ناجون يروون لحظات الرعب في «مجزرة المسجدين» بنيوزيلندا

روى عدة أشخاص كُتبت لهم النجاة من الحادث الإرهابي الذي استهدف مسجدين في مدينة كرايستشيرش بنيوزيلندا، شهاداتهم عما رأوه في أثناء «المجزرة»، مؤكدين أنهم كانوا «أوفر حظاً» من غيرهم.
وعقب وصول القاتل إلى مسجد «النور» المطل على شارع يموج بالحركة مقابل حدائق النباتات في كرايستشيرش كانت السيدة هنا أمير تتوقف بالسيارة لإنزال زوجها أمير داوود لأداء الصلاة.
وقال داوود لوكالة «رويترز» للأنباء: «قالت زوجتي إنها تسمع صوت إطلاق نار، إلا أنني قلت لها إنه لا يمكن أن يحدث ذلك في كرايستشيرش. مستحيل. ربما كان ماساً كهربائياً أو شيئاً من هذا القبيل».
وتابع داوود: «عندما شاهدت هَنَا الناس يهرعون خارجين من المسجد بدأت تدور بالسيارة حول المدخل الصغير المؤدي إلى المسجد وعندها ظهر المسلح خارجاً من المبنى، وفجأة أطلق النار باتجاهنا».
وأشار داوود إلى أنه في هذه اللحظة سقط أمام عينيه شاب كان يجري ناحيتهما مبتعداً عن المسجد، وأُصيب برصاصتين، وبعد ذلك انطلقت دفعة من الرصاصات باتجاههما.
واستطرد: «قمت بدفع زوجتي لأسفل وانحنيت عليها وارتدّت الرصاصات عن السيارة وأصاب بعضها الزجاج وبعضها مقدمة السيارة وامتلأت السيارة بالدخان وغاز مكيف الهواء. لكن لم تصبني أي طلقة أنا وزوجتي».
واستخدم الاثنان أيديهما في الضغط على الدواسات وتحريك السيارة بما يكفي للابتعاد إلى حيث الأمان في بيت قريب كان صاحبه يصرخ منادياً عليهما أن يأتيا للاختباء عنده.
وقال داوود: «الكل يقول إننا الأوفر حظاً. صديقي فيصل محظوظ أيضاً لأنه عندما دخل المسلح كان قد دخل دورة المياه وظل طوال الوقت في دورة المياه ليصبح من الناجين».
وأضاف: «أحمد الله أنه لم يدخل غرفة الوضوء وأحمد الله أن زوجتي بخير».
من جهته، قال شيخ محمد فهد الذي كان في قاعة الصلاة: «تجاهلنا صوت أول طلقتين أو ثلاث. ثم أدركنا أن في الأمر شيئاً غير صحيح».
واندفع فهد إلى ركن المسجد، ووجد فتحة كان أحد المصلين قد أحدثها في زجاج الجزء الأسفل من أحد الأبواب وزحف منها خارجاً في الوقت الذي كان المسلح يطلق فيه النار في مقدمة القاعة.
وقال: «أُتيحت تلك اللحظة فقط ولذا استطعت الهرب».
وبحث فهد عن والدته ذات الخمسة والستين عاماً التي كانت قادمة من باكستان لزيارته، فوجدها سالمة.
وقال فهد: «رأيت أمي تقف عند باب المسجد. كانت بخير. لكنها كانت في غاية الاضطراب. فقد رأت الجثث وشاهدت كل شيء».
وانضم أحد المصلين ويدعى عبد القادر أبابورا، إلى قائمة الناجين من الحادث، حيث ارتمى على الأرض واختبأ تحت رف مليء بنسخ من القرآن، وتظاهر بالموت، مقتنعاً بأن القاتل لن يتركه وأن دوره آتٍ لا محالة.
وطوال دقائق من القلق الذي لا يوصف، رأى أبابورا المتطرف الأسترالي وهو يقتل بطريقة منهجية المصلين داخل مسجد «النور». وهو نفسه لا يزال لا يعرف كيف تمكّن من النجاة.
وقال أبابورا لوكالة الصحافة الفرنسية: «إنها أعجوبة»، مضيفاً: «عندما فتحت عينَيّ، لم أر سوى جثث في كل مكان».
وتابع: «بدأ هذا الرجل بإطلاق النار عشوائياً، يساراً ويميناً، بصورة متواصلة. وقد أفرغ ممشطه الأول، ثم استبدله ليبدأ من جديد. ثم أنهى الممشط الثاني ووضع ممشطاً ثالثاً، وبدأ من جديد بإطلاق النار مرة أخرى مثل إنسان آلي، في الغرفة الأخرى أيضاً».
وقال أيضاً: «كنت أنتظر دوري وأقول: الرصاصة المقبلة هي لي، ولم يكن أمامي سوى الصلاة والتفكير بعائلتي».
واستطرد: «لم ينتهِ الكابوس برحيل مطلِق النار عندما أفرغ ممشطه الرابع. ففي الدقائق الطويلة اللاحقة التي تلت، لم يجرؤ أي ناجٍ على إصدار أي صوت. لكن الصمت كسرته صرخات الجرحى الذين لم يعودوا قادرين على كتم أوجاعهم. كانت الدماء في كل مكان».
وسمع أبابورا صديقاً يتوجه إليه بالكلام قائلاً له إنه أصيب في ساقه. أراد مساعدته لكنه عجز عن ذلك بعد أن دوّى الرصاص من جديد.
وتمكن بصعوبة من الخروج ليجد مصلياً آخر -ابنه زميل ابنه البكر- على الأرض مصاباً بجروح مروعة في الفك واليدين والظهر.
وأشار أبابورا إلى أن مطلق النار ترك إلى جانب إحدى الجثتين أحد المماشط، الذي كانت محفورة عليه رموز نازية، وأضاف: «لقد كتب على أسلحته أسماء جميع الأماكن التي هوجم فيها المسلمون».
وعلى غرار معظم الناس، لم يتخيل أبابورا أبداً أن مثل هذه الكراهية ممكنة في كرايستشيرش، في بلد يعد واحداً من أكثر البلدان أماناً في العالم.
ويخلص إلى القول: «لم تعد نيوزيلندا آمنة».
وبالإجمال لقي 50 شخصاً مصرعهم في المجزرة التي ارتكبها برينتون تارنت (28 عاماً) يوم الجمعة الماضي في المسجدين.