قصص «ألف ليلة وليلة» يرويها 7 فنانين أميركيين بريشتهم المعاصرة

نسخة جديدة من كتاب «ألف ليلة وليلة» يشهدها وسط بيروت في غاليري «أرتوال آرت» ولكن هذه المرة بريشة سبعة رسامين أميركيين.
فكما شخصيات «شهرزاد» و«علي بابا» و«علاء الدين» كذلك يحضر في هذا المعرض أجواء الشرق الساحرة من الهند واليونان وشمال أفريقيا وتركيا وبغداد وغيرها من البلدان التي ترتكز عليها قصص «ألف ليلة وليلة». فينقلها الفنانون السبعة على لوحات ضخمة ليتسنّى لريشتهم الغوص في هذا العالم الغني بالحضارات. وعندما يقف زائر المعرض أمامها يشعر بأنّه يعايش ذلك العصر مباشرة في مشهدية ثلاثية الأبعاد مطبوعة بفيض من أدوات تلك المرحلة. فتسجلّها خطوط ريشة معاصرة تؤدي دور شهرزاد إلى حين أدركها الصباح لتسكت عن الكلام المباح.
واختارت هند أحمد صاحبة غاليري «أرتوال» في وسط بيروت، هذا الكتاب الشهير عبر العالم، لتفتتح معه أول المعارض التي ستستمر طيلة أيام السنة.
ويستند معرض «ألف ليلة وليلة» إلى حكايات تعود إلى أوائل القرن التاسع، ينقل كنوز الراوية شهرزاد التي تزوجت الملك شهريار. وتأتي لوحات المعرض لتجسد تلك الحكايات بريشة فنية معاصرة غنية بالألوان وبتقنيات رسم الأكليريك الحديث، المطبوع بفنون الـ«ميكس ميديا» الرائجة في عالمنا اليوم. وآثر كل من الفنانين السبعة المشاركين في المعرض وهم روسن كرو وأليسون زوكرمان وهولي كوليس وجاميا ريتشموند إدواردز وجوناثان شابلن ومونيكا كيم غارزا وكانيون كاستاتور أن يقدموا فيه تلك الحقبة على طريقتهم وبأسلوبهم الخارج عن المألوف.
«هذا المعرض الذي تعاونت فيه مع ماريا بريتو المنسقة العامة لأعمال الفنانين السبعة، يضمّ قطعا فنية من لوحات ومنحوتات نفّذت خصيصا لهذا الحدث في بيروت». تقول هند أحمد صاحبة غاليري «أرتوال» الذي يستضيف المعرض.
وتضيف في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «لقد ورثت هوايتي هذه عن والدي ناظم أحمد الذي عمل أيضا في هذا المجال. كما تمسكت بأن يمزج ما بين الشرق والغرب لنسجل من خلاله تواصلا بين الثقافتين يكون مركزه لبنان».
يغوص زائر هذا المعرض تلقائيا في شخصيات اللوحات المعروضة التي يبلغ عددها نحو 17 عملاً بين رسم ونحت، برزت فيها عناصر الفن الحديث المستوحى من القرن التاسع وهي الحقبة التي تدور فيها قصص الرواية الشعبية العالمية.
نشاهد شهرزاد بريشة أليسون زوكرمان كما لم نرها من قبل امرأة تشعّ جمالاً مليئة بالحركة والديناميكية. فهي متأثرة بفنانين لمعوا عبر التاريخ أمثال ماتيس ومارغريت الذين استحضرت تقنيتهم في أعمالها لتمزجها مع البوب آرت المعاصر.
وتعد الفنانة روسون كرو المشاركة في المعرض وقد جاءت لبنان من لوس أنجليس من بين الرسامين المعاصرين المعروفين في العالم. فهي شاركت في معارض عالمية أقيمت في متاحف توكسون واريزونا ونيويورك. وفي لوحتها «شهرزاد» التي تتصدّر المعرض تلفتك بريشتها الملمة بأجواء الشرق. وتقدم فيها زوجة شهريار امرأة قوية وحالمة معاً تقف وسط لوحة غنية بديكورات شرقية وقد عزّزتها تقنية الحبر المحقون على الورق.
لا يغيب فانوس علاء الدين والسجاد الأصفهاني المزركش والحدائق المعلقة والقعدات الشعبية الفخمة، إضافة إلى تفاحة حواء وبساط الريح وجرة الفخار، عن أعمال الفنانين السبعة. فهم يركنون إليها للإشارة بوضوح إلى موضوع المعرض فتحرّك خيال زائره في رحلة أدبية تاريخية تزخر بالحداثة. وفي المقابل نلحظ خيوط الصّوف وقصّات بنطال جينز فضفاض مرقّط وشراشيب كحلية وأظافر مقلّمة تأخذنا مع فنون الـ«ميكس ميديا» و«الكولاج» إلى الألفية الثانية ومظاهر الأنوثة العصرية.
«لقد تأثرت بقصص ألف ليلة وليلة منذ صغري من خلال أفلام ديزني»، يقول جوناتان شابلن في حديث لـ«الشرق الأوسط». ويضيف: «لقد تساءلت مراراً كيف يمكنني ترجمتها بريشتي خصوصاً أنّها تجمع عالماً فريداً من نوعه في حكاياتها. ومع ألوان دافئة يغلب عليها الزهري الذي يرمز للحضور الأنثوي تفاعلت مع ريشتي وقدّمت لوحة «الكتاب» ومنحوتة «فانوس علاء الدين». كما تركت لخيالي العنان كي أصور في لوحة «الغرفة» المكان الذي كان يجلس فيه كل من شهرزاد وشهريار مستخدما فن الأرابسك تارة وأدوات أثاث حديثة فيها تارة أخرى.
أمّا الفنان الأميركي كانيون كاستراتور الذي اعتبر زيارته إلى لبنان بمثابة حكاية شرقية بحد ذاتها، فيقدّم في لوحته «علي بابا والأربعين حرامي»، نماذج ترتبط بموضوعاتها اختارها على طريقته. فرسم شخصيات سياسية معاصرة أمثال رؤساء الجمهورية الأميركيين جيمي كارتر ورونالد ريغان وجورج بوش وباراك أوباما، وأخرى نسائية حفرت في التاريخ ككليوبترا وموناليزا ليؤلّف خلطة «40 حرامي» بأسلوبه الخاص. ويقول في حديث لـ«الشرق الأوسط» إن «الشخصيات التي اخترتها تحكّمت بالعالم بعد أن حوّلته إلى مغارة علي بابا. فيما بعضها الآخر تركت أثرها الإيجابي عبر التاريخ فسرقت انتباهنا بأسلوب آخر».
فيضٌ من سحر عالم الشرق يقابله كمٌّ من الانفتاح الذي يطبع عالم الغرب، يسود معرض «ألف ليلة وليلة». فهذه القصة التي ألهمت بغموضها وتنوعها صنّاع أفلام السينما وعروض الباليه والمسرح والفنون البصرية في العالم، ستحتضنها بيروت في معرض رسم لغاية 3 مايو (أيار) المقبل.