طلبة الجزائر يحتجون مجدداً للمطالبة بتنحي بوتفليقة «على الفور»

نظم مئات الطلبة الجزائريين أمس مسيرة في العاصمة الجزائر للمطالبة بتنحي الرئيس عبد العزيز بوتفليقة على الفور، واستبدال النظام السياسي في البلاد، وذلك بعد يوم من إعلان الرئيس أنه سيترك منصبه بحلول نهاية الشهر الحالي.
وحسب تقرير لوكالة «رويترز» أمس، فقد هتفت الحشود «نريد تغيير النظام»، و«لا نريد بوتفليقة ولا شقيقه سعيد»، مستشار الرئيس وشقيقه الأصغر. لكن حتى الآن لم يعلق سوى حزب «حركة مجتمع السلم» الإسلامي المعارض على بيان بوتفليقة، بالقول إن رحيل بوتفليقة دون إصلاحات حقيقية «سيكون خطوة تقوض مطالب المحتجين».
في غضون ذلك، وفي تطور لافت للمواجهة الجارية بين الرئاسة وقيادة الجيش في الجزائر، كشف الرئيس السابق الجنرال اليمين زروال عن عرض حمله إليه مدير المخابرات السابق الجنرال محمد مدين، لرئاسة «هيئة مكلفة تسيير مرحلة انتقالية». وجرى الاتفاق على نقل العرض إليه بين مدين والسعيد بوتفليقة، شقيق الرئيس ومستشاره الخاص.
ونشر زروال أمس بيانا مثيرا، نقلته وسائل الإعلام، جاء فيه «ككل الجزائريين، شدتني قوة المسيرات الحاشدة المنظمة من طرف الشعب الجزائري، مسيرات ساندتها منذ اللحظات الأولى. وأنا أيضا مثلكم جميعا، قلق من غياب رد سياسي في مستوى هذه المطالب الديمقراطية المشروعة».
وذكر رئيس الجمهورية سابقا (1994 - 1998) «كما تعلمون فمنذ 2004 (انتخاب بوتفليقة لولاية ثانية) وأنا أرفض كل الدعوات السياسية (للعودة إلى الحكم)، وفي كل مرة أطالب بتنظيم تداول (على السلطة)، يسمح ببزوغ أجيال جديدة لي فيها ثقة كاملة، وعملت دائما على تشجيعها».
وأضاف زروال موضحا «بداعي الشفافية وواجب احترام الحقيقة، أود أن أعلم أنني استقبلت يوم 30 مارس (آذار) (الماضي)، الفريق المتقاعد محمد مدين بطلب منه، وقد حمل لي اقتراحا يتمثل في رئاسة هيئة مكلفة بتسيير مرحلة انتقالية. وأكد لي أن الاقتراح تم بالاتفاق مع السعيد بوتفليقة، المستشار لدى الرئاسة. وعبرت لمحدثي عن ثقتي الكاملة في الملايين من المتظاهرين، وبأنه لا ينبغي عرقلة مسيرة الشعب،
ولم يذكر زروال ماذا كان رده على مقترح شقيق الرئيس ومدين الشهير بـ«الجنرال توفيق». لكن يمكن فهم بيانه على أنه رفض العرض، أو ربما طرح شروطا لم يقبلها الطرف الآخر. وفي كل الأحوال لاحظ مراقبون أن مدير المخابرات، الذي عزله بوتفليقة عام 2015 سعى لحل المأزق السياسي الجاري منذ 7 أسابيع، وهو لا يملك أي صفة في الدولة. واللافت أن مقترح «هيئة انتقالية» برئاسة زروال، طرحته أحزاب معارضة منذ شهور ورفضته السلطة بشدة، وكانت متجهة إلى ترشيح بوتفليقة لولاية خامسة.
