إلمور ليونارد أحب الوسترن والبوليسي وأحبته هوليوود

نعم، مات إلمور ليونارد، أو «ديكنز دترويت» كما قيل عنه يوم الثلاثاء من هذا الأسبوع عن 87 سنة قضاها بين شخصياته المحببة وحكاياتها الغريبة التي تمت حياكة 26 فيلما منها منذ عام 1957 وإلى الآن علما بأن هناك فيلما جديدا انتهي من تصويره قبل أيام بعنوان «حياة الجريمة» الذي تتوزّع بطولته بين تيم روبنز وجنيفر أنيستون وإيسلا فيشر (من إخراج دانيال شستر).
ولد في مدينة نيو أورليانز سنة 1925 لكنه انتقل إلى مدينة دترويت سنة 1934 لأن والده أصبح رئيسا تنفيذيا لشركة «جنرال موتورز». عندما أنهى دراسته في الكلية تسلم عمله الأول كموظف في شركة إعلانات ثم أخذ يكتب الروايات من عام 1953.

كتاباته الأولى كانت تنتمي إلى روايات الغرب الأميركي (وسترن). كان يستيقظ في الخامسة صباحا ويكتب حتى السابعة قبل أن ينصرف إلى عمله في تلك الشركة. حين استقال من عمله استبدل الساعات قليلا: بات يستيقظ باكرا ثم يغلق باب غرفته عليه في العاشرة صباحا وحتى السادسة مساء ينصرف خلالها، ومن دون وجبة غذاء، للكتابة.

كان كتب ثلاث روايات وسترن قبل أن تطلب هوليوود منه أن يكتب لها قصصا لأفلامها. الرواية الأولى التي وضعها بعنوان «صائدو الجائزة» The Bounty Hunters لم تتحول قط إلى فيلم سينمائي، لكن الثانية، «القانون عند راندادو» انتقلت سنة 1990 إلى فيلم «منازلة عند الحدود» Border Shootout لكن القصة الأولى التي كتبها خصيصا للسينما وأنجزت فعلا كانت The Tall T سنة 1957 التي أمها المخرج المعروف بذلك النوع بد بوويتيكر من بطولة نجم الوسترن آنذاك راندولف سكوت.

في العام نفسه باع قصة أخرى مباشرة إلى السينما لفيلم نال شهرة أوسع هو «3:10 إلى يوما» 3:10 to Yuma الذي قام بتحقيقه سينمائي آخر مولع بالغرب هو دلمر دافز وقام ببطولته غلن فورد في دور رئيس العصابة الذي يلقي القبض عليه مزارع بسيط أداه فان هفلن. الفيلم نفسه تمت إعادة تحقيقه سنة 2007 تحت نفس العنوان عندما قام جيمس مانغولد باستحداث نسخة من بطولة راسل كراو وكرستيان بايل توازي الفيلم الأول جودة ولو اختلفت عنها في أسلوب العمل وفي بعض الأحداث والمفارقات.

بعد ذلك انفصل درب الكاتب عن درب هوليوود حتى عام 1967 عندما باع الأول حقوق روايته «أومبري» التي نشرها سنة 1961 إلى المنتج والمخرج مارتن رت ليصنع منها فيلما من بطولة بول نيومان حول رجل من أصل هندي يدافع عن ركاب عربة وقع أصحابها في فك لعصابة.

مزج بشري هذا الرجل الخارج عن المجتمع الذي يعيش فيه، والذي ينظر إليه الرجل الأبيض بارتياب ما يبعث على شعور متبادل من الكراهية، تكرر العمل عليه عندما وضع ليونارد رواية «فالديز آت» سنة 1970 فحولتها السينما إلى فيلم جيّد من بطولة بيرت لانكاستر الذي يلعب دور «شريف» مكسيكي الأصل يعمد إلى السلاح ليجبر صاحب مزرعة تعويض امرأة هندية عما لحق بها عندما اتهمت بقتل رجل أسود.

