مصير {كومرس بنك} يعتمد على قرار سياسي

يبدو أن حكومة برلين لا تعتزم بعد اليوم الدخول في أي نوع من المخاطر المالية المضرة، خصوصا في ملف العملاء المصرفيين. وبعد أن قامت في 2010 بإنقاذ مصارفها عن طريق ضخ سيولة مالية بلغت تقريبا 12 في المائة من الناتج القومي حينذاك، تستعد برلين في الوقت الراهن لاتخاذ قرارات سياسية للتخارج من سياسة مساندة البنوك، ستطال أولا مصرف كومرس بنك.
ويقول الخبير المالي الألماني «ماير أرمين» إن الحكومة الألمانية تمتلك 15.6 في المائة من أسهم «كومرس بنك»، ما يجعلها حاملة أسهمه الرئيسية. وفي عام 2009 اشترت من هذا المصرف أسهما بما مجموعه 295 مليون يورو (338.4 مليون دولار) ما يعادل 6 يورو لكل سهم، ليصل حجم ما ضخته برلين من سيولة مالية في خزائنه، مقابل شراء الأسهم، إلى 1.77 مليار يورو. ثم تدخلت مرة ثانية وبعيدا عن الأضواء الإعلامية لتستثمر مجددا في أسهم كومرس بنك كي يصل إجمالي استثماراتها فيه إلى 18.2 مليار يورو.
ويضيف الخبير أرمين القول إن كومرس بنك أعاد دفع هذه المساعدات الحكومية على مراحل. في عام 2011 سدّد لبرلين 11.5 مليار يورو ثم 1.6 مليار يورو عام 2013. تلا ذلك دفعة جديدة بلغت 1.4 مليار يورو، لذا يصل إجمالي ما استرجعته الحكومة من هذا المصرف إلى 14.5 مليار يورو فقط. ما يعني أن 3.7 مليار يورو من الأموال الحكومية ما تزال عالقة داخل المصرف. وما إن يتم استرجاع ما يتبقى منها فستنسحب نهائيا من ملف كومرس بنك من دون رجعة ومهما كانت الظروف، عندها ستكون عملية الدمج بينه وبين مجموعة مصرفية محلية أو أجنبية، من الحجم نفسه، أمرا واردا جدا، بل شبه محسومة.
وفي رأي الخبير المالي لا يريد وزير المال الألماني أولاف شولتز بعد اليوم أن تتولى الحكومة مهمة تغطية الفراغات والخسائر المصرفية، مثلما جرى سابقا بواسطة أموال المواطنين والمساهمين في دفع الضرائب. إذ تكبدت حكومة برلين، منذ أن دخل القطاع المصرفي الألماني نفق الأزمة عام 2008، خسائر ثقيلة المعيار جراّء ردمها هذه الفراغات. وللأسف لم تستطع للآن تحديد حجم هذه الخسائر المالية بدقة بما أن كثيرا من الملفات تبقى مفتوحة إلى إشعار آخر. فبجانب مصرف كومرس بنك يوجد شركة «هيبو ري» القابضة ومصرف «فيست آل بي» ومصرفين آخرين تراجع تصنيفها الائتماني وساءت سمعتها في الأسواق المالية الدولية. وحسب أرقام غير رسمية تقدّر خسائر حكومة برلين الناتجة عن سدادها فجوات ما خلفته هذه الكيانات المالية الضخمة من دمار مالي بين 70 و80 مليار يورو.
في سياق متصل، تقول الخبيرة الألمانية المصرفية «أليس وايتمان»، إن حكومة برلين وضعت ما إجماله 400 مليار يورو ضمانات على كل ما له علاقة بإصدارات السندات المصرفية الألمانية. كما أنها ضخت 80 مليار يورو في الأسواق المالية المحلية. وتختم الخبيرة وايتمان القول إنه رغم كل شيء نجحت حكومة برلين في التعويض عن خسائرها جزئيا. في عام 2010 قدّرت المساعدات المالية الحكومية، على شكل استثمارات في الأسهم ومساعدات وقروض، بنحو 12 في المائة من الناتج القومي. في حين بلغت هذه النسبة 5.5 في المائة فقط من الناتج في العام المنصرم. واليوم لا شك أن انسحاب الحكومة من أي دعم مباشر للمصارف المحلية الألمانية سيفتح الأبواب على مصراعيها أمام هوية مصرفية وطنية جديدة للبنوك الألمانية تتطلب عددا قليلا من العمالقة المصرفيين وكثيرا من المبادرات المستقلة التنافسية.