وما تضمنه بيان زروال ينفي بقوة ما ورد في تصريحات عُدت خطيرة لرئيس أركان الجيش، الفريق أحمد قايد صالح، السبت الماضي، والتي جاء فيها أن «أشخاصا معروفين، سيتم الكشف عن هويتهم في الوقت المناسب، عقدوا اجتماعا في 30 من مارس، من أجل شن حملة إعلامية شرسة في مختلف وسائل الإعلام وعلى شبكات التواصل الاجتماعي، ضد الجيش الوطني الشعبي، وإيهام الرأي العام بأن الشعب الجزائري يرفض تطبيق المادة 102 من الدستور»، التي تنص على شغور منصب الرئيس بسبب مرض خطير، أو الاستقالة أو الوفاة.
وبثت فضائية خاصة موالية لقايد صالح، أخبارا مفادها أن الاجتماع «حضرته عناصر من المخابرات الجزائرية»، وكان ذلك كافيا لتغيير انشغال قطاع من المتظاهرين، فبعد أن كانوا يطالبون بوتفليقة وقائد الجيش بالتنحي، أضحى تركيزهم على الرئيس وحده. بل هناك من اعتبر قايد صالح «في صف الحراك ضد العصابة في الرئاسة».
في سياق ذلك، طالبت المعارضة أمس في بيان عقب اجتماعها السّابع بمقر حزب «العدالة والتنمية» الإسلامي بالعاصمة، الرئيس بوتفليقة بالاستقالة الفورية من منصبه، مشيرة إلى «الدعم المطلق لكل مطالب الشعب المتعلقة بالرحيل الفوري، والآني للرئيس المنتهية عهدته والقوى المحيطة به».
ونوهت المعارضة، التي أطلقت على اجتماعاتها اسم «قوى التغيير لنصرة خيار الشّعب»، باستمرار المظاهرات السلمية، محذرة من «محاولات اختراقها، والالتفاف عليها ودعوة الشعب للاستمرار في هبته إلى غاية تحقيق مطالبه كلها». كما دعت المعارضة «النواب العامين على مستوى القطر الجزائري إلى تفعيل آليات محاربة الفساد ورموزه، دون انتقائية ودعم مبادرة القضاء في البدء بفتح ملفات الفاسدين».
واعتبرت المعارضة «الشعار الذي يحمله الشعب في مسيرات (جيش. شعب. إخوة) بمثابة رسالة تضامن مع مؤسسة الجيش الوطني، والتنويه بتبنيها خريطة طريق لحل الأزمة».
في غضون ذلك، هاجم قائد الجيش الجزائري الفريق أحمد قايد صالح، بشدة جماعة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، ووصفها بـ«العصابة التي نهبت البلد واستولت على قيادته»، وقال إنه «مع الشعب للقضاء عليها»، وطالبها بالتنحي عن الحكم فوراً.
ونشرت وزارة الدفاع بياناً نادراً من حيث حدة اللهجة، تناول نتائج اجتماع عقده قايد صالح أمس، مع قادة القوات وقادة النواحي العسكرية، (عددها ست)، والأمين العام لوزارة الدفاع الوطنية، ورئيسي دائرتين تابعتين لأركان الجيش. وخصص الاجتماع لبحث تطورات المواجهة مع جماعة الرئيس، التي ترفض التنحي على الفور، كما طالبها بذلك قائد الجيش مرتين.
وذكر صالح أن مسعى الجيش تفعيل المادة 102 من الدستور «قوبل مع الأسف الشديد بالمماطلة والتعنت، بل والتحايل من قبل أشخاص يعملون على إطالة عمر الأزمة وتعقيدها، والذين لا يهمهم سوى الحفاظ على مصالحهم الشخصية الضيقة، غير مكترثين بمصالح الشعب وبمصير البلاد».
وأفاد البيان بأن الجيش «انحاز منذ بداية الأزمة كليا، إلى المطالب الشعبية، مما يؤكد أن طموحه الوحيد هو السهر على الحفاظ على النهج الدستوري للدولة، وضمان أمن واستقرار البلاد وحماية الشعب من العصابة التي استولت بغير وجه حق على مقدرات الشعب الجزائري، وهي الآن بصدد الالتفاف على مطالبه المشروعة من خلال اعتماد مخططات مشبوهة، ترمي إلى زعزعة استقرار البلاد، والدفع بها نحو الوقوع في فخ الفراغ الدستوري».