ارتفاع أسعار العقارات ينعش سوق الإيجارات في مصر

تشهد سوق إيجارات الوحدات السكنية والإدارية في مصر حالة من الازدهار مؤخراً، في مقابل تباطؤ حركة البيع والشراء التي تشهدها السوق العقارية المصرية بشكل عام، وهو ما يفسره العاملون في مجال العقارات بأنه نتيجة طبيعية لارتفاع أسعار العقارات في الفترة الأخيرة، وبخاصة بعد تحرير سعر الجنيه المصري أمام العملات الأجنبية، حيث أدى ذلك إلى ارتفاع أسعار مستلزمات ومواد البناء.
ووفقاً للتقرير الأخير الذي أصدرته شركة «جيه إل إل للاستشارات والاستثمارات العقارية»، تحت عنوان «نظرة عامة على أداء سوق العقارات في القاهرة في الربع الأول لعام 2019»، فإن «قطاع الوحدات السكنية سجل ارتفاعاً في أسعار الإيجارات، في ظل استمرار الأداء الإيجابي لسوق العقارات بشكل عام». وذكر التقرير أن «القطاع السكني شهد تحولاً واضحاً من البيع إلى التأجير في ظل الزيادات الكبيرة في الإيجارات على خلفية محدودية العقارات المتاحة للتأجير في القاهرة الكبرى»، مشيراً إلى أنه «مع وصول أسعار البيع إلى معدلات قياسية، تحول بعض العملاء إلى التأجير في الوقت الذي انتقل فيه آخرون إلى منازل مؤقتة في انتظار تسلم وحداتهم المبيعة».
محمد علام، سمسار عقارات في منطقة الزمالك ووسط البلد بالقاهرة، أكد لـ«الشرق الأوسط»، أن «أسعار الإيجارات في منطقة الزمالك وجاردن سيتي والدقي بوسط القاهرة شهدت ارتفاعاً كبيراً في الفترة الأخيرة»، مشيراً إلى أن «هذه المناطق عادةً ما تزدهر فيها حركة الإيجارات مقارنةً بحركة البيع نظراً إلى ارتفاع أسعار بيع الوحدات السكنية بشكل كبير».
وقال علام إن «مناطق الزمالك والدقي والمهندسين وجاردن سيتي، عادةً ما تجتذب العرب والأجانب، لذلك تكثر فيها ظاهرة الإيجار اليومي، لفترات قصيرة، وعادةً ما تحدَّد أسعار الإيجارات في منطقة مثل الزمالك بالدولار وليس بالجنيه المصري».
وبتصفح المواقع الإلكترونية المتخصصة في بيع وتأجير الوحدات السكنية والإدارية، يظهر تباين كبير في أسعار إيجار العقارات بين المناطق المختلفة، ففي منطقة المهندسين والدقي مثلاً تبدأ أسعار الإيجار اليومي من 500 إلى 2000 جنيه مصري وفقاً لمساحة وموقع الشقة، ومستوى تأثيثها، ويُطلب نفس المبلغ لكن بالدولار في حي الزمالك الراقي المليء بالسفارات والشركات والمكاتب التجارية، وتصل أسعار الإيجارات الشهرية في الزمالك إلى 140 ألف جنيه مصري شهرياً، أو 50 ألف جنيه مقابل إيجار شقة على النيل، وفي الدقي والمهندسين تتراوح أسعار الإيجار الشهري من 8 آلاف جنيه مصري إلى ما يزيد على 40 ألف جنيه مصري.
بدوره أكد الدكتور وائل النحاس، الخبير الاقتصادي، لـ«الشرق الأوسط»، أن «هناك نوعاً من المبالغة في أسعار الإيجارات في بعض المناطق نظراً إلى زيادة الطلب عليها، وبسبب المبالغة في تقدير أسعار العقارات بشكل عام»، مطالباً بـ«إعادة النظر في أسعار العقارات التي تطرحها الدولة، لأنها تعد مؤشراً لسوق العقارات بشكل عام».
