السودان: تصاعد الغضب بعد مقتل مدرس ودعوات للتظاهر والإضراب

أمر الرئيس السوداني عمر البشير بافتتاح نقطة جمركية حدودية كانت مغلقة بين السودان وليبيا، وبتسهيل حركة التجارة بين البلدين، بعد أيام قليلة من قراره فتح الحدود مع إريتريا.
في غضون ذلك، تصاعدت الدعوات لتصعيد الاحتجاجات والمظاهرات الليلية في مدن البلاد المختلفة، فيما أعلن مدرسون الإضراب عن العمل لثلاثة أيام مهددين بالتوقف عن تنظيم الامتحانات في حال عدم الكشف عن «قتلة» مدرس لقي مصرعه داخل مباني جهاز الأمن السوداني.
وقال البشير لحشد شعبي في منطقة الأندرابة بولاية شمال كردفان وسط البلاد، احتفاءً بافتتاح طريق بري يربط الولاية الغنية بالعاصمة الخرطوم، إن إعادة دائرة الجمارك في جبرة الشيخ إلى سابق عهدها، يمكن من وصول الصادرات من ليبيا، بما «يحقق الخير للناس».
ومنذ اندلاع الاحتجاجات الشعبية في البلاد في 19 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، لم تتوقف مخاطبات البشير الجماهيرية وزيارات المدن، التي نظمت له فيها حشود، بهدف إظهار شعبيته والرد على المظاهرات والاحتجاجات التي تعد أكبر تحدٍ واجهه منذ تسلمه السلطة قبل ثلاثين عاماً، بيد أن المعارضين قللوا على الدوام من هذه «الحشود»، ورأوا أنها لا تعبر عن جماهيرية فعلية.
وأعاد البشير فتح حدود بلاده مع إريتريا بعد إغلاق دام أكثر من عام، بذريعة تهديد قوات إريترية مدعومة من دولة إقليمية، وأعلن حالة الطوارئ وأرسل تعزيزات عسكرية كبيرة للولاية الحدودية كسلا، ومنها فاجأ المراقبين بإعلانه في مخاطبة جماهيرية الأسبوع الماضي، بفتح الحدود بين البلدين.
وبدا البشير متفائلاً باكتمال الطريق الذي أطلق عليه «طريق الصادرات»، ووصفه بأنه جاء تنفيذاً لوعود حكومته للشعب، وقال: «كثيرين كانوا يعتبرون الوعد بتنفيذ الطريق الحلم، محض استهلاك سياسي ودغدغة لعواطف الناس، ولا يمكن تنفيذ مثل هذه المشروعات، فيما تعاني البلاد من أزمة اقتصادية نتجت عن انفصال جنوب السودان».
وتعهد البشير في كلمته التي نقلها التلفزيون الرسمي، بتطوير المناطق الريفية، وتوفير الخدمات من مياه شرب صحية وكهرباء ومستشفيات في المنطقة، وتابع: «بناء طريق كهذا ليس أمراً سهلاً في ظروف السودان»، وأضاف: «مع هذا الطريق سنأتي بشبكة كهرباء لإنشاء بنية تحتية للتنمية».
ودعا البشير الشباب للعمل على بناء السودان وتنميته، وقال أمام حشد في قرية سراج القريبة «الشباب الذين فتحنا لهم الجامعات، عليهم الاستعداد ليواصلوا المسيرة ويبنوا السودان الجديد».
وعلى صعيد متصل، أعلن حزب المؤتمر الوطني الحاكم، بعد اجتماع قيادي برئاسة البشير، عن عقد «مؤتمر قومي» يعنى بقضايا الشباب، ووضع الحلول لقضاياهم. وأمر اجتماع المكتب القيادي الذي استمر حتى صباح أمس، بإجراء مراجعات وتعديلات على «قوانين النظام العام» المثيرة للجدل، وقانون «الخدمة الوطنية»، وذلك تمهيداً لما سماه «معالجة قضايا أساسية للشباب، لاستيعاب طاقاتهم، خاصة قضايا البطالة والتدريب وبناء القدرات».
ونقلت وكالة الأنباء الرسمية (سونا) عن فيصل إبراهيم، نائب البشير، قوله أمس، إن الاجتماع دعا القطاعين العام والخاص إلى الاهتمام بقضايا الشباب ونشر الأنشطة الثقافية والرياضية والاجتماعية.
وبحسب المسؤول الحزبي الرفيع فإن اجتماع المكتب القيادي لحزبه، تناول معالجات على «قانون الخدمة الوطنية» الهدف منها «كسب زمن الشباب والالتحاق بالأعمال».
وتتضمن قوانين النظام العام مواد تتعلق بالمظهر والزي والسلوك الشخصي والاجتماعي للمواطنين، وتواجه انتقادات بأنها حولت الدولة إلى «رقيب على حياة الناس وخصوصيتهم».
وتثير قوانين النظام العام جدلاً محتدماً، لكونها تتعارض مع مبادئ الحرية الشخصية المكفولة بالدستور، ومورست تجاوزات كثيرة أثناء تطبيقها، فضلا عن اعتبارها قوانين تستهدف النساء والجماعات الدينية والإثنية.
وقبل أيام، وصف مدير جهاز الأمن والمخابرات صلاح قوش بعض مظاهر تطبيق قوانين النظام العام، الممثلة في تجريم تعاطي «الشيشة» في المحلات العامة، وإغلاق شارع النيل أمام بائعات الشاي، بأنه «صناجة» حكومية.
وفي ورشة عقدت بوزارة الخارجية الأسبوع الماضي، أبدت الحكومة عزمها على إلغاء مادة «الزي الفاضح» والمادة 152 من القانون الجنائي التي تفرض قيوداً على أزياء النساء.
وتمنع قوانين النظام النساء من ارتداء «البنطال» وتفرض عليهن وضع غطاء الرأس «الطرحة»، وإلاّ اعتبرن يرتدين زيّاً فاضحاً يترتب عليه، تعرضهن للضبط والمحاكمة وفقاً لعقوبات تشمل «الجلد والغرامة».
من جهة أخرى، ما زالت مشاعر الغضب تشتعل في النفوس بسبب مصرع مدرس أثناء التحقيق معه في جهاز الأمن، وأكد ذووه أنه لقي حتفه بسبب التعذيب العنيف، فيما تقول المصادر الحكومية إنه توفي بتسمم غذائي، وإزاء ذلك أعلن عدد من المظاهرات والوقفات الاحتجاجية في أنحاء البلاد المختلفة بالتركيز على الخرطوم.
وبحسب بيان «تجمع المهنيين السودانيين» ينتظر أن تشهد العاصمة عدداً من الاحتجاجات والمظاهرات، فيما أعلن زملاء المدرس الذي لقي حتفه في معتقلات الأمن، إضرابا عاماً في كل مدارس البلاد يستمر حتى يوم غد الثلاثاء، للمطالبة بتقديم الجناة لمحاكمة فورية، وهددوا بالتوقف عن امتحانات شهادة الأساس والشهادة السودانية في حال عدم الاستجابة لمطالبهم.