«داعش» ينكفئ إلى ضفاف الفرات... ومقتل إيطالي حليف للأكراد

يتصدى آخر عناصر «داعش»، بعد انكفائهم إلى مساحة صغيرة عند الضفة الشرقية لنهر الفرات، لهجوم قوات سوريا الديمقراطية، في محاولة منهم للدفاع عمّا تبقى من مناطق التنظيم، في وقت قُتل إيطالي يقاتل منذ نحو عامين في سوريا مع القوات الكردية، حسبما أعلنت أمس (الثلاثاء)، الصحافة الإيطالية، في حين قالت السلطات بحذر إنها «تسعى للتأكد» من الأمر.
وحسب صحيفة «كورييري دي لا سيرا» فإن التنظيم نشر صورة للإيطالي لورينزو أورشيتي (33 عاماً) من فلورنسا بمقاطعة توسكانيا، معلناً: «لقد قتلنا الصليبي الإيطالي».
وصرح والده أليساندرو للصحيفة: «زوجتي وأنا فخوران جداً. فقد قرر ابننا أن يخوض معركة مهمة وعادلة، مع معرفتنا أنها بالغة الخطورة».
وأضاف الوالد أن ابنه كان في سوريا منذ سبتمبر (أيلول) 2017 بدايةً كمراقب لكنه «شعر أنه معنيّ أكثر». وتابع بشأن جثة القتيل: «حسب معلومات حصلنا عليها، ما زالت الجثة في ميدان المعارك. ونأمل في التمكن من استعادتها بأسرع ما يمكن». وأضاف الوالد: «كان لورينزو قد قال مرة إنه يرغب في أن يُدفن في سوريا. ونحن لا ندري ما سنفعل حتى الآن لكن أعتقد أننا سنحترم رغبته».
من جهتها، نقلت صحيفة «لا ستامبا» ووسائل إعلام أخرى، رسالة «وصية» للمقاتل الشاب جاء فيها: «مرحباً، إذا كنتم تقرأون هذه الرسالة فإن ذلك يعني أني رحلت عن هذه الدنيا. لا أشعر بأي ندم، فقد انتهت حياتي وأنا أفعل ما أعتقد أنه صحيح، ودفاع عن الضعفاء».
وحسب صحيفة «كورييري دي لا سيرا» فإن 25 إيطالياً توجهوا إلى سوريا منذ 2015 للقتال مع القوات الكردية ضد المتطرفين الإسلاميين. وما زال خمسة منهم هناك؛ ثلاثة رجال وامرأتان.
وفي سوريا أيضاً، قضى فرنشيسكو اسبيرتي في يناير (كانون الثاني) في حادث، وتوشك قوات سوريا الديمقراطية بعد ستة أشهر من هجوم بدأته ضد آخر معقل للتنظيم في ريف دير الزور الشرقي، على إعلان انتهاء مناطق التنظيم التي أقامها على مناطق واسعة سيطر عليها في سوريا والعراق المجاور في عام 2014، بعد سنوات أثار فيها التنظيم الرعب حول العالم.
وقال مدير المركز الإعلامي لقوات سوريا الديمقراطية مصطفى بالي، في تغريدة أمس (الثلاثاء)، إن قواته «سيطرت على مخيم (داعش) في الباغوز»، وهو عبارة عن خيم عشوائية باتت مهجورة، بينها عشرات السيارات والشاحنات الصغيرة المتوقفة وبعضها محترق، عند أطراف البلدة.
وأضاف: هذا «ليس إعلاناً للنصر ولكنه تقدم مهم في القتال ضد (داعش)». وأوضح بالي: «تقدمت قواتنا إلى المخيم وتمت السيطرة عليه بشكل تام»، لافتاً إلى «اشتباكات متواصلة مع استمرار مجموعة من إرهابيي التنظيم، محتجزة في منطقة صغيرة، في القتال»، من دون أن يتضح عددهم.
ومنذ يومين، تستهدف هذه القوات بالقصف جيب التنظيم، تزامناً مع ضربات جوية للتحالف الدولي بقيادة أميركية. وجاء ذلك بعد تضييقها الخناق على مقاتلي التنظيم وتطويقهم من ثلاث جهات. ولم يبقَ لديهم منفذ سوى النهر الذي تسيطر قوات النظام السوري على ضفافه الغربية.
ومن على قمة جرف صخري مطل على مخيم الباغوز، شاهد فريق وكالة الصحافة الفرنسية، أول من أمس (الاثنين)، مقاتلين من قوات سوريا الديمقراطية وهم يستهدفون بالأسلحة الرشاشة وقذائف الهاون والمدفعية تحركات مقاتلي التنظيم بين القصب قرب نهر الفرات، تزامناً مع توجيه طائرات التحالف ضربات جوية.
