انخفاض حركة بيع الفيللات في السعودية نتيجة ارتفاع الأسعار

لا يبدو مستغربا أن تجد لوحة مدونا عليها «المنزل للبيع» أكل عليها الدهر وشرب، تقبع على واجهة بعض المساكن في السعودية منذ فترات طويلة تصل إلى سنوات متتالية، مما يعكس ركودا كبيرا يضرب هذا الفرع المصنف الأكثر هدوءا، وهو ما ألقى بظلاله على توفر منازل شاغرة بأعداد كبيرة، خصوصا في المناطق الراقية في شمال مدينة الرياض، حيث يكثر هذا النوع من البنايات التي أمضت سنين من عمرها دون أن يسكنها أحد، وتحول بعضها إلى منازل قديمة رغم خلوها من السكان منذ إنشائها.
واختلف عدد من المتخصصين العقاريين حول أسباب هذا الركود، فمنهم من قال إن سبب توفر أعداد كبيرة من المنازل غير المستفاد منها، هو تمسك أصحابها بمبالغ مرتفعة تفوق قدرة معظم شرائح المجتمع أو حتى لا تستحق المبلغ المشترط للتنازل عنها، أو انتظار المشترين لانخفاض الأسعار إذعانا للقرارات الحكومية الأخيرة في توسع خيارات التملك، كما أن تمويل البنوك التجارية للعقار، وهو الخيار المتوفر حاليا، يعتذر عن تمويل مثل هذه العقارات نظرا لارتفاع أسعارها، إضافة إلى أن معظم من يشتري المنازل الجاهزة يبحث عن الفيللات الصغيرة ذات الأسعار المنخفضة، وهي ما لا توفرها هذه النوعية من البنايات.
يقول بندر التويم صاحب مكتب متخصص في الاستشارات العقارية، إن هناك كما كبيرا من الفيللات التي يندرج معظمها تحت النوع الفاخر مغلقة وغير مستفاد منها، ومعروضة للبيع، بعضها منذ فترات طويلة، بسبب شبه انقراض تداول هذا النوع من العقار، مع ارتفاع تكاليف البناء والأراضي مما يدفع الراغبين في تملك السكن إلى شراء الأراضي، ومن ثم بناؤها، على شراء الفيللات الجاهزة، وذلك لبنائها بالتصميم الذي يرغبون فيه، بما يناسب احتياجاتهم بالتوازي مع المبالغ المادية التي يمتلكونها.
وأضاف: «السواد الأعظم ممن يبنون الفيللات وبالتالي يعرضونها للبيع هم من المستثمرين وليسوا من الأفراد، مما يعني أن المستثمر يضع سعرا معينا لا يتنازل عنه ولا يمتلك المرونة في خفض الأسعار أو تعديلها، مما يعني أن المبنى قد يضطر إلى الانتظار سنوات طويلة حتى يستقر عند مشتر جديد، بعكس الفرد الذي يمتلك مرونة أكبر في التفاوض، وذلك بالنظر إلى اختلاف الفروقات وحاجة الأخير إلى المادة أكثر من المستثمر، إلا أن شبح شيخوخة المبنى هو هاجس الكثير من التجار الذين ينتظرون مدة طويلة حتى يأتي الشخص النادر الذي سيتملكه من جديد».
يشار إلى أن الاستثمار في العقار السعودي من أكثر الاستثمارات جاذبية، خصوصا بعد انتكاسة سوق الأسهم السعودية عام 2008، وهو الأمر الذي دفع الاستثمار العقاري إلى تزعم الاستثمارات الأكثر تداولا وجاذبية في السوق السعودية على نطاق واسع، وأن هناك حركة عقارية غير مسبوقة تعيشها المنطقة، وانعكست على جميع القطاعات المرتبطة بالإنشاءات العمرانية.
