيني.
وأود أن أشير إلى شيء آخر، وهو أنه بعد نهاية مباراة برشلونة أمام ليفربول، رأينا المدير الفني الألماني لليفربول، يورغن كلوب، تبدو عليه علامات الاضطراب والقلق والذعر. وفي الحقيقة، يمكن تفهم ذلك الأمر تماما، نظرا لأن ليفربول قد لعب بشكل جيد للغاية ولعب بطريقة هجومية وانتشر في الملعب بشكل رائع ولم يكتف بالنواحي الدفاعية وصنع الكثير من الفرص وكان كل شيء يسير على ما يرام، لكن الفريق الإنجليزي رغم كل ذلك خسر بثلاثية نظيفة لأن شخصا واحدا فقط أراد أن تكون النتيجة هكذا وقرر أن يخضع الأمور كلها لإرادته، وبالطبع كان هذا النجم هو راقص التانغو ليونيل ميسي.
ورغم كل ذلك، لم يكن ما حدث غريبا أو مفاجئا، نظرا لأننا اعتدنا أن نرى ميسي على مدار 15 عاما كاملة وهو يتحكم في الأمور كما يشاء ويغير نتائج المباريات بالشكل الذي يريد، لكي يعطينا جميعا درسا بأنه يمكن لشخص واحد – رغم أنه يجعلك تشعر بأنه ليس من البشر في كثير من الأحيان – أن يكون قادرا على قيادة الأمور بمفرده والتحكم في كل شيء.
ويمكن القول بكل تأكيد بأننا نعيش الآن في «عصر ميسي»، أو في نسخة كرة القدم من «نظرية الرجل العظيم»، التي تشير إلى أن التاريخ يتحكم فيه رجال عظماء أو أبطال، ومن المؤكد أن ميسي هو أحد هؤلاء العظماء الذين نجحوا في كتابة التاريخ، بفضل موهبته الفذة ومهاراته الاستثنائية التي تقلب الأمور رأسا على عقب في أي مواجهة.
لقد أعاد ميسي كتابة تاريخ كرة القدم في هذا القرن، والدليل على ذلك أننا عندما نشاهد الأطفال يلعبون كرة القدم في الحدائق نسمع آباءهم يطلبون منهم أن يحتفظوا بالكرة ويراوغوا بنفس الطريقة التي يلعب بها ليونيل ميسي مع برشلونة. وتجب الإشارة إلى أن ميسي هو الذي يساعد فريقه على النجاح في أدق التفاصيل وهو الذي يمرر كرات سحرية لزملائه داخل الملعب. ولكي ندرك مدى أهمية وعبقرية ميسي، يتعين علينا أن نسأل المدير الفني الإسباني جوسيب غوارديولا كم مرة وصل إلى المباراة النهائية لدوري أبطال أوروبا من دون ميسي!.
ويمكن القول بأن ميسي هو من صنع غوارديولا – كما أن غوارديولا قد ساهم في تطوير مستوى ميسي إلى حد ما – أو على الأقل فإن ميسي هو الذي ساهم في وصول غوارديولا إلى ما هو عليه الآن. وحتى مركز «المهاجم الوهمي»، الذي أشرك غوارديولا ميسي به في المباريات أصبح سائدا في كل مباريات كرة القدم، بدءا من أكاديميات الناشئين وصولا إلى الفرق الأولى للأندية في أقوى البطولات.
ولو لم يكن ميسي موجودا الآن لتغيرت خريطة كرة القدم العالمية بأسرها، لأنه هو اللاعب القادر على التحكم في كل شيء، وكنا بدلا من ذلك سنرى أندية عادية ولاعبين عاديين يتعاونون فيما بينهم، من دون هذه النكهة الرائعة والمهارة الاستثنائية. ولولا ميسي لكان مانشستر سيتي مختلفا عما هو عليه الآن، ولم يكن غوارديولا ليصل إلى ما وصل إليه الآن. ولولا ميسي، فربما كان من الممكن أن يحصل مانشستر يونايتد على لقب آخر لدوري أبطال أوروبا، على الأقل، وربما لم يكن مدير فني مثل ديفيد مويز ليتولى تدريب مانشستر يونايتد من الأساس، أو لم نكن لنرى المدير الفني البرتغالي جوزيه مورينيو يتولى تدريب مانشستر يونايتد هو الآخر ويعتمد على الطريقة الدفاعية البحتة التي كان يلعب بها. لقد غير ميسي مسار كل شيء في كرة القدم وغير مصير أندية بأكملها في حقيقة الأمر.
وعلاوة على ذلك، جعل ميسي عشاق كرة القدم تنتابهم حالة من الهوس والولع بالنجوم الفرديين وبمهاراتهم وقدراتهم، وأصبح الجميع يتداولون مقاطع الفيديو على وسائل التواصل الاجتماعي للاستمتاع بما يقدمه هذا «العبقري» في اللعبة الأكثر شعبية وإثارة على مستوى العالم.
ويمكن القول أيضا بأنه لولا ميسي لما وصل النجم البرتغالي كريستيانو رونالدو (وهو لاعب رائع أيضا) إلى هذا المستوى، لأن وجود ميسي قد ساهم في تطوير أداء رونالدو من خلال المنافسة الشرسة بين اللاعبين على مدار عشر سنوات كاملة. لقد ساهم ميسي في تحويل رونالدو إلى رمز في كرة القدم، تماما كما جعل العداء الجامايكي يوسين بولت أي عداء آخر أكثر شهرة وثراء فقط لأنه منحه الفرصة للتغلب عليه في أي سباق!.
بدءا من الأطفال الأصغر من 9 سنوات الذين يلعبون في الحدائق وصولا إلى البطولات التي حصل عليها غوارديولا، لم يترك أي لاعب آخر مثل هذه البصمة على عالم كرة القدم.
في الحقيقة، لم ينجح أي لاعب عبر التاريخ في أن يترك مثل هذه البصمة على كرة القدم، بالشكل الذي نراه مع ميسي الآن، وهو ما يجعل كثيرين يصفونه بأنه لاعب «فضائي» أو من كوكب آخر غير الكوكب الذي نعيش عليه. إننا نعيش الآن في عالم ميسي لنستمتع بما يقدمه هذا الساحر الأرجنتيني الذي غير خريطة كرة القدم بكل ما تحمله الكلمة من معنى.