مناظرة فنية في أتيليه القاهرة بين التجريدية والسريالية والتصوير

يحتضن «أتيليه القاهرة للفنانين والكتاب»، 3 معارض فنية تقدم تجارب متفردة لـ3 فنانين مصريين، كل منهم له حضوره الخاص وفلسفته اللونية، وهم: حمدي الزيني، ونيفين محمد، وياسر جاد.
وعن معرضه المعنون بـ«طوف وشوف»، يقول الفنان حمدي الزيني لـ«الشرق الأوسط»: «حاولت أن يعكس المعرض 40 عاماً من مسيرتي الفنية مع تجاربي المتنوعة، فأنا أعتبره بداية جديدة لمرحلة مغايرة... المسمى يهدف لإرشاد المتلقي إلى أن المعرض يأخذ قطوفاً من الأزمنة والأمكنة يسلط عيها الضوء في محاولة لإعادة التفكير فيها».
محطات عبر الزمن يرتحل عبرها المتلقي ما بين عصر المماليك والعصور التالية له، وما بين القاهرة الفاطمية والريف المصري وشواطئ الإسكندرية، مقدماً الموروثات الثقافية المصرية بضربات ريشته الرشيقة، موضحاً: «أود أن أقول إننا ننتمي إلى هذا الموروث بكل تنوعه وثرائه، ونرى فيه ما نفتخر ونزهو به كأبطال».
نقلات نوعية في تناول أفكار متعددة المشارب، تعكسها لوحات معرض الزيني، وحول سبب انشغاله بالحقبة الزمنية المملوكية التي جسدها عبر 4 لوحات، يضيف قائلاً: «شعرت بأننا نحتاج أو نخوض حرباً في شتى مناحي الحياة، كما أننا نحتاج إلى مواجهة الكثير من الأشياء والسلبيات في حياتنا وعبّرت عن ذلك بلغة التشكيل بتجسيد تلك الحالة، من المواجهة، إما بالخامات أو بأدوات الرسم.
استعان الزيني عبر نحو 40 لوحة بأدوات متنوعة (قلم رصاص - سوفت باستيل - أكريليك - جواش - ألوان مائية - أكوريل - زيت) مقدماً فن البورتريه واللوحات الانطباعية والتصوير واللوحات التعبيرية لمناظر طبيعية تعكس بهجة الحياة بكل صورها.
الفنان حمدي الزيني يتسلح بريشته وقلمه متخطياً العقبات والمصاعب، محاولاً التنقيب عن سر الخامات، وهو يرى أن «كل خامة لها خصائص معينة وتعطي تأثيراً مختلفاً، وبالتالي يمكن للفنان أن يطوع أدواته أو فكرته وفقاً لها». ويضيف: «أحياناً تكون اللوحة كاملة في خيالي، وأحياناً أخرى أضطر إلى تغيير بعض عناصرها؛ وفقاً لطبيعة الخامة التي أعمل عليها، وربما أستدعي خامة أخرى ومادة أخرى». وهذا ما يفسر وجود لوحات تمزج ما بين الأكوريل والأكريليك، ويقول: «أحياناً العقبات التي تواجه الفنان أثناء عمله على اللوحة تجعله يتطور ويغير من آفاقه الفنية وهذا يصنع فرص للابتكار وتصنع لوحات فيها دهشة وأفكار جميلة».
أما الفنانة الدكتورة نيفين محمد، الأستاذة بكلية التربية الفنية بجامعة حلوان، فتقول عن معرضها «انفصال واتصال»: «حاولت فيه أن أعبر عن المساحات المنفصلة، والوصل فيما بينها في الوقت نفسه، فمرات يكون الخط هو سبب الانفصال، وأحياناً يكون هو سبب الاتصال».
استخدمت الفنانة تقنية «الماربلينج» التي تشابه تقنية الإبرو، لكن الفنانة نيفين تقوم بعزل بعض المساحات بإتقان وتؤكدها وتعيد تصمميها بدرجات لونية متدرجة؛ لتعطي أبعاداً لسطح الصورة تصطحب المتلقي إلى ما هو أبعد من إطار اللوحة، معطية إيحاء قوياً بأنها من الفنانين القلائل الذين يتحكمون في اللوحة والخامة واللون فتشعر بأنها تتحكم في العناصر وتدمجها.
لوحات باعثة على التأمل والتفكير، هي دعوة الفنانة نيفين محمد، لإطلاق العنان للفكر والخيال، بلوحات مزجت فيها التجريد مع السريالية. وعن الحالة الإبداعية المصاحبة لتلك اللوحات المتفردة في سياقها الجمالي والفكري، تقول الفنانة نيفين: «التفكير في اللوحة هو أصعب مرحلة بالنسبة لها، وتظل اللوحة في حالة بناء مستمر حتى تصل إلى حل مُرضٍ لها ولعلاقات متناسبة بين عناصرها؛ لذا تجدين مساحات وتكوينات متصدعة، وأحياناً وصلاً هندسياً، وعلاقات عضوية وعلاقات مستوحاة من الطبيعة وتقلباتها، ونظراً لكون العناصر ليس لها مدلول واقعي فهي دعوة للمتلقي ليعمل إسقاطاته على اللوحات».
وإضافة للتناظر الفني بين المعرضين اللذين يحتلان الطابق العلوي من أتيليه القاهرة، يقدم الفنان ياسر جاد في معرضه «ترسو» أفكاراً جديدة، مستغلاً فكرة المذيبات اللونية النمطية التي يستخدمها الفنانون بين «الزيوت والتربنتينا»، صانعاً من اللون الواحد تجليات عدة، مستعيناً بخلفيات مذهبة ونحاسية أضفت سحراً صوفياً على اللوحات، مجسدة أبعاداً تعطي للمتلقي أريحية وتترك لخياله العنان، ولا سيما في مساراته الحياتية.
يطلق الفنان ياسر جاد، صرخة لإنقاذ العمارة الشعبية في الواحة المصرية التي تتعرض للدمار، قائلاً: «الهوية المصرية، وبخاصة في واحة سيوة، وواحة الخارجة، والواحة البحرية تتعرض للضياع مع إهمال هذا الإرث المعماري المهم؛ لذا حاولت أن أقدم عبر المعرض قيمة هذا التراث وتفرده بتدرجات لونية ونورانية، تضمها اللوحات تتحدث عن مسارات حياة الإنسان، تعكس أيضاً التراث المعماري في مصر القديمة الذي يشكل هويتنا وماضينا الذي يجب أن نحافظ عليه من الضياع».