من جانبه قال أيمن سامي، رئيس مكتب «شركة جيه إل إل» في مصر، في تصريحات صحافية، إن «سوق العقارات المصرية سجل أداءً قوياً، مع وجود معدلات طلب صحية واستقرار جميع القطاعات»، مشيراً إلى أن مصر ما زالت تستفيد مما وصفه بـ«الحالة المعنوية الجيدة التي تسيطر على السوق بفضل مشاريع المدن الجديدة، والمشاريع العقارية التي تخطط الحكومة المصرية لها»، على حد قوله.
وتوقع سامي أن «تعزز هذه المشاريع من الطلب المحلي، وتستقطب استثمارات خارجية ضخمة خلال الأشهر المقبلة».
ولا يقتصر الطلب على الوحدات السكنية، فوفقاً لتقرير «شركة جيه إل إل» فإن «قطاع المساحات الإدارية سجل معدلات نمو معتدلة، بينما سجل قطاع مجمعات المكاتب داخل المجمعات السكنية أداءً قوياً، وشهدت الفترة الماضية طلباً متزايداً على المساحات المكتبية المرنة والمشتركة التي تعد خياراً أفضل كفاءة للوقت والتكلفة بالنسبة إلى المستأجرين الراغبين في تأسيس شركاتهم مقارنةً بالمساحات التقليدية»، متوقعاً أن «يستمر تحسن الإيجارات في غرب القاهرة بمجرد افتتاح المتحف المصري الكبير والتشغيل الكامل لمطار سفنكس في عام 2020».
ولا يقتصر الطلب على إيجار الوحدات السكنية والإدارية على منطقة وسط القاهرة، بل يمتد إلى المدن الجديدة المحيطة بها، والتي تشهد ارتفاعاً كبيراً في أسعار البيع، مما سهل وجود سوق كبيرة للإيجارات في تلك المدن، خصوصاً أن عدداً كبيراً من مقتني الوحدات السكنية بها لديهم وحدات بديلة.
«الشرق الأوسط» تجولت في عدد من أحياء مدينة الشيخ زايد، بمحافظة الجيزة، والتي يوجد بها الكثير من المشروعات العقارية، التي تعرض وحدات سكنية وإدارية للبيع بتسهيلات في السداد تصل إلى 10 سنوات، ومع ذلك تزدهر فيها حركة الإيجارات للوحدات السكنية التي تتفاوت أسعارها من 6 آلاف جنيه إلى 20 ألف جنيه طبقاً لطبيعة الوحدة السكنية ومكانها وتجهيزاتها، ويتبارى أصحاب الوحدات السكنية المؤجرة في تجهيز وحداتهم لرفع سعر الإيجار.
وبرر سماسرة العقارات في المنطقة لـ«الشرق الأوسط»، سبب زيادة الإيجارات في مدينة جديدة مثل الشيخ زايد بأن «بعض أصحاب الوحدات السكنية لديهم وحدات بديلة، أو أن المكان الموجودة به الوحدات الخاصة بهم ما زال يشهد أعمال بناء مما يدفعهم إلى تأجير عقاراتهم لفترات قصيرة لحين انتهاء أعمال البناء، إضافة إلى أن المدينة تعد من أقرب المدن إلى القاهرة، وكثير من راغبي الإيجار بها يأتون بسبب قربها من مقرات عملهم، أو رغبةً في الحصول على مساحات أوسع بأسعار معقولة».
على صعيد متصل، ذكر تقرير «شركة جيه إل إل» أن «الهدوء ما زال يسيطر على معدلات الإيجارات في قطاع منافذ التجزئة»، متوقعاً أن «يشهد هذا القطاع ارتفاعاً خلال بقية العام، مع زيادة الوحدات الشاغرة»، وأفاد: «الارتفاع التدريجي للقوة الشرائية الاستهلاكية سيؤدي إلى زيادة معدلات الإيجار، كما يحفز الإعلان عن العاصمة الإدارية الجديدة المطورين لتوسيع مشاريعهم في قطاع التجزئة من أجل استيعاب الطلب المتنامي من المستهلكين».