صحافة من الباب الكبير

نشأت مشغوفاً بقراءة الصحف، وهو ما ساقني طوعاً إلى أن ألتحق بقسم الإعلام في جامعة المؤسس، ولكن علاقتي العملية بالصحافة لم تبدأ إلا في السنة الأخيرة من دراستي الجامعية (منتصف عام 1994) حين اطلعت في جريدة «الشرق الأوسط» على إعلان للشركة السعودية للأبحاث والنشر يدعو طلاب السنة الأخيرة في أقسام الإعلام للتقدم إلى دروات للتدريب والتوظيف، ولم يكن في دفعتي من يدرس في شعبة الصحافة إلا اثنان (أنا أحدهما)، فسارعت بالتقدم، وفي غضون أسبوعين، أُبلِغت بطلب حضوري إلى الشركة.
ذهبت إلى المقر في الموعد المحدد، وكان أول من التقيته هناك الدكتور صلاح قبضايا - رحمه الله، وكان مشرفاً على التدريب المستحدث في الشركة، ولعلي كنت ضمن ثاني دفعة تلتحق به.
طلب مني الدكتور صلاح أن أقرأ خبراً في الصحيفة، ثم قال أعد صياغة الخبر بطريقتك، وضع له عنواناً مختلفاً، فكان له ما أراد.
أخذ الدكتور صلاح الورقة واصطحبني للقاء الأستاذ محمد معروف الشيباني العضو المنتدب في الشركة آنذاك، وإذ دلف إلى مكتب الأستاذ الشيباني، مكثت منتظراً لدى مدير مكتبه.
بعد قليل استدعيت إلى مكتب الأستاذ الشيباني الذي اطلع على الخبر الذي أعدت كتابته. قال لي: لماذا خطك في ورقة السيرة الذاتية مختلف عن خطك في كتابة الخبر؟ فأجبت بأن الأولى كانت بروية والثانية كانت على عجل. وأنا الآن أعتذر إلى الأستاذ الشيباني، وأقرّ أن الذي خطّ السيرة الذاتية هو زميلي في سكن الجامعة ولست أنا.
كانت مقابلة مقلقة؛ فهي الأولى في حياتي وكنت وقتها طالباً جامعياً أناهز العشرين عاماً، لكن طمأنني قول المقابل إن رئيس مجلس الإدارة وقتها الأمير أحمد بن سلمان - رحمه الله - حريص على توطين مهنة الصحافة.
بعد قرابة أسبوعين، نشرت صحف المجموعة أسماء المقبولين للتدريب، وكنا خمسة، خضعنا للدورة أربعة أشهر، وفي تلك الفترة تخرجت في الجامعة، وبعد إتمام التدريب تم توزيعنا على صحف المجموعة، وكنت من نصيب صحيفة «الاقتصادية» أو هي كانت من نصيبي.
في مبنى الشركة السعودية للأبحاث والنشر كان أسبوعي الأول للعمل، وكنت منبهراً بأن أرى الكتاب الصحافيين الذين كنت أعتقد أن رؤيتهم على الطبيعة «معجزة لا تتنزل على العامة».
بدأت مع صحيفة «الاقتصادية» في مطلع عام 1995، كان علي مع الأستاذ محمد التونسي - أول رئيس تحرير لهذه الصحيفة - أن أعيد صياغة حياتي قبل تعلم صياغة الخبر؛ أن تأتي بزي مناسب للعمل، وأن تحضر قبل التاسعة والنصف يومياً لحضور الاجتماع الصباحي للتحرير، حتى تشربت ما سنسميه لاحقاً «مدرسة التونسي»، وهي مدرسة لها قواعد كثيرة لكنها محددة وواضحة.
بعد عامين في جدة، قررت الشركة الناشرة نقل مقر الصحيفة إلى الرياض، وكنت قد شهدت في جدة أول تغير في مسماي الصحافي، من محرر إلى «محرر رئيسي».
وفي 31 مارس (آذار) 2010، كنت أكتب رسالة نصية أبلغ فيها قائمة مختارة من علاقاتي ومصادري أن هذا اليوم هو يومي الأخير في بلاط «صاحبة الجلالة» بعد أن قضيت فيها 15 عاماً، وغادرتها مديراً للتحرير في صحيفة يصدرها أكبر ناشر صحافي في العالم العربي «المجموعة السعودية للأبحاث والتسويق».
حدث ذلك عن قناعة تامة، ولهذا قاومت كل المغريات التي كانت تأتي لي كغيري من الصحافيين. بقيت في «الأبحاث والنشر - الاقتصادية»، لم أغيرها ولم تتغير علي حتى بعد أن خرجت من الباب الكبير.
- إعلامي سعودي