تركيا: تحذيرات من تأثيرات عميقة على الاقتصاد لجدل ما بعد الانتخابات المحلية

حذَّر خبراء اقتصاد من أن تتسبب حالة الجدل التي تشهدها تركيا حالياً، على خلفية طعن حزب «العدالة والتنمية» الحاكم على نتائج الانتخابات في إسطنبول والعاصمة أنقرة بعد فوز المعارضة فيهما، واحتمالات أن تطول لأشهر، في زيادة المخاطر التي يتعرض لها الاقتصاد التركي.
ولفت الخبراء إلى التراجع الذي شهدته الليرة التركية، عقب إعلان نتائج الانتخابات التي أُجرِيت الأحد قبل الماضي، لتهبط إلى 5.7 ليرة للدولار، بعد أن كان يتمّ تداولها عند مستوى 5.34 ليرة للدولار قبل الانتخابات، وتفاعل حركة السوق مع حالة الجدل والتشكيك في النتائج بعد الانتخابات.
وقال الخبير الاقتصادي في شركة «أوراسيا للاستثمارات»، أيفرين دفرام إن استمرار معدل التضخم في اتجاه الصعود، كما أظهرت أرقام شهر مارس (آذار) الماضي، الذي سجل تضخماً بـ19.71 في المائة، سيزيد من الضغوط وسيرجئ قرار البنك المركزي بخفض سعر الفائدة عن المعدل الراهن البالغ 24 في المائة، كما سيواصل المواطنون الاتجاه إلى تحويل مدخراتهم إلى الدولار بدلاً عن الليرة.
ورأى دفرام أن طعون واعتراضات الحزب الحاكم على نتائج الانتخابات والمطالبة بإعادة فرز الأصوات في بعض دوائر إسطنبول وأنقرة وفرز الأصوات الباطلة، أعطت مؤشراً سلبياً للمواطنين، وستؤثر بشكل أعمق في الأزمة الاقتصادية.
وهبطت الليرة التركية، في ختام تعاملات الأسبوع يوم الجمعة، لتخسر 1 في المائة من قيمتها، وسجل سعر الصرف 5.65 ليرة للدولار، وسط مؤشرات على عدم قدرة الحكومة على السيطرة على الأسواق. وتراجعت الليرة في تعاملات نهاية الشهر الماضي، ومطلع الشهر الحالي، لأدنى مستوى منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2018.
ومع الارتفاع في معدل التضخم في مارس ليقترب من 20 في المائة، سجل العجز التجاري نحو 2.14 مليار دولار، وفقاً لنظام التجارة الخاص، إذ انخفضت الواردات التركية بنسبة 17.76 في المائة إلى 17.63 مليار دولار، وتراجعت الصادرات 0.42 في المائة إلى 15.49 مليار دولار.
وبالنسبة لأداء بورصة إسطنبول، تراجع المؤشر الرئيسي للبورصة بنسبة 10.3 في المائة خلال مارس الماضي، مقارنة مع نهاية تداولات فبراير (شباط) 2019.
ودفع التدهور الاقتصادي، الذي تعيشه تركيا في الفترة الأخيرة، كثيراً من المستثمرين الأجانب إلى الإحجام عن دخول السوق التركية، وقام كثير من المستثمرين الأتراك بتحويل مدخراتهم إلى العملات الأجنبية. وبحسب معطيات هيئة التنظيم والرقابة على المصارف التركية، فإن حسابات العملات الأجنبية في المصارف التركية تواصل ارتفاعها دون توقف منذ 6 أشهر، وارتفعت خلال الأسبوع الأخير من مارس الماضي فقط بمقدار 3.6 مليار دولار، لتصل قيمتها إلى 209 مليارات و490 مليون دولار، وهو رقم قياسي جديد.
ووفقاً لهذه المعطيات، فإن 53 في المائة من الودائع بالمصارف التركية يتم الاحتفاظ بها على شكل عملات أجنبية، ما يؤكد المستويات القياسية التي تصل لها الأزمة الاقتصادية للمرة الأولى منذ عام 2001.
