ولا تزال رحلتي مستمرة منذ عشرين عاماً

هي مهنة اخترتها بالصدفة ومارستها بشغف. حين دخلت المجال الإعلامي كانت وسائل التواصل الاجتماعي عبارة عن مجموعة رسائل تصل إلينا من العالم العربي، تتضمن تعليقات على أحداث جرت أو مقابلات أجريناها.
لكنني على مدى عقدين من الزمن، نقلت المشاهد وتنقّلت معه بين الاحتفالات والمهرجانات حيناً؛ والحروب والمجازر أحياناً أخرى.
سرعان ما أدركت أن البطل الحقيقي ليس ذلك الذي يظهر على الشاشة؛ بل المشاهد الذي يجلس أمامها...
هو ذكي ومطّلع وناقد لاذع. يراقب التفاصيل ويحللها، لذلك تقع على المذيع مسؤولية كبيرة تجاهه، لا بد من أن يترجمها في تصرفاته وفي كلامه.
قد يعجب المشاهد بنا بسبب الشكل أو الماكياج أو الأزياء، وقد يثيره أحياناً بعض الموضوعات التي نطرحها، لكن هذا النوع من الإعجاب أمر مؤقت، لأن الأهم هو نوع العلاقة التي تبنيها معه. فهو قد يتجنبك إن لم تحترم حرمة بيته، وإن لم تكن لبقاً في كلامك، وأنيقاً بحضورك. ما يريده المشاهد فعلاً هو أن تقدم له ما يجذب عقله، وأن تكون متحدثاً باسمه على الشاشة؛ فتطرح الأسئلة نيابة عنه، وتعبّر عن فرحه وعن غضبه وعن ثورته.
في تصوري؛ من أراد أن يكون جزءاً من المشهد الإعلامي، فعليه أن يحترم هذه القواعد. المهمّة ليست سهلة، والمنافسة قد تكون شرسة.
هي مهنة كباقي المِهن؛ نتذوق فيها النجاحات كما نعرف الإخفاقات. لماذا ندمن عليها اذن؟
لأنها ببساطة مهنة ساحرة... مهنة يكافأ فيها المرء على عمله فوراً فلا يكون بحاجة لأن ينتظر مكافأة مالية نهاية السنة.
هي أيضاً مهنة قد نتحول فيها إلى هدف أو نتعرض لهجوم افتراضي، ولكن الاستمتاع بقراءة التعليقات الإيجابية على مواقع التواصل الاجتماعي حين نقدم للمشاهد ما يثير إعجابه، أمر لا يقدر بثمن.
مهنة تتحدى القدرة على الإبداع والإدهاش... مهنة يدخل معها المرء في حرب لذيذة مع نفسه ومع زملائه ومع الشاشات الأخرى.... مهنة تجعله يحلم ويفكر، يبكي ويضحك مع المشاهدين... مهنة يشعر معها بأنه فرد من كل عائلة في الوطن العربي... مهنة تحثّ على إخفاء خيبات الأمل وعلى البحث عن التفاؤل لبثّه بين الناس. هي مهنة هَوَيتُها، وعشقتُها، وأدمنتُها، فأكرَمتني وأنصفَتني ولله الحمد. مهنة تُشعِرُني بأني سندريلا من سندريلاتها، ولكنّ عقارب ساعتها لا تزيل عني السحر عند منتصف أي ليلة... فمع كلّ «تصبحون على خير» أملٌ بلقاءٍ جديدٍ يُزهِر، وَتَحَدٍّ شَهِي يلوح، وأحداثٌ تتسابق، ووجوهٌ تتزاحم لتضيء على شاشة وتدمغ الصباح بالخير، والمساء بالخير، في مهنة نتوسّم منها الخير الدائم رغم المتاعب التي تصاحبها.

* إعلامية لبنانية