تعدد الشخصيات ومصادرها البشرية موجود أيضا في «جو كيد» Joe Kidd الذي قام بإخراجه سنة 1972 جون ستيرجز من بطولة كلينت إيستوود: هو أبيض (لم يؤد دورا غير ذلك طوال حياته المهنية) كذلك رئيس عصبة الأشرار (روبرت دوفال) لكن الشخصيات التي يقومان معا بمطاردتها هي مكسيكية - أميركية. سوف يقرر إيستوود الانفصال عن العصابة وتمكين المكسيكيين من تحقيق العدالة بأيديهم من دون أن يعمل معهم مباشرة.

بعد ذلك، ومع أن الكتابة البوليسية كانت بدأت تنتاب ليونارد وبعض الأعمال السينمائية المستوحاة من رواياته في الستينات، زادت أعماله البوليسية - تلك التي سيشتهر بها أكثر من سواها. السينما نقلت سنة 1974 رواية ليونارد «مستر ماجستيك» إلى فيلم من بطولة تشارلز برونسون الذي أدى هنا دور مزارع بطيخ يتصدى للعصابة التي تريد القضاء عليه.. يساعده في تحقيق المهمة خبرة غامضة كونه كان قاتلا مأجورا فيما مضى.

لكن في حين أن روايات ليونارد لم تتوقف عن غزو سوق الأدب البوليسي ومنح صاحبها مكانته الخاصة كواحد من أفضل رواة هذا النوع في جيل ما بعد رايموند تشاندلر وجيمس م. كاين، غابت السينما عن التعامل معها حتى منتصف الثمانينات عندما قام بيرت رينولدز بإخراج وبطولة «ستيك» 1984 الذي انبرى كأول فيلم بوليسي داكن النبرة أقدمت هوليوود عليه من أعمال المؤلف. في العام نفسه تم تحويل رواية لا تنتمي إلى عالم ليونارد، ولو أنه هو واضعها، وهي «السفير» التي دارت أحداثها حول فضيحة محتملة في عقر دار سفير واشنطن في تل أبيب. هذه الرواية تم لاحقا إعادة تحويلها إلى فيلم آخر هو 52Pick Up فبدت كما لو كانت حكاية مختلفة تماما.

هناك عدّة أعمال بين هذه الفترة ومنتصف التسعينات عندما قام باري سوننفلد بإخراج «اقبض على شورتي» أو Get Shorty مع جون ترافولتا وجين هاكمن ورينيه روسو: بوليسي مثّل ميل الكاتب صوب أشرار رماديين يتعاملون مع أشرار أكثر دكانة. سنة 1997 قام المخرج كوينتن تارنتينو بتحقيق ما يمكن اعتباره تجسيدا أفضل لعالم ليونارد حين أخرج «جاكي براون» مع بام غرير وسامويل ل. جاكسون وروبرت فورستر وروبرت دي نيرو في البطولة.

ليونارد أحب الغرب وشخصياته منذ أن ترعرع معجبا برجال العصابات في الثلاثينات. هناك صورة له وعائلته وهي تقف أمام سيارة قديمة على النحو الذي التقط لعصابة بوني وكلايد. هو في الصورة يوجه أصبعه نحو الكاميرا كما لو كان يحمل مسدّسا.

* كاتبه المفضل ووصاياه

* كان أرنست همنغواي هو كاتب إلمور ليونارد المفضل ومنه استوحى فضيلة أن لا يستخدم المؤلف كلمات كثيرة في وصف أي حالة. قبل سنوات من وفاته وضع ليونارد لائحة بعشر نصائح لمن يود العمل مؤلفا من بينها ثلاث تلتقي عند ضرورة التقصّد في استخدام كلمات الوصف والابتعاد عن المقدّمات الطويلة. في نهايتها لخص الكاتب إلى: «إذا بدت روايتك مكتوبة.. أعد كتابتها».