الحزن يخيم على العاصمة طرابلس وسقوط مئات القتلى والجرحى في معركة المطار

شهدت العاصمة الليبية طرابلس أمس يوما داميا من المعارك الطاحنة التي تخوضها ميلشيات مسلحة تسعى للسيطرة على مطار طرابلس الدولي، أسفرت عن سقوط مئات القتلى والجرحى وفقا لما أبلغته مصادر ليبية رسمية لـ«الشرق الأوسط».
وسقطت عدة قذائف صاروخية على مناطق سكنية في أعنف قصف من نوعه تشهده المدينة منذ اندلاع معركة المطار في 13 من الشهر الماضي.
وعاشت مدينة طرابلس أجواء من الحزن حيث كادت الشوارع تخلو من حركة السيارات والمارة، فيما رسم مسؤول ليبي صورة قاتمة لـ«الشرق الأوسط» عن الوضع في المدينة حيث قال عبر الهاتف «لا حركة في العاصمة والناس في حزن وتشاؤم والكهرباء من الصباح مقطوعة على أغلب الأحياء وأعداد اللاجئين النازحين من مناطق الاشتباك في محيط المطار في تزايد».
وأوضح المسؤول الذي طلب من «الشرق الأوسط» عدم تعريفه، أن الوضع كان هادئا تماما وتخللته أصوات قذائف ثلاث مرات تقريبا بحلول عصر أمس لكن سرعان ما استأنفت الميلشيات القصف العنيف بمختلف الأسلحة الثقيلة والمتوسطة، مشيرا إلى أن القوات المتحاربة استغلت الوقف المؤقت الذي دام لبضع ساعات لإعادة حشد صفوفها واستجلاب الذخائر.
وطبقا لشهادة عمران علي أحد سكان مدينة طرابلس لـ«الشرق الأوسط» فإن مناطق جنوب طرابلس ومدخلها الغربي تعيش أجواء الحرب، وقال «نتيجة لظروف المدينة هناك طوابير طويلة لعدة كيلو مترات على محطات البنزين ونزوح سكان منطقة الحرب إلى المدن المجاورة بالإضافة إلى أن 50% من العاملين لا يحضرون لأعمالهم وأكثر من 50% من المحلات مقفلة والشوارع ليست مزدحمة.
وأضاف عمران «أصوات القذائف تسمع في جميع أنحاء العاصمة، كانت القذائف بمعدل كل دقيقة تسمع قذيفة أو أكثر».
وأكد صحافي محلي لـ«الشرق الأوسط» أن معظم الدوائر الحكومية التي تقع في جنوب طرابلس حيث مقر وزارة الداخلية ورئاسة الأركان كانت مغلقة، مشيرا إلى توقف منظومة الجوازات عن العمل باعتبار أن مقرها الرئيس قريب من منطقة الاشتباكات وحيث يعجز الموظفون الحكوميون عن الالتحاق بالعمل.
لكن خارج مناطق الاشتباكات تبدو الحياة شبه طبيعية، حيث قالت مواطنة لـ«الشرق الأوسط»
«الناس تعيش حياتها بشكل عادي في المناطق التي لم تقصف بعد مثل بن عاشور وزناتة وزاوية الدهماني والهضبة وقرجي»، وأضافت «صحيح هناك محلات مغلقة لكن أيضا ثمة محلات مفتوحة وناس وكأن ما يحدث لا يعنيها».
وتابعت «في الصباح منطقة سيدي المصري التي تبعد نحو 8 كيلومترات عن منطقة الاشتباكات، كانت مزدحمة بالسيارات بعكس منطقة زناتة مثلا تجد ناسا لكن دون زحمة، تشعر أن الوضع غير طبيعي لأن أعداد الناس أقل ولأن المحلات مغلقة، لكن في العموم هناك حياة».
وبينما قال الناطق الرسمي باسم وزارة الداخلية الليبية إنه لا يملك أي إحصائيات رسمية بشأن عدد القتلى والجرحى، قالت مصادر أمنية وعسكرية إن ما لا يقل عن 220 قد سقطوا ما بين قتيل وجريح في المعارك التي شهدتها طرابلس مساء أول من أمس وحتى الساعة الرابعة فجرا عندما هدأت المعارك وتوقفت تماما قبل أن تعود بعنف لاحقا مساء أمس.
وقالت وكالة الأنباء المحلية إن «مستشفى غريان المركزي استقبل أمس خمس جثث من أبناء المدينة الذي قتلوا أثناء مشاركتهم في الاقتتال الدائر في العاصمة طرابلس ضمن قوات ما يسمى بعملية فجر ليبيا التي يشنها مقاتلون من مصراتة وحلفائهم ضد ميلشيات الزنتان التي تدافع عن المطار».
وامتنعت وزارة الصحة الليبية عن تقديم أي إحصائيات عن خسائر القتال حتى الآن، بينما تقول مصادر محسوبة على ميلشيات مصراتة وحلفائها إن «لديهم 100 قتيل ونحو 140 جريحا على الأقل في صفوف قواتهم التي حاولت الالتفاف على قوات الزنتان وجيش القبائل المتحالفة معها وتم دحرها».
وقال مسؤول «بالنسبة لمستشفى معتيقة الجرحى بالمئات والإسعاف لم تتوقف، الوفيات صعب تحديدها لكن الذي وقع بعلمي أنا تقريبا 30 قتيلا بين الزاوية وجنزور وطرابلس ومصراتة».
وتابع سيارات الإسعاف طوال الوقت تنقل الجرحى، مصراتة تنقل جرحاها مباشرة إليها وكذلك الزنتان إلا إذا وقع أحدهما بيد الآخر أو كانت حالته مستعجلة فينقل جرحى مصراتة لمعتيقة وجرحى الزنتان للزهراء، موضحا أن الهلال الأحمر يسلم كل الجثث للمعسكر الذي يتبع له الضحية ولا يصل لمستشفيات العاصمة إلا ضحايا طرابلس وضواحيها فقط.