وفي هذا السياق أبان بدر التميمي صاحب «شركة تميم القابضة»، أن القرارات الحكومية المتعلقة بتملك المساكن التي تداول الناس على أثرها شائعات عدة، أهمها انخفاض الأسعار من جديد، وهو ما لم يحدث، دفع بالسوق العقارية إلى الركود وعلى رأسها بيع الفيللات بمختلف الأحجام، بانتظار الانخفاض المزعوم الذي لم يسفر سوى عن ركود عام يلف السوق، وهم كمستثمرين ينتظرون مثل المستهلكين ما سيحدث عن مستقبل الأسعار، وهو سبب تخوف المشترين من الشراء الآن، ومن ثم يفوتون على أنفسهم التملك عند انخفاض الأسعار، وهو ما لا يراه يلوح في الأفق.
وحول أكثر الأماكن توفرا للفيللات في العاصمة الرياض، أبان التميمي أن شمال الرياض يحتل الجزء الأكبر منها، بسبب نشوء عدد من الأحياء الجديدة، خصوصا باتجاه المطار، كما أن تشطيب معظمها يعتبر من النوع الفاخر، وهو الأقل نشاطا مقارنة بالفيللات الأصغر حجما والمنخفضة في فخامتها، وهو النوع الأكثر نشاطا والأعلى طلبا، نظرا لانخفاض سعرها نسبيا، وأن النوع الفاخر لا يجذب سوى شريحة معينة ومحدودة من الراغبين في الشراء، وهم لا يمثلون الأغلبية التي تبحث عن سكن مناسب وليس فاخرا، تليها المنطقة الشمالية الشرقية وشرق الرياض، وفي المرتبة الأخيرة جنوب الرياض التي بدأت تنافس الأحياء الأخرى في الأسعار.
يذكر أن السوق العقارية السعودية ما بين شد وجذب في نسبة الإقبال عليها، إلا أنها لم تشهد منذ نشأتها أي انخفاض يذكر في أسعارها، نظرا إلى أن الحاجة الحالية إلى مزيد من المساكن تشكل ضغطا على الأسعار، إضافة إلى النمو السكاني المطرد الذي تشهده السعودية، خصوصا في المدن الرئيسية الكبرى مثل الرياض وجدة والدمام.
وفي شأن متصل أكد ياسر المريشد المستثمر العقاري، أن غالبية من ينوي تملك العقار هم من المواطنين البسطاء، وذلك عبر قروض البنوك التجارية التي تضع سقفا أعلى لسعر العقار، وبالتالي لا تسمح بشراء العقارات غالية الثمن نتيجة محدودية معظم الدخول، مما يعني أن الاتجاه الأكبر هو لصالح الفيللات الصغيرة الجديدة التي تتراوح مساحتها ما بين 270 مترا و450 مترا كحد أقصى، أما بالنسبة إلى الفيللات الأكبر من ذلك فهي ذات تحركات بطيئة في البيع أو الشراء، وحتى في البناء الذي أصبح مكلفا إلى حد كبير في ظل تنامي أسعار الأراضي والعمالة وأدوات البناء على حد سواء.
ويزيد المريشد: «من المؤسف أن هناك توقفا حقيقيا لبعض العقارات وعدم الاستفادة من وجودها بتاتا، نظرا إلى عرضها للبيع منذ سنوات طويلة دون وجود فرصة حقيقية لرواجها، نتيجة تعنت أصحابها ووضعهم أسعارا مرتفعة لا يمتلكها معظم الراغبين في الشراء»، لافتا إلى أن هناك أزمة حقيقية في التمويل بالنسبة إلى محدودي الدخل، وهم الأغلبية ممن يحتاجون إلى هذه الوحدات السكنية، إلا أن الفرق كبير بين ما يمتلكونه من ميزانية وبين ما يوضع عليها من أسعار، وهو ما لا يسمح لهم بامتلاك مثل هذه المنازل، مما يعني بقاء تلك الجاهزة مهجورة لسنوات طويلة.