ملامح نوبية من «أرض الذهب» في ملتقى فني بالقاهرة

«النوبة أصل الحضارة المصرية»... إحدى مقولات الكاتب الراحل أنيس منصور تتجسد عند زيارة «ملتقى أرض الذهب»، الذي ينقل لجمهور العاصمة المصرية وزوارها الأجانب عبر الفنون التشكيلية واليدوية ملامح من أرض «النوبة»، تلك المنطقة الواقعة في جنوب مصر على طول نهر النيل حتى شمال السودان.
يضم الملتقى، في دورته الثانية، معرضاً للفن التشكيلي، يضم أعمال 30 فناناً ممن جذبتهم النوبة، فترجموا انجذابهم في أعمال فنية، تتنوع بين الرسم والتصوير الفوتوغرافي، ناقلة ملامح هذه الأرض من بشر وحجر... فهذا جلباب أبيض يسكنه جسد أسمر لا يخلو من حمرة، ونساء تمحو آثار حركتها ومشيتها بذيل طويل من ملبسها الأسود ما يسمونه «جِرجار»، وهذا بيت من طين لم تسوِه النار، أما بابه فمفتوح، ومن خلفه ابتسامة صافية تستقبل الضيوف.
كما يضم الملتقى، الذي يستضيفه مركز سعد زغلول الثقافي بالقاهرة، عرضاً فوتوغرافياً للنوبة عبر صور قديمة التقطها المستشرقون الألمان، ترافقها منتجات قديمة استخدمها النوبي القديم، منها سيف حديدي بجراب خشبي، وصينية من الفضة، وأحذية ومنتجات جلدية.
يقول الفنان مجدي عثمان، مدير مركز سعد زغلول الثقافي: «يأتي ملتقى بلاد النوبة (أرض الذهب) في دورته الثانية ليؤكد على علاقة أهل النوبة بأرضهم، فليس ما يميز أهل النوبة الود السريع أو الطيبة والتسامح فقط، إنما هم ملبسون بالنوبة، فلا نجد نوبياً غير معجون بترابها وعشق تاريخها وحكي الأجداد، لذا نجد النوبة في هذه الدورة حاضرة تراثاً ورسماً».
ويلفت عثمان إلى أن الملتقى يكرم 3 من كبار الفنانين الراحلين الذين عبروا في أعمال لهم عن النوبة، وهم أنور عبد المولى (1920 - 1966)، وحسن محمد حسن (1906 – 1990)، ونظير خليل وهبه (1916 – 2001)، الذين يعدون ضيوف شرف الملتقى، حيث تعرض لهم أعمال نادرة، رُسمت بين حقبتي الثلاثينيات والستينيات، مبيناً أن وجود ضيوف شرف من أجيال الرواد تقليد تتبناه إدارة الملتقى، للتعرف على أعمال أصلية لهم خاصة من جانب أجيال الفنانين الشباب، ما يخلق حالة من التفاعل، وهو ما يعطي الملتقى ثقلاً أكبر.
«يهدف الملتقى إلى خلق حالة نوبية متكاملة تجمع الفن والثقافة والأدب والتاريخ والجغرافيا»، هكذا قال الفنان إيهاب لطفي، المنظم الفني للملتقى لـ«الشرق الأوسط»، موضحاً أن الدورة الثانية تحاول ترسيخ فكرة الملتقى في خلق هذه الحالة، فبجانب المعرض التشكيلي يتيح الملتقى عرض منتجات من البيئة النوبية، لا سيما المنتجات اليدوية، كالحلي التقليدية والمصوغات، والفنون النوبية من مشغولات الخرز ورسم الحناء، وكلاهما يقدم للجمهور في عرض مباشر، إلى جانب تقديم الأغذية والرقصات والفنون النوبية، وعدد من الندوات التي توثق هذا التراث الغني، مضيفاً: «يتيح الملتقى الفرصة لوجوه شابة تشاركنا لأول مرة، حتى نربطهم بالأصول وبأهمية الحفاظ على التراث النوبي وتوثيقه، فيتأثرون بما يرون من أعمال فنانين كبار، وبالتالي اكتساب مهارات وخبرات مختلفة، ثم محاولة إعادة صياغة ذلك بطرق حديثة، ومحاولة تقديم الأفضل بما يؤصل لهذا التراث النوبي الثري».
من بين هذه الصياغات الحديثة ما يقدمه الفنان الشاب محمود الدمرداش، الذي اختار لوحة بمقاس غير معتاد (100سم×20سم) ليقدم من خلالها مشهداً بانورامياً من النوبة، ويقول: «هذا المقاس بداية أراه تحدياً أحاول أن أقدم من خلاله شكلاً مختلفاً، أما عن المضمون؛ فأنا أحاول التعبير عن الثقافة النوبية في المقام الأول، حيث الرقص والآلات الموسيقية، والفن الفطري والزينة على واجهات البيوت البدائية، فهي فنون بسيطة وموتيفات قريبة من القلب، حاولت أن أنقلها أيضاً بأسلوب مبسط، فأنا متأثر بالحالة من الجمال النوبي الذي أحببته بعد أن لمسته عن قرب».
أما أعمال المصور تامر حسن، المنتمي للنوبة، فهو مهتم بالعمارة النوبية والجزء التراثي فيها لكونه مهندساً معمارياً في الأساس، ويوضح أنه يشارك بـ3 بورتريهات لأجيال مختلفة و3 لقطات أخرى للطعام والمنازل النوبية. مثمناً فكرة الملتقى في الحفاظ على الهوية والتراث النوبي، قائلاً: «لدينا جنون وعشق للنوبة، وتراثنا ما يميزنا، لذا علينا مسؤولية أن نحافظ عليه ونوثقه بشتى الوسائل الفنية، وتعريف الجيل الجديد به».