وفيما يخص وضع السكان في مناطق القتال، قال نفس المصدر إنها كلها أصبحت مهجرة والمناطق كلها أشباح.
من جهته أصدر المستشار إبراهيم بشية القائم بأعمال النائب العام الليبي قرارا يقضي بالتحقيق في الجرائم المرتكبة نتيجة أحداث طرابلس والأعمال المسلحة المرتبطة بها.
وقال الصديق الصور رئيس قسم التحقيقات بمكتب النائب العام إنه «أصدر قرارا بالتحقيق في كل الجرائم نتيجة أحداث طرابلس المسلحة سواء تم تصنيف هذه الجرائم كجريمة حرب أو ضد الإنسانية أو حجز للحريات».
وأضاف أن مكتب النائب العام «يقوم بفتح أبوابه في طرابلس يوميا على الرغم من هذه الظروف الأمنية والخدمية المتدهورة»، مشيرا إلى أنه تم إنشاء صندوق للشكاوى وتلقي البلاغات من المواطنين المتضررين والذين تعرضوا لجرائم أو خسائر مادية ومعنوية نتيجة الأعمال المسلحة في طرابلس.
ونددت اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان الليبية بالاعتداء على أحد فرق الهلال الأحمر الليبي أثناء إسعاف المصابين وانتشال الجثث بمناطق التوتر والنزاع المسلح في العاصمة، وأكدت اللجنة في بيان لها أن الاستهداف والاعتداء على المسعفين واستهداف المدنيين من الأطفال والنساء وشبكات المياه والتيار الكهربائي تشكل جرائم حرب واضحة لأنها من المصادر والوسائل الضرورية لحياة السكان واستهدافها يقع في إطار جرائم الحرب.
من جهتها أدانت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا مجددا ما وصفته بالتصعيد الخطير في المواجهات المسلحة التي تشهدها طرابلس وضواحيها، وأعربت عن استنكارها قصف الأحياء السكنية وإصابة المدنيين وتهجيرهم وإلحاق الضرر بالممتلكات.
وقالت البعثة في بيان لـ«الشرق الأوسط» إنها «وهي تأسف شديد الأسف لعدم التجاوب مع النداءات الدولية المتكررة ومع مساعيها من أجل الوصول إلى وقف فوري لإطلاق النار. وتحذر مما يشكله استمرار الاقتتال من تهديد جدي للعملية السياسية ولأمن واستقرار ليبيا وسلمها الأهلي».
ودعت البعثة كل الأطراف إلى العمل من أجل وضع حد نهائي للتدهور الأمني الذي ينذر بعواقب خطيرة على الصعيد الإنساني.
ولفتت إلى أنه لا يسعها إلا مواصلة جهودها بروح الإنصاف والشفافية والحرص على مصلحة ليبيا الوطنية، مشيرة إلى أنها تناشد الجميع التعاون معها في وقف النزيف البشري ودرء المزيد من الخسائر والإسراع في معالجة الأزمة الراهنة، بدءا من وقف المعارك.
من جهة أخرى ، أعلن مجلس شورى ثوار مدينة بنغازي الذي يخوض معارك طاحنة ومتقطعة ضد قوات الجيش الوطني الليبي بقيادة اللواء المتقاعد خليفة حفتر، رفضه تأسيس شخصيات من حكماء ومشايخ ووجهاء المدينة لمجلس أهلي جديد يحمل اسم شورى بنغازي بشرق البلاد.
وقال مجلس الثوار إن الكيان الجديد يضم أعضاء حزب العدالة والبناء، المحسوب على جماعة الإخوان المسلمين في ليبيا، وحزب الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا وتحالف القوى الوطنية وغيرها من الأحزاب، واتهمهم بأنهم أهلكوا البلاد وأنهكوها وأدخلوها في أتون حرب مصالحهم السياسية.
وجدد المجلس رفضه للديمقراطية والأحزاب العلمانية أو الأحزاب التي تدعي زورا وبهتانا القضية الإسلامية، وشدد على أن بنغازي لن ترتاح إلا إذا خرجت منها كل هذه المشاريع الحزبية والجهوية.
ويضم مجلس شورى ثوار بنغازي المؤسس في شهر يونيو (حزيران) الماضي، معظم الكتائب الثورية المسلحة في المدينة إضافة لتنظيم أنصار الشريعة الجهادي.
من جهته، قال عضو باللجنة التحضيرية لمجلس شوري بنغازي إن الأوضاع الأمنية في المدينة بلغت حدا لا يمكن تحمله بسبب استمرار الاختراقات الأمنية والتي تمثلت في الإرهاب والقرصنة وترويع المواطنين في حياتهم وأرزاقهم، بالإضافة إلى تزايد تنامي ظاهرة التطرف القبلي والجهوي والفكري والديني وغياب تام لمؤسسات الدولة الأمنية والقضائية والخدمية.
وتظاهر جمع من أهالي وسكان منطقة بوعطني أمام مبنى ديوان رئاسة الوزراء ببنغازي احتجاجا على تردي الأوضاع المعيشية والخدمية بالمنطقة.
وطالب سكان وأهالي المنطقة خلال وقفتهم مجلس النواب والحكومة المؤقتة بتحمل كامل المسؤولية تجاه المنطقة، وحذروا من أن الوضع الإنساني بالمنطقة متدن جدا، الأمر الذي أدى إلى نزوح العائلات بالكامل نتيجة القصف العشوائي وانقطاع جميع الخدمات الضرورية كالكهرباء والمياه وانتشار الروائح الكريهة.