ورفع البنك المركزي التركي سعر الفائدة في سبتمبر (أيلول) الماضي إلى 24 في المائة، ليصبح من أعلى المعدلات على مستوى العالم، في محاولة لوقف ارتفاع سعر الدولار والتراجع الحاد لليرة. لكن هذه الخطوة لم تنجح في عرقلة لجوء المستثمرين إلى الدولار الأميركي، لا سيما أولئك الذين لا يجدون في مثل هذه الخطوات ملاذاً آمناً.
ويضغط الرئيس رجب طيب إردوغان من أجل إبقاء معدلات ودائع الليرة، وفوائد السندات منخفضة، لكن كثيراً من الخبراء ينظرون إلى هذه الخطوة على أنها عامل آخر يدفع المستثمرين إلى التمسك بالعملات الأجنبية والابتعاد أكثر عن الليرة.
وشهد الشهر الماضي انخفاضاً حاداً سريعاً في احتياطي العملات الأجنبية بالبنك المركزي، خلال مارس، لكنه صعد خلال الأسبوع الأخير من الشهر الماضي، وإن كان أقل من التوقعات وأظهرت بيانات صادرة عن البنك المركزي، الخميس الماضي، أن إجمالي الاحتياطي ارتفع إلى 75.4 مليار دولار في الأسبوع المنتهي في 29 مارس، بزيادة 4 مليارات دولار عن الأسبوع السابق عليه. وكانت توقعات المحللين تشير إلى أن البنك سوف يضيف ما يتراوح بين 8 و10 مليارات دولار.
في حين تراجعت قيمة احتياطيات الذهب في الأسبوع الأخير من مارس إلى 20.83 مليار دولار مقابل 20.99 مليار دولار المسجلة في الأسبوع السابق عليه. وفي المجمل، فإن إجمالي احتياطيات البنك المركزي التركي (التي تضم الذهب والعملات الأجنبية معاً) شهدت زيادة من 92.38 مليار دولار لتصل إلى 96.24 مليار دولار.
وكان إجمالي احتياطي البنك من الذهب والعملات الأجنبية انخفض بنحو ملياري دولار في الأسبوع المنتهي في 22 مارس الماضي، تزامناً مع الاستعداد للانتخابات المحلية التي أُجريت في 31 مارس. واعتبرت وكالة «موديز» الدولية للتصنيف الائتماني تدخل البنك المركزي التركي لدعم الليرة على خلفية خسائر حادة تعرضت لها يضر بالموقف الائتماني للبلاد، كما يثير تساؤلات حول استقلاليته.
في سياق متصل، ارتفع العجز في الميزانية العامة للبلاد في مارس الماضي بمقدار 2.7 مليار دولار. وبحسب بيانات صادرة عن وزارة الخزانة والمالية التركية، بلغت الإيرادات النقدية للخزانة نحو 11.2 مليار دولار، بزيادة 11.5 في المائة على أساس سنوي. بينما ارتفعت النفقات، بما فيها مدفوعات الفوائد البالغة ملياري دولار، بنسبة 22.2 في المائة إلى 15 مليار دولار.
وخلال الربع الأول من العام من يناير (كانون الثاني) إلى مارس، بلغت إيرادات ونفقات البلاد 40.6 مليار دولار و47.4 مليار دولار، على التوالي. وبلغ العجز في الميزانية خلال هذه الفترة 6.8 مليار دولار.
من ناحية أخرى، سجلت الصادرات التركية زيادة خلال الربع الأول من العام الحالي، وبلغت قيمتها 44 ملياراً و567 مليون دولار. وسجلت الصادرات في مارس الماضي وحده 16 ملياراً و334 مليون دولار. بينما تراجعت الواردات في مارس بنسبة 17.81 في المائة لتبلغ 18 ملياراً و299 مليون دولار.