بروكسل في القرن السادس عشر بعيون برويغل الأكبر... أشهر فنانيها

كثيرة هي الأمور التي تجمع بين الفنان برويغل ومدينة بروكسل، إلى جانب التشابه في اسميهما، فلدى كل من فنان النهضة الفلمنكية والعاصمة البلجيكية شغف بالحفلات والأطعمة الطيبة والمشروبات، إلى جانب بعض سمات عصره.
ويحاول تقرير بثته وكالة الأنباء الألمانية، أمس، استكشاف الفنان والمدينة في وقت واحد. وقد يكون عام 2019 مناسباً، حيث تحل هذا العام الذكرى الـ450 لوفاة الفنان، ولذلك فإن هذه تعد فرصة مثالية للقيام بهذا الأمر.
ويشتهر بيتر برويغل الأكبر (1569 - 1525) بلوحاته التي تصور المناظر الطبيعية. إلا أنه في الواقع أمضى معظم سنوات عمره يعيش في مدن كبرى، في البداية في أنتويرب ثم بروكسل.
وكانت مهارات الملاحظة لديه في غاية الدقة، لدرجة أن الأطباء كانوا يستطيعون تشخيص أمراض الشخصيات التي كان يرسمها.
ومن أفضل الأماكن لمشاهدة أعمال برويغل مجمع «المتاحف الملكية للفنون الجميلة في بلجيكا»، بالقرب من القصر الملكي. وبعد متحف «تاريخ الفنون» في فيينا، فإن «مجمع المتاحف» يحتوي على أكبر مجموعة من لوحات برويغل في العالم، رغم أن عددها خمسة فقط. وفي الواقع، لا توجد سوى نحو 40 لوحة معروفة لبرويغل. ولكن كل لوحة كبيرة من أعمال برويغل هي في الواقع مجموعة من اللوحات الصغيرة: لوحات داخل لوحات، مع مئات الرسومات.
واستلهم برويغل أعماله من فصول الصيف الغنية والمناظر الطبيعية الخلابة في فصل الشتاء. في الواقع، فإن برويغل هو من اخترع هذا الأسلوب، فمثل تلك اللوحات لم يُسمع بها من قبل.
وتعد لوحة «سقوط المتمردين» أفضل عمل معروض له في بروكسل. ومن الصعب تصديق أن هذه اللوحة، بألوانها الزاهية، تعود إلى عام 1562، وتمثل اللوحة مواجهة بين الخير والشر: وتمتلئ معركة الملائكة بالإشارات إلى أميركا، التي كان الغرب قد اكتشفها للتو. وعلى سبيل المثال، يشير درع أحد الشياطين إلى حيوان المدرع (الأرماديللو)، الذي يمثل حالة غياب الثقة التي كانت قائمة بين القارتين في الوقت ذلك.
وقد تمكن برويغل من رسم مثل هذه الأشياء الغريبة من تجربته الشخصية، لأن الكثير من هذه الأفكار كان يتم طرحها في دوائر الفن بالمدينة.
وربما يكون قد استلهم أفكار لوحات أخرى من بعض الكتب المرجعية. فقد كانت هناك ثورة في مجال الطباعة في القرن السادس عشر، وكان برويغل على دراية كبيرة بالتقنية الجديدة.
وتعتزم «المكتبة الملكية البلجيكية»، في الفترة من 15 أكتوبر (تشرين الأول) 2019 إلى 15 فبراير (شباط) 2020، عرض المطبوعات التي قدمها، التي أكسبته شهرة في أنحاء أوروبا خلال حياته.
ومع مغادرة المتحف، يدخل المرء على الفور إلى الجزء من البلدة، حيث عاش برويغل. ويبعد منزل من الطوب، يقال إنه أمضى فيه بعض الأيام، بضع دقائق فقط سيراً على الأقدام.
ومن المعروف بصورة مؤكدة أن برويغل عاش في هذا الجزء من البلدة، إلا أنه لا أحد يعرف حقاً ما إذا كانت قدماه قد وطأت هذا المنزل. ومع ذلك، فإن شكل المنزل من الخارج بواجهته المدرجة يستحق الرؤية، حيث توجد منازل تشبهه تقريباً في جميع لوحات برويغل.
كما سيساعد هذا في تخيل صورة لما كانت عليه بروكسل في ذلك الوقت، وأيضاً في تكوين صورة لما كانت تشبهه بروكسل آنذاك، فقد كانت أشبه بمدينة بروج أو جنت أو مدينة هولندية أكثر مما هو عليه الوضع اليوم. فبروكسل لم تكتسب طابعها المعماري الحالي، الذي يعد مزيجاً من طرز مختلفة، بينها طرز فرنسية، إلا خلال الـ150 عاماً الماضية.
ويوجد متحف «منزل برويغل» في حي مارولين، وهو منطقة ساحرة وفقيرة بها الكثير من المتاجر الصغيرة والأسواق المتنقلة التي تبدو وكأنها خرجت لتوها من إحدى لوحات برويغل. ويعرف سكان مارولين كيف يتمردون، ولم يتمكن أي حاكم فعلياً من احتوائهم. وقد حاول الملك ليوبولد الثاني (1909 - 1835) في القرن التاسع عشر ذلك، من خلال بناء قصر عملاق للعدل (أكبر من كاتدرائية القديس بطرس في روما) وهو يطل على الحي منذ ذلك الحين.
إلا أن القصر لم يغير شيئاً من الطبيعة الفوضوية في المنطقة، والتي جسدها برويغل بشكل جيد للغاية في لوحاته.
وهناك مبنى لا بد أن برويغل قد مر عليه كثيراً، وهو «بوابة هالي»، وهي بوابة للمدينة محفوظة بهيئتها تماماً، وتوجد على مشارف مارولين. واليوم، يضم هذا البرج العملاق متحفاً تاريخياً، ويوفر سطحه إطلالة رائعة على بروكسل بأكملها.
وسيتم افتتاح باب افتراضي لعالم برويغل بداية من منتصف عام 2019، ومن خلال تلسكوبات خاصة سيتمكن المشاهدون من رؤية «بروكسل في القرن السادس عشر».
ويوجد تمثال برونزي بالحجم الطبيعي للرسام يحمل قرداً على كتفه أمام كنيسة «نوتر دام دي لا شابيل»، حيث تزوج في عام 1563، ثم دُفن هناك بعد ذلك بـ6 سنوات.
وخلال العام الحالي، سيتم في الكنيسة تحويل بعض الشخصيات الموجودة في لوحات برويغل لتماثيل ملونة. فعلى سبيل المثال، هناك وحش هجين يسجد عند قدم قديس، وهناك الشخصية الأسطورية إيكاروس وقد سقط رأساً على عقب في حوض الماء المقدس بعد محاولة طيران فاشلة. هل تسمح أبرشية كاثوليكية في أي بلد آخر بمثل هذا العبث؟ على أي حال، هذا لا يمثل مشكلة في بروكسل.