بانون: الصين رأسمالية كاسرة وترمب سيفوز بولاية ثانية

بينما كانت طائرة الرئيس الصيني شي جينبينغ تغادر أجواء جزيرة صقلية متجهة إلى موناكو، في ختام زيارة إلى إيطاليا أثارت عاصفة من الانتقادات والتحذيرات في العواصم الغربية، وعمقت شرخ الخلاف داخل الائتلاف الإيطالي الحاكم، كانت النتائج الأولية للانتخابات الفرعية في منطقة «بازيليكاتا»، الواقعة في أقصى الجنوب الإيطالي، قد بدأت تظهر، مؤكدة للمرة الثالثة في خمسة أشهر الصعود الصاروخي لشعبية وزير الداخلية زعيم رابطة الشمال اليميني المتطرف ماتيو سالفيني، وانهيار حركة النجوم الخمس، شريكته في الحكومة التي دخلت منذ أيام غرفة العناية الفائقة.
في تلك الأثناء، كانت عينٌ تراقب من روما هذه التطورات بارتياح يرسخ عندها اليقين بصواب الرهان على المشروع الذي يتمدد كبقعة الزيت في العالم الغربي؛ إنها عين ستيف بانون، المستشار الاستراتيجي السابق للرئيس الأميركي دونالد ترمب، والرئيس البرازيلي الجديد جاير بولسونارو، والداعية الأول للشعبوية السياسية الجديدة التي تتوثب من أقاصي الفكر اليميني المحافظ لدك القلعة الأوروبية من الداخل.
منذ العام الماضي، اختار بانون إيطاليا لتكون منصة نشاطه التحضيري للانتخابات الأوروبية المقبلة، يجتمع فيها بقيادات الأحزاب والقوى اليمينية المتطرفة، ويخطط لمعادلة سياسية جديدة في أوروبا تعيد السلطة إلى الحكومات المركزية، وتحجم دور بروكسل. وفي روما، ألقى بانون، مساء الأحد الماضي، محاضرة حول مشروعه السياسي، التقى بعدها في دردشة طويلة مفتوحة بأربعة صحافيين، كانت «الشرق الأوسط» حاضرة بينهم، ودار حديث طويل، نورد على التوالي أهم ما جاء فيه.
وعن اختياره روما منطلقاً لنشاطه الأوروبي، يقول بانون إنه جاء إلى إيطاليا مطلع العام الماضي لمتابعة سالفيني وحركة النجوم الخمس في الانتخابات العامة، وإنه دُهش للحماس الذي شاهده في صفوف الشباب الذين كانوا يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي بمهارة فائقة في حملاتهم الانتخابية التي أدت إلى تهميش الأحزاب التقليدية، وأخرجت المواجهة السياسية من إطارها التقليدي بين اليمين واليسار، ويضيف: «بعد الانتخابات، التقيت بسالفيني الذي كان يعتزم التحالف مع برلسكوني لتشكيل حكومة، واقترحت عليه، بدلاً عن ذلك، أن يترك خلافاته مع حركة النجوم الخمس جانبا، ويحاول تشكيل حكومة ائتلافية معها».
كما تحدث بانون عن مذكرة التفاهم التي وقعتها إيطاليا يوم السبت الماضي مع الصين، والتي كان وراءها زعيم حركة النجوم الخمس، لويجي دي مايو، وقال إنه «خطأ فادح، لا أستبعد أن يؤدي إلى انفراط الائتلاف الحاكم؛ التعامل مع الصين دونه مخاطر كثيرة، فهي تمارس رأسمالية كاسرة... تمنح قروضاً يتعذر على الدول سدادها، فتضع يدها على ملكية المرافق والشركات».
ووصف بانون علاقاته بسالفيني بـ«الاستثنائية»، قائلاً إنه على اتصال دائم به، ويجتمع بانتظام مع كبار مساعديه، كما اعتبر أن زعيم رابطة الشمال هو، إلى جانب رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، أهم القيادات الأوروبية في الوقت الحالي، وقال إن «سالفيني أكثر شعبوية من ترمب، لكن القواسم المشتركة بينهما هي ذاتها: السيادة، والتحكم بالقرارات المصيرية، وهي مشتركة مع بولسونارو وأوربان ولوبن».
إلى ذلك، أكد بانون أنه لا يتقاضى أموالاً من الحكومات أو الأحزاب، وأنه ليس مستشاراً سياسياً، وقال: «لقد جنيت ما يكفي من الأموال كي أكرس السنوات العشر الأخيرة لما أريده؛ إنها الحركة الشعبوية الجديدة التي قدمت الدعم إلى نايجل فاراج في استفتاء (بريكست)، ثم حركة النجوم الخمس، ورابطة الشمال، وبولسونارو الذي استضفته في منزلي عندما جاء إلى واشنطن». ثم أضاف أن «سالفيني وبولسونارو وجهان لعملة واحدة، كلاهما يركز على القانون والنظام، وأكثر ديناميكية من ترمب في الدفاع عن الجذور اليهودية المسيحية للغرب، وعن العائلة التقليدية، والحرب على الماركسية الثقافية».
وتذكر بانون ما قاله لترمب عندما كانت شعبيته لا تتجاوز 12 في المائة في مستهل الحملة الانتخابية: «إذا عدت إلى الأفكار القومية والشعبوية التي بدأت بها، ثم تخليت عنها، ستفوز بالتأكيد. وهذا ما قلته لبولسونارو في يوليو (تموز) الماضي، عندما كانت شعبيته 15 في المائة... حملة بولسونارو الانتخابية لم تكلف أكثر من 750 ألف دولار، وحملة سالفيني لم تتجاوز 5 ملايين». وعن الانتخابات الأوروبية المقبلة التي تستحوذ على نشاطه منذ فترة، قال بانون إنها «الانتخابات الأهم في تاريخ الاتحاد الأوروبي، وما بعدها لا يمكن أن يكون كما قبلها، ومفتاحها الأساسي هو نسبة المشاركة... المحور الفرنسي - الألماني يسعى إلى إنشاء (الولايات المتحدة الأوروبية)، حيث تصبح الدول مجرد وحدات إدارية»، وأضاف أن «ماكرون يتطلع إلى المزيد من التكامل التجاري، والهجرة، وإلى جيش أوروبي»، معتبراً أن «البديل هو أوروبا الأمم، حيث تدير كل دولة شؤونها، وتعالج مشكلاتها، من غير أن تخضع لمشيئة زمرة من البيروقراطيين في بروكسل».
وأكد بانون أن الولايات المتحدة تريد أوروبا قوية، وقال: «نحن لسنا قوة إمبريالية، بل ثورية! (...) لا نريد محميات، بل حلفاء». وعن روسيا، قال: «إنها حكم الفاسدين، تديره استخبارات الـ(كي جي بي) وحفنة من المحظيين»، معتبراً أنها «مدججة بالسلاح، لكن اقتصادها لا يتجاوز اقتصاد ولاية نيويورك؛ العدو ليس روسيا».
وأعرب بانون عن إعجابه الشديد بالنجمة الصاعدة في السياسة الأميركية ألكسندريا أوكاسيو - كورتيز، وقال: «منذ عام، كانت تعمل في أحد المطاعم. واليوم، تجلس حول المائدة نفسها مع ترمب ونانسي بيلوسي في عاصمة القوة العظمى الأولى في العالم. لماذا؟ لأنها تتحلى بما يلزم للنجاح: العزم، والجرأة، والمثابرة. صحيح أنها لا تعرف الكثير، وما تعرفه خطأ، خصوصاً في الاقتصاد، لكنها تملك المادة الخام التي لا تأتي بها المدارس والجامعات... العالم تغير، والدليل الساطع هو ترمب الذي كان مقدماً للبرامج الترفيهية. وهيلاري كلينتون، التي كانت تريد أن تصبح رئيسة للجمهورية منذ كانت في السادسة من عمرها... ذهبت إلى أرقى المدارس، ونالت إجازتها في الحقوق، لكن الشعب رفضها. لهذا سبب انهيار اليسار، وحبذا لو كانت كورتيز في معسكرنا».
ومع نهاية اللقاء الطويل، كانت قد بدأت تصل الأنباء عن مضمون تقرير مولر الذي خلص إلى عدم وجود أدلة تثبت تواطؤ حملة ترمب الانتخابية مع روسيا؛ ابتسم بانون، وهز برأسه، وقال: «إذا لم يثبت تدخل ترمب لعرقلة مجرى العدالة، سيتحرر من القيود، ويستخدم التقرير لمهاجمة خصومه بشراسة. وإذا لم تظهر أدلة على تورطه في قضايا أخرى خلال الأشهر الستة المقبلة، سيفوز بولاية ثانية بنسبة تفوق بكثير ما حصل عليه في عام 2016. راهن الديمقراطيون بكل شيء تقريباً على هذا التقرير، وترمب خطير جداً عندما يشعر بالإهانة».
اقترب الليل من منتصفه، وختم بانون اللقاء بقوله: «نحن في روما، ولم يسأل أحد عن الفاتيكان!... ربما في مناسبة أخرى، لكن هذا البابا ليس معصوماً عن الخطأ في قضايا السياسة الدولية».