مؤسس موقع «فوتبول ليكس» متهم أم بطل كشف الفساد؟

يقول رافائيل بوشمان، مراسل مجلة «دير شبيغل» الألمانية الذي التقى لأول مرة مؤسس موقع «فوتبول ليكس» روي بينتو، منذ ما يقرب من أربع سنوات: «بينتو يشعر بخوف أكبر مما سيحدث على الساحة السياسية لأن كرة القدم متوغلة تماماً في آليات الدولة البرتغالية. عندما أخبرني بهذا الأمر لأول مرة، لم أكن متأكداً من ذلك، لكن عندما رأيت علاقة ذلك بأنطونيو كلوني، أدركت أنه كان محقاً تماماً».
لقد مرّ الآن أكثر من ثلاثة أسابيع على تسليم روي بينتو من المجر إلى بلده الأصلي البرتغال بعد اتهامه بمحاولة الابتزاز والإجرام عبر الإنترنت، وهي التهم التي قد تؤدي إلى عقوبة السجن لمدة 10 سنوات إذا ثبتت صحتها. وظل مؤسس موقع «فوتبول ليكس»، الذي كشف بالفعل العديد من قضايا الفساد على أعلى مستوى في لعبة كرة القدم، قيد الحبس الاحتياطي وهو ينتظر المحاكمة، على الرغم من احتجاجات محاميه بأنه ينبغي السماح له بالخروج بكفالة.
وخلال الأسبوع الماضي، ظهر بينتو ومحاميه وعضوة البرلمان الأوروبي آنا غوميز، في مؤتمر صحافي إلى جانب أنطونيو ديلتور الذي شارك في الكشف عن فضائح «لوكسمبورغ ليكس»، في لشبونة لتأكيد تصميم بينتو على الكشف عن المعلومات التي لديه للمدّعين العامّين من فرنسا وبلجيكا وسويسرا عبر وحدة التعاون القضائي في الاتحاد الأوروبي «يوروجست». وأكدت غوميز أن بينتو، البالغ من العمر 31 عاماً، يمكنه «تقديم مساعدة قيمة في استرداد الأموال المسروقة من خلال التهرب الضريبي».
وينتظر بينتو الذي وُصف بأنه «إدوارد سنودن كرة القدم»، مصيره وهو يشعر بخوف شديد بعد أن ادّعى في مناسبات عديدة أنه يخشى على حياته بعد أن أصبح الآن تحت رحمة السلطات البرتغالية. واعترف بوشمان، مراسل مجلة «دير شبيغل» الألمانية، بأنه لا يزال يشك في أن العدالة ستتحقق، وقال: «بينتو متفائل للغاية لأنه واثق من أنه لم يرتكب أي خطأ. لكن يمكنك أن ترى في البرتغال أن الأمر أصبح فضيحة سياسية كبيرة للغاية، وهذا يجعل من الصعب للغاية تحديد الطريقة التي ستمضي بها هذه الأمور».
ومنذ ديسمبر (كانون الأول) 2016 وبالنيابة عن مجلة «دير شبيغل» وشركاء آخرين في شبكة المنظمة الأوروبية للتعاون في التحقيقات، استخدم بوشمان وفريقه، المستندات التي تم الحصول عليها عبر موقع «فوتبول ليكس» لكشف ارتكاب مخالفات في عالم الرياضة، بما في ذلك التهرب الضريبي من جانب النجم البرتغالي كريستيانو رونالدو، والمدير الفني البرتغالي جوزيه مورينيو –وكلاهما يعمل مع وكيل الأعمال البارز خورخي مينديز– فضلاً عن الانتهاك المزعوم من جانب مانشستر سيتي لقواعد اللعب المالي النظيف التي أقرّها الاتحاد الأوروبي لكرة القدم، بالإضافة إلى نشر أقوال كاثرين مايورجا التي تتهم فيها كريستيانو رونالدو باغتصابها في سبتمبر (أيلول) الماضي، لكنّ مهاجم يوفنتوس ينفي تلك الاتهامات.
وأعلنت مجلة «دير شبيغل» أنها فازت باستئناف بشأن حكم قضائي صدر عام 2017 يحظر عليها نشر مقالات تتعلق بضرائب النجم البرتغالي كريستيانو رونالدو عندما كان لاعبا في ريال مدريد، بعد أن سحب المحامون الذين يعملون نيابةً عن شركة «سن فيريرو» الإسبانية، التي ضمت قائمة عملائها السابقين رونالدو ونجم آرسنال مسعود أوزيل، الطلب المقدم أمام المحكمة.
وقبل أيام قليلة من الموافقة على تسليم بينتو، تمت دعوة بوشمان إلى لاهاي في نهاية فبراير (شباط) الماضي لحضور مؤتمر صحافي أكدت فيه وحدة التعاون القضائي في الاتحاد الأوروبي «يوروجست» رغبتها في الوصول إلى بعض المعلومات المقدمة من المُبلغين عن المخالفات، لكنه فوجئ بمعرفة أن الممثل البرتغالي للوحدة هو أنطونيو كلوني.
يقول بوشمان: «عندما رأيته في القائمة قلت لزميلي إنني أعرف هذا الاسم. وعندما راجعت اسمه في قاعدة بيانات (فوتبول ليكس) في وقت لاحق، وجدت أن هناك العديد من الروابط بين نجله وبين اللاعبين الذين يمثلهم مينديز لدرجة أنني لم أكن أتخيل كيف يمكن لشخص ما أن يكون لديه تضارب في المصالح في هذه القضية بهذا الشكل الفج».
ويضيف: «كان هذا مؤتمراً صحافياً مهماً، حيث أظهر للعالم لأول مرة أن السلطات كانت مهتمة بهذه القضية وكانت تفكر في أن يخضع روي بينتو لبرنامج حماية الشهود. وعندما اتصلت بروي وسألته عما إذا كان يعرف ذلك، قال: بالطبع، هذه هي البرتغال».
وتبين أن نجل كلوني، جواو ليما، هو محامٍ يعمل لدى شركة «مورايس ليتاو»، وهي الشركة التي مثّلت رونالدو ومورينيو وعدة عملاء آخرين لمينديز ووكالة «غيستيفوت» التابعة له، على مدى أكثر من عقد من الزمان. وكتب بوشمان في صحيفة «دير شبيغل» في فبراير الماضي يقول: «في رسائله الخاصة، وصف رونالدو بكل مودة أحد شركاء الشركة، وهو كارلوس أوسوريو دي كاسترو، بأنه أب. ويعمل أوسوريو دي كاسترو مستشاراً قانونياً لرونالدو منذ بداية المسيرة الرياضية للاعب البرتغالي، كما قام المحامي المقيم في بورتو بتنسيق استراتيجية الدفاع عن رونالدو بشأن مزاعم الاغتصاب التي وُجهت ضده».
وعلى الرغم من أن أعضاء في «يوروجست» ومجلة «دير شبيغل» قد أثاروا مخاوف بشأن تضارب المصالح المحتمل فيما يتعلق بتورط كلوني في هذه القضية، فقد تم رفض هذا الاتهام بعد أسبوع من تدخل المدعي العام البرتغالي الذي قال: «لا يوجد تضارب في المصالح في ضوء المادة 54 من القانون الجنائي البرتغالي».
يقول بوشمان عن ذلك: «إنه أمر طبيعي بالنسبة إليهم. لقد قال لنا كلوني إنه لم يشارك بشكل مباشر في هذا التحقيق، لكن بعد أيام قليلة من نشر قصتنا عن كريستيانو رونالدو، تم تسريع عملية إصدار مذكرة التوقيف بحق بينتو لمدة ثلاث سنوات. ربما يرى البعض أن الأمر مجرد مصادفة، لكننا لا نعتقد ذلك».
وفي هذه الأثناء، يتفاوض المدعون العامون الفرنسيون مع نظرائهم البرتغاليين بشأن ما إذا كان يمكن منح بينتو حصانة من المقاضاة بسبب الابتزاز المزعوم لوكلاء مؤسسة «دويونغروب» في عام 2015 من أجل مساعدتهم في مواصلة التحقيقات في فساد كرة القدم. وقد حصل المكتب المالي الوطني -الذي حقق في مزاعم الفساد بشأن التصويت على حق استضافة كأس العالم 2018 و2022 والمسؤول عن إنفاذ القانون ضد الجرائم المالية الخطيرة في فرنسا- على 26 تيرابايت من البيانات من بينتو. هذا بالإضافة إلى وثائق أخرى جاءت من 3.4 تيرابايت من المعلومات المقدمة مسبقاً.
وفي 12 مارس (آذار) الماضي -وبالتحديد بعد أسبوع واحد من تأكيد تسليم بينتو في بودابست- أعلن البرلمان الأوروبي عن اتفاق مبدئي لإدخال تشريع جديد من شأنه أن يساعد في حماية المبلغين عن المخالفات بموجب قانون الاتحاد الأوروبي. لكن على الرغم من أن هذا القانون لم يتم التصديق عليه حتى الآن، يأمل بوشمان أن يتم التصديق عليه في الوقت المناسب لكي يساعد بينتو وآخرين ممن يرغبون في كشف الفساد.
يقول بوشمان: «حتى الآن، الكثير من قوانين الاتحاد الأوروبي بشأن الإبلاغ عن المخالفات لم تحمِ سوى الأشخاص الموجودين داخل الشركة أو المنظمة التي يبلغون عن الفساد بداخلها، لكنني أعتقد أنه في المستقبل قد يكون هناك الكثير ممن يتصرفون مثل روي بينتو أو مثل جون دو الذي سرب وثائق بنما، وكلاهما من خارج المؤسسات التي كشفا عن فسادها للعامة. عندما لا يستطيع القانون منحهم أي نوع من أنواع الحماية، فإنهم سيواجهون حياة قاسية ومن الضروري مساعدتهم قدر المستطاع».
ويضيف: «لقد استلهم روي ما قام به من فكرة محاولة تنظيف شركة ما من الفساد. لقد تحدثت إليه عدة مرات حول هذا الموقف وحول التضحيات التي يقدمها. إنه ينظر إلى الأمر على أنه مسألة خطيرة للغاية، لأن كرة القدم لم تصبح مجرد لعبة هذه الأيام، لكنها تطورت لتصبح آلة غسل أموال كبيرة للأثرياء. لقد كشفت هذه الأمور أن بعض المشجعين يفكرون بشكل مختلف قليلاً عن بعض في هذه القضايا وعن الأندية التي يشجعونها».