وأجْلت قوات سوريا الديمقراطية، وفق بالي، «مئات الجرحى الذين تركهم الإرهابيون خلفهم»، وتم نقلهم، الثلاثاء، إلى «مستشفيات عسكرية قريبة، للعلاج».
وتشنّ قوات سوريا الديمقراطية منذ التاسع من فبراير (شباط)، هجوماً على جيب التنظيم في بلدة الباغوز، في إطار عملية واسعة بدأتها قبل ستة أشهر لطرد التنظيم من معقله الأخير في ريف دير الزور الشرقي، بدعم من التحالف الدولي بقيادة أميركية.
وعلى وقع تقدمها العسكري، أحصت هذه القوات خروج أكثر من 66 ألف شخص من جيب التنظيم منذ مطلع العام، بينهم 37 ألف مدني و5000 متطرف ونحو 24 ألفاً من أفراد عائلاتهم. كما أفادت باعتقال «520 إرهابياً في عمليات خاصة».
ويرتب هذا العدد أعباءً كبيرة على قوات سوريا الديمقراطية، مع اكتظاظ مراكز الاعتقال التي يُنقل إليها المشتبه بارتباطهم بالتنظيم، والمخيمات التي يُرسل إليها المدنيون وأفراد عائلات الجهاديين، وبينهم عدد كبير من الأجانب، لا سيما مخيم الهول شمالاً الذي بات يؤوي أكثر من 70 ألفاً.
وأحصت لجنة الإنقاذ الدولية وفاة 123 شخصاً، غالبيتهم من الأطفال، خلال رحلتهم إلى مخيم الهول أو بُعيد وصولهم.
ومُني التنظيم بخسائر بارزة في العامين الأخيرين على وقع هجمات عدة استهدفته في سوريا والعراق، بعدما كان يسيطر في عام 2014 على أراضٍ شاسعة تقدَّر بمساحة بريطانيا، ويفرض قوانينه المتشددة وأحكامه القاسية ويصدر عملته ويثير الرعب باعتداءاته الوحشية حول العالم.
ودعا التنظيم، الاثنين، عناصره في شمال سوريا وشرقها إلى «الثأر» من الأكراد. وخاطب المتحدّث باسمه أبو الحسن المهاجر، في تسجيل صوتي نشرته حسابات متطرفة على تطبيق «تليغرام»، «رجالات الدولة» في مناطق سيطرة الأكراد، بالقول: «اثأروا لدماء إخوانكم وأخواتكم وأعلنوها غزوة للثأر... فأحكموا العبوات وانشروا القناصات وأغيروا عليهم بالمفخّخات».
وأضاف: «معركتنا معكم لم يحمِ وطيسها بعد(...) فارقبوها حرباً شاملة لا تُبقي ولا تذر».
ورغم تقلص أراضي التنظيم إلى جيب في قرية صغيرة نائية، قال المتحدث باسم التنظيم إنه «انتصر» بعدما «ثبَت جنوده وأبناؤه» على تمسّكهم «بعقيدتهم» وباتوا «ألوفاً» بعدما كانوا مئات.
ولا يعني حسم المعركة في منطقة دير الزور انتهاء خطر التنظيم، في ظل قدرته على تحريك خلايا نائمة في المناطق الخارجة عن سيطرته واستمرار وجوده في البادية السورية المترامية الأطراف.
وكان الرئيس الأميركي دونالد ترمب، قد أعلن بشكل مفاجئ في يناير قراره المفاجئ سحب نحو ألفي جندي أميركي منتشرين في شمال شرقي سوريا، بعدما حققوا هدفهم بـ«إلحاق» الهزيمة بالتنظيم.
وفي وقت لاحق، قال قائد القوات الأميركية في الشرق الأوسط الجنرال جوزف فوتيل، إن المعركة ضد التنظيم «بعيدة من الانتهاء».
ونفى مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض جون بولتون في تصريحات قبل أسبوع، وجود أي تعارض بين تصريحات ترمب وفوتيل. وقال إن ترمب «لم يتحدث أبداً عن أن القضاء على التنظيم على الأرض يعني نهاية التنظيم بشكل عام».
وتابع: «نعلم أن الوضع ليس كذلك»، موضحاً أن «التهديد سيبقى، لكنّ واحداً من الأسباب التي من أجلها يلتزم الرئيس إبقاء وجود أميركي في العراق وقوة صغيرة من المراقبين في سوريا، هو التصدي لاحتمال عودة حقيقية لتنظيم (داعش)».
وتشكل جبهة الباغوز دليلاً على تعقيدات النزاع السوري الذي بدأ، الجمعة، عامه التاسع، مخلّفاً حصيلة قتلى تخطت 370 ألفاً، من دون أن تسفر الجهود الدولية كافة عن التوصل إلى تسوية سياسية